يقدم موقع “الكيان”، لقرائه، رد دار الإفتاء المصرية على بعض تساؤلات المواطنين الدينية.
حيث ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه “ما حكم بيع جواز السفر لعوام المسلمين؟ أو الحصول عليه بطريقة غير مشروعة”، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ﴾ [النساء: 59]؛ قال العلامة ابن عاشور في “تفسيره” (5/ 97-98، ط. الدار التونسية للنشر): [أولو الأمر مِن الأمّة ومِن القوم: هم الذين يُسنِد الناسُ إليهم تدبير شؤونهم ويعتمدون في ذلك عليهم، فيصير الأمر كأنّه مِن خصائصهم.. فأولو الأمر هنا هم مَن عدا الرسول مِن الخليفة إلى والي الحسبة، ومِن قواد الجيوش، ومِن فقهاء الصحابة والمجتهدين، إلى أهل العلم في الأزمنة المتأخّرة، وأولو الأمر هم الذين يُطلَق عليهم أيضًا: أهل الحلّ والعقد] اهـ.
وأخرج الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السَّمعُ والطّاعةُ على الـمَرءِ الـمُسلِمِ فيما أَحَبَّ وكَرِهَ ما لم يُؤمَر بمَعصِيةٍ، فإذا أُمِرَ بمَعصِيةٍ فلا سَمعَ ولا طاعةَ»، والأدلة على هذا كثيرة.
وقد جاء في كتب السادة الشافعية أن وليّ الأمر إذا أمر بمستحبٍّ أو مكروه أو مباح وَجَب فعله. انظر: “الفتاوى الفقهية الكبرى” لابن حجر الهيتمي (1/ 278، ط. المكتبة الإسلامية).
حكم بيع جواز السفر لعوام المسلمين
وسبب ذلك كله أن طاعة أولي الأمر سببٌ لاجتماع الكلمة وانتظام المعاش؛ فلا بُدّ للناس مِن مَرجِعٍ يأتمرون بأمره؛ رفعًا للنزاع والشقاق، وإلا عَمَّت الفوضى واختل النظام العام، ودخل على الناس فساد عظيم في دينهم ودنياهم.
فللحاكم أن يَسُنّ مِن القوانين ما يراه محققًا لمصالح العباد؛ فإنَّ تَصَرُّف الإمام على الرعية مَنُوطٌ بالمصلحة، والواجب له على الرعية الطاعةُ والنُّصرة.
وعليه: فمَن أراد أن يسافر من بلد إلى آخر فعليه الالتزام بالقوانين المتفق عليها بين الدول في هذا الشأن والتي أمر الحاكم بالالتزام بها ونهى عن مخالفتها، ومن ثم تجب طاعته على الفور ولا يجوز السفر خارج هذا الإطار الـمُنظِّم لها.
وقد نَصّ القانون رقم (97) لسنة 1959م المعدَّل بالقانون رقم (78) لسنة 1968م في شأن جوازات السفر على أنه لا يجوز لمصري مغادرة البلاد أو العودة إليها إلا إذا كان حاملًا لجواز سفر، ومن الأماكن المخصصة لذلك، وبتأشيرة على جواز سفره، ويُعاقب مَن يخالف أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين جنيهًا.
حكم تزوير جواز السفر
وجواز السفر هذا لا بد من الحصول عليه من الجهات المخولة بإخراجه واستصداره فقط، أما الحصول عليه من غيرها بطريق التزوير والغش فهو من باب الكذب، وهو: الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه، والأصل فيه التحريم؛ وقد قال تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30]، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن غَشَّ فليسَ مِنّي».
مع ما في ذلك من التعاون على المعصية، والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]
قال الحافظ ابن كثير في “تفسيره” للآية (2/ 106، ط. دار طيبة): [يأمر تعالى عبادَه المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو: البر، وترك المنكرات، وهو: التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم] اهـ.
وأما ما يدعيه بعض الجهلة من أنه لا يجوز إعانة من يريد استصدار جواز السفر من عوام المسلمين مخافة أن يسافر به إلى بلاد الكفر، وهو حرام؛ لأن المسلم في هذه البلاد لا يأمن على دينه ولا يقدر على الجهر بالشعائر بلا خوف، وهو مضطر إلى الوقوع في المحرمات باطنًا وظاهرًا، فهذا كلام باطل لا يقوله من شم للعلم رائحة؛ وهو توسع في التحريم بحجة سد الذرائع، لكنها ذرائع موهومة، تشبه ما ضربه العلماء مثالًا للذرائع المتفق على اطراحها وعدم الاعتماد عليها؛ من نحو تحريم التجاور بين الناس مخافة الوقوع في الزنا، أو تحريم زراعة العنب مخافة أن يتخذ خمرًا.
قال الإمام القرافي في “الفروق” (3/ 266، ط. عالم الكتب): [اعلم أن الذريعة هي: الوسيلة للشيء، وهي ثلاثة أقسام؛ منها: ما أجمع الناس على سده، ومنها: ما أجمعوا على عدم سده، ومنها: ما اختلفوا فيه، فالمجمع على عدم سده؛ كالمنع من زراعة العنب؛ خشية الخمر، والتجاور في البيوت؛ خشية الزنا، فلم يمنع شيء من ذلك، ولو كان وسيلة للمحرم] اهـ.
وعليه: فمَن أراد أن يسافر من بلد إلى آخر فيجب عليه الالتزام بالقوانين المتفق عليها بين الدول في هذا الشأن، والتي منها حمل وثيقة جواز السفر، وتحصيل هذه الوثيقة لا بد أن يكون من الجهات المختصة بالطرق الصحيحة، أما إن كان بطريق التزوير والغش فهو ممنوع محرم.