البوابة لايت
داخل أحد أزقة منطقة كوم الدكة العريقة بالإسكندرية؛ ولد سيد درويش أو كما لقبه ملايين المصريين بـ «فنان الشعب»، هنا داخل هذا الزقاق أطرب عبقرى الغناء الشعبى آذان الملايين وعزف على أوتار قلوبهم حبا وفرحا وسلطنة؛ لتخلد ألحاله وكلماته الراقية فى القلوب والعقول رغم رحيل الجسد وتغير الزمان.
لم يكن سيد درويش فنانا عاديا من وجهة نظر الملايين؛ الذين اعتبروه أيقونة للغناء الشعبى المحبب للقلوب الذى يخرج من الفم ليدخل القلب دون تأخر؛ وهو أيضا صاحب قصة كفاح وصبر أثقلت حبه فى قلوب الملايين؛ فهو الفنان المكافح من أجل إيصال فنه للملايين.
فى منتصف مارس من عام 1892 ولد فنان الشعب؛ وبعد 16 عاما فقط من مولده؛ تزوج الفنان وأصبح رب أسرة مسئولا فاضطرته الظروف للعمل فى البناء والتخلى عن “الإنشاد والدندنة ” بعد أن كان ينشد ألحان الشيخ سلامة حجازى والشيخ حسن الأزهرى.
العمل فى البناء جاء بعد زواجه والانتهاء من المرحلة التعليمية الأولى فى المعهد الدينى بالإسكندرية؛ وكان قد اشتهر درويش على مقاهى الإسكندرية بصوته العذب وحنجرته الذهبية التى تطيب قلوب العاشقين المحبين للفن والغناء. وذات مرة وأثناء “الدندنة الغنائية” على أنغام العمل اليومى فى البناء تصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله أشهر المشتغلين فى الفن عام 1908، فأطرب فنان الشعب آذان الأخوين فاتفقا معه على مرافقتهما فى رحلة فنية للشام.
على مدار ما يقرب من 4 سنوات عاش درويش فى بلاد الشام أتقن فيها أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية وهو الأمر الذى زاد من موهبته وأتقنها حتى عاد 1914 ملحنا أغنيته الشهيرة «يا فؤادى ليه بتعشق».
ترك فنان الشعب مسقط رأسه فى كوم الدكة قاصدا القاهرة عام 1917؛ لتحتضنه قاهرة المعز على الرحب والسعة؛ فسطع نجمه وسمع أغانيه العاشقون للروعة الفن؛ وتهافتت عليه الفرق الموسيقية الشهيرة لتلحين أعمالها ومنها فرقة نجيب الريحانى، جورج أبيض وعلى الكسار، إلى أن قامت ثورة 1919 فغنى سيد درويش أغنيته الشهيرة الخالدة قوم يا مصرى.
لم يكن اسم سيد درويش الملقب بـ «فنان الشعب» من فراغ، فأيقونة الغناء الشعبى ترك بصمة خالدة توارثها الأجيال، فقد عزف وغنى «الحلوة دى والصنايعية وشد الحزام وأنا هويت وانتهيت وقوم يا مصرى ونشيد بلادى بلادى»؛ ولكن بعد 100 عام من رحيل خالد الذكر كما يلقبه محبوه، يئن منزل سيد درويش فى كوم الدكة متناسيين أغنيته الشهيرة «زورونى كل سنة مرة».
وبعد 100 عام من رحيل فنان الشعب، تحول منزله ومسقط رأسه بـ( كوم الدكة) إلى «خرابة» فالمنزل الذى تبلغ مساحته نحو 57 مترا والمبنى من الطين اللبن تحول إلى مقلب للقمامة واختفت ملاح الغرف بداخله؛ ولم يبق منه سوى 4 جدران تحيط المنزل من الخارج وباب خشبى متهالك مغلق تماما بالأخشاب.
يقول إسلام الشاذلى، أحد جيران منزل سيد درويش فى حديثه لـ«البوابة نيوز»: لا توجد ملامح لمنزل سيد درويش نهائيا وبات عبارة عن سور حوائط بداخله أكوام من القمامة؛ بعد أن هجرته الأسرة وقل عدد زائرى المنزل حتى فى ذكرى رحيله.
ويؤكد الشاذلى: «الناس بتيجى تسألنى عن بيت سيد درويش وبيكونوا مصدومين لما يشوفوا البيت.. ناس كتير أوى بتفتكره متحف وهتشوف جواه العود وملابسه وصوره وآلات الغناء والنوتة الموسيقية ولكن فى الأخير بتتصدم لما يشوفوه وهو خرابة».
وعن منزل فنان الشعب فى القاهرة؛ والكائن بشارع عبد الناصر بجزيرة بدران بحى شبرا مصر؛ أرسلت أسرته قبل أعوام العديد من الاستغاثات لوزارة الثقافة وهيئة ترميم الآثار للحفاظ على المنزل الذى يحتوى على ممتلكات فنان الشعب ويعد ثروة شعبية ومزارا لمحبيه، وبالفعل تمكنت الأسرة فى الترميم الداخلى لمنزل فنان الشعب بجزيرة بدران والذى ظل صامدا لأكثر من 120 عاما حتى الآن.