قامت وزارة الأوقاف بتعمييم خطبة الجمعة اليوم على مساجد الجمهورية
وتأتى خطبة اليوم تحت عنوان: مفهومُ العبادةِ
وتدور الخطبة حول محاور ثلاثة رئيسة :
أولًا: الحكمةُ من خلقِ الإنسانِ
ثانيًا: تصويرُ القرآنِ لمَن لا يعبد اللهَ
ثالثًا: العملُ ضربٌ من ضروبِ العبادةِ في الإسلامِ
وفيما يلى نص الخطبة التى يلقيها الأئمة على مستوى الجمهورية كما كتبها الدكتور خالد بدير بدوي:
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليه ونستغفرهُ ونؤمنُ به ونتوكلُ عليه ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا.
ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له وأنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وسلم. أما بعدُ:
أولًا: الحكمةُ من خلق الإنسان
لقد خلقَ اللهُ الخلقَ ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}( الذاريات: 56 – 58).
والناظرُ إلى القرآنِ الكريمِ يجد أنّ عبادةَ اللهِ وحدهُ لا شريكَ له، هي رسالةُ جميعِ الأنبياءِ عليهم السلام لأقوامِهِم.
قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).
وقد حكى سبحانَهُ وتعالى عن نوحٍ وهودٍ وشعيبٍ وصالحٍ، أنهم قالوا لقومِهِم: { اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ( الأعراف: 59).
وحكى عزَّ وجلَّ عن المسيحِ عليه السلام أنّه قال: { اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم } (المائدة: 72).
ورسولُنَا – صلى الله عليه وسلم – ظلّ الفترةَ المكيةَ كلَّهَا يدعوا الناسَ إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ له.
فَحَقُّ اللِه على عبادِه أنْ يعبدوه، وفي المقابلِ إذا حققوا العبوديةَ كانوا بمأمنٍ مِن العذابِ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ :
” كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ ، يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ ، قَالَ : فَقَالَ: يَا مُعَاذُ ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟
وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ، قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ” . [متفقٌ عليه].
إذًا فالحكمةُ من خلقِ الإنسانِ هي عبادةُ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ له كما جاء في نصوصِ القرآنِ والسنةِ , على أنّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى ليس في حاجةٍ إلى عبادتِنَا ؛ فعبادتُنَا لا تنفع اللهَ ، كما أنّ معصيتَنَا لا تضر اللهَ ، وقد جاء في الحديثِ القدسيِّ:” يا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي, وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ” . (مسلم) .
فمن عَمِلَ صالحًا فلنفسِهِ، ومن أساءَ فعلى نفسهِ أيضًا ؛ كما قال سبحانَهُ وتعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } . (فصلت: 46) .
ثانيًا: تصويرُ القرآنِ لمن لا يعبد اللهَ
إنّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى خلقَ الإنسانَ من روحٍ وجسدٍ، وكان الغذاءُ الماديُّ هو قوامُ الجسدِ، وعبادةُ اللهِ تعالى على اختلافِ أصنافِها وتنوعِ ضروبِها هي قوامُ الروحِ ، وهي الغايةُ التي من أجلِهَا خلقَ اللهُ الإنسانَ وكرمَهُ من بين سائرِ المخلوقاتِ.
ومظاهرُ هذا التكريمِ أنّ اللهَ جمعَ فيه صفاتِ العالمِ العلويِّ ( الملائكة ) والتي تتمثلُ في الجانبِ الروحيِّ، وصفاتِ العالمِ السفليِّ ( الحيوانات والبهائم ) والتي تتمثلُ في الجانبِ الماديِّ الشهوانيِّ، فإذا اهتمَّ الإنسانُ بالجانبِ الروحيِّ وتغلبَ على شهواتهِ وقمعَهَا وهذبَهَا، صعدَ برُوحهِ إلى أعلى حتى يقربَ من درجةِ الملائكةِ، لأنّ هناك قاعدةً عامةً عندَ العلماءِ تقولُ:
وجودُ الشهوةِ مع قمعِهَا أفضلُ مِن عدمِ وجودِها، فكلما كثرتْ الشهواتُ والفتنُ وتغلبَ العبدُ عليها كلما كان أكثرَ أجرًا عند اللهِ، يدلُّ على ذلك قولُهُ – صلى الله عليه وسلم – : ” الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ” [مسلم].
قال الإمامُ النوويُّ: ” المرادُ بالهرج هنا الفتنةُ واختلاطُ أمورِ الناسِ ، وسببُ كثرةِ فضلِ العبادةِ فيه أنّ الناسَ يغفلون عنها ، ويشتغلون عنها ، ولا يتفرغُ لها إلا أفراد .” أما إذا أهملَ العبدُ الجانبَ الروحيّ واهتم بغذاءِ الجانبِ الماديّ من ملبسٍ ومركبٍ وغذاءٍ وشرابٍ، وغيرِها من ملذاتِ الحياةِ، كحال كثيرٍ مِن الناسِ الذين لا يعرفون للمسجدِ طريقًا، ولا للحسناتِ سبيلًا، فإنّه يهبطُ إلى أسفل حتى يصلَ إلى درجةِ البهائمِ.
قال تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }(الأعراف: 179) .
إنّ الحياةَ بدونِ عبادةٍ حياةٌ خاويةُ الروحِ، مظلمةُ الفكرِ، منتنةُ الطبعِ، متعفنةُ الفطرةِ، مرةُ المذاقِ، ولا أدلَّ على ذلك من حالات الناسِ في تلك المجتمعاتِ التي فقدتْ السلطانَ الروحيَّ، حيث يندفعُ الكثيرُ منهم إلى الانتحارِ نتيجةَ القلقِ النفسيِّ،
فإنّ عبادةَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى بها يُحفظُ التوازنُ بين مطالبِ الجسمِ ورغائبِ الروحِ، وبين دوافعِ الغرائزِ ودواعيِ الضمائرِ، وبين تطلعاتِ العقلِ وأشواقِ القلبِ، وهي مددٌ ووقودٌ لجذوةِ العقيدةِ التي تنيرُ جوانبَ النفسِ،
ولذلك ” كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – إذا حزبَهُ أمرٌ صلّى ” (أبو داود)، وكلما أحسَّ – صلى الله عليه وسلم – بضيقٍ أو هَمٍّ يقول: ” أقم الصلاةَ يا بلالُ أرحنَا بها ” (أبو داود) ، فكلما بعدتَّ عن العبادةِ والطاعةِ كنتَ في ضيقٍ وغمٍّ وقلقٍ نفسيٍّ وتوترٍ وضنكٍ، والشفاءُ والعلاجُ في صلتِكَ بالله، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}(طه: 124 – 126) .
وقد وصفَ اللهُ حالَ مَن لا يعبدُهُ بالبهائمِ، بل هو أضلُّ لأنّ البهائمَ تُسبحُ اللهَ وتسجدُ له، فتكون أعلى مرتبةً منه. { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }( الإسراء:44) .
وقد أوقفتني آيةٌ كريمةٌ في سورة الحجِّ تبينُ أنّ الكونَ بما فيه يسجدُ للهِ لا يتخلف لحظةً إلا الإنسان. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }.( الحج : 18) ،
فمن المعروفِ في اللغةِ أنّ المعطوفَ يوافقُ المعطوفَ عليه في أربعةٍ من عشرةٍ، واللهُ – عزّ وجلَّ – عطفَ جميعَ المخلوقاتِ بــ ” ال ” التي تفيدُ عمومَ وشمولَ جنسِ كلّ نوعٍ من هذه المخلوقاتِ – من شمسٍ وقمرٍ ونجومٍ وجبالٍ وشجرٍ ودوابٍ- وجاء عندَ الإنسانِ فعدلَ عن سياقِ العطفِ فقال: { وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } ليشيرَ إلى أنّ جميعَ المخلوقاتِ لا تتخلفُ لحظةً عن التسبيحِ والسجودِ والعبادةِ, وأنّ الإنسانَ الوحيدَ الذي لم يُخلقْ إلا للعبادةِ هو الذي يتخلفُ!!
فينبغي على الإنسان أنْ يوازنَ بين غذاءِ الجسدِ وغذاءِ الروحِ، حتى لا يطغى أحدُ الجانبين على الآخرِ .
ثالثًا: العملُ ضربٌ من ضروبِ العبادةِ في الإسلام
من عظمةِ الإسلامِ وروحهِ أنّه صبغَ أعمالَ الإنسانِ – أيًا كانتْ هذه الأعمالُ دنيويةٌ أو أخرويةٌ – بصبغةِ العبادةِ إذا أخلصَ العبدُ فيها للهِ سبحانَهُ وتعالي، فالرجلُ في حقلهِ، والصانعُ في مصنعهِ، والتاجرُ في متجرهِ ، والمدرسُ في مدرستهِ ، والزارعُ في مزرعتهِ ،….. الخ
كلُّ هؤلاء يُعتبرون في عبادةٍ إذا ما أحسنوا واحتسبوا وأخلصوا النيةَ لله تعالي في عملهِم، وهذا هو الفارقُ بين العاملِ المسلمِ الذي يرجو ثوابَ الآخرةِ قبل ثوابِ الدنيا، بل إنّ اللهَ تعالي جعل الضربَ والسعيَ في الأرضِ جهادًا في سبيل اللهِ.
قال تعالي:{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ) المزمل: 20) . يقولُ الإمامُ القرطبيُّ في تفسيرهِ لهذه الآيةِ: “ سوّى اللهُ تعالي في هذه الآيةِ بين درجةِ المجاهدين والمكتسبين المالَ الحلالَ ، فكان هذا دليلًا على أنّ كسبَ المالِ بمنزلةِ الجهادِ؛ لأنّه جمعَهُ مع الجهادِ في سبيلِ اللهِ ” .
وهذا ما أكدَهُ الرسولُ – صلى اللهُ عليه وسلم- لأصحابهِ. فعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: ” مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”. [الطبراني بسند صحيح ]،
وقال لسيدِنَا سعدٍ:” إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ”(البخاري) . بل إنّ الإسلامَ يذهبُ إلى أبعد من ذلك فيعدّ المعاشرةَ الزوجيةَ طاعةً وقربةً وعبادةً مع أنّ فيها مآربَ أخرى للزوجين، وفي ذلك يقولُ صلى الله عليه وسلم: “وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟! قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟! فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا”(مسلم) ، يقول الإمامُ النوويُّ: ” في هذا دليلٌ على أنّ المباحاتِ تصيرُ طاعاتٍ بالنياتِ الصادقاتِ ، فالجماعُ يكون عبادةً إذا نوى به قضاءَ حقِّ الزوجةِ ومعاشرتَهَا بالمعروف الذي أمرَ اللهُ تعالى به ، أو طَلَبَ ولدًا صالحًا، أو إعفافَ نفسهِ أو إعفافَ الزوجةِ ومنعهما جميعًا من النظر إلى حرامٍ، أو الفكرِ فيه، أو الهمِّ به، أو غيرِ ذلك من المقاصدِ الصالحةِ.”
إذن فالإسلامُ يَعتبرُ سعىَ الإنسانِ على نفسهِ وولدهِ جهادًا وعبادةً يثابُ عليها في الآخرة، ولو فطنَ كلُّ فردٍ إلى هذه الحقيقةِ لما تواني لحظةً في أداءِ عملهِ، بل إنه يسارعُ إلى أداء عملهِ بجودةٍ وإتقانٍ وإخلاصٍ، لا من أجل الحصولِ على المالِ فحسب؛ وإنما من أجلِ الثوابِ الجزيلِ والأجرِ العظيمِ الذي أعده اللهُ له في الآخرة.
فينبغي على العبدِ أنْ يوازنَ بين عملِ الدنيا وعملِ الآخرةِ، أي بين العملِ والعبادةِ. قال تعالى: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } . (القصص: 77).
ولهذا أمرنا اللهُ سبحانه وتعالى بالسعي إلى الصلاةِ وقتَ النداءِ لأداءِ الفريضةِ ، ثم الانتشارَ في الأرض والسعيَ من أجل الرزقِ. قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }( الجمعة : 9 – 11 ).
يقول الإمامُ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ :” لَمَّا حَجَر اللهُ عليهم في التصرفِ بعد النداءِ بيعًا وشراءً وأمرهُم بالاجتماعِ، أذنَ لهم بعد الفراغِ في الانتشارِ في الأرض والابتغاءِ من فضل اللهِ، كما كان عرَاك بن مالكٍ رضي الله عنه إذا صلى الجمعةَ انصرفَ فوقفَ على باب المسجدِ، فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتَك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خيرُ الرازقين .” أ.ه
وكان أحدُ الصالحين يعملُ حدادًا فإذا سمعَ الأذانَ لا ينزل المطرقةَ على السندانِ حتى يستجيبَ لنداء اللهِ؛ لأنّ المؤذنَ يقولُ: اللهُ أكبرُ، أي أكبرُ مما في يدك.
لذلك ينبغي على العبد أن يوازنَ بين الحقوقِ والواجباتِ، بين حقوقِ النفسِ وحقوقِ الربِّ وحقوقِ الغيرِ .
وفي هذا يقولُ صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ” . ( البخاري ) .
نسأل اللهَ أن يعينَنا على ذكرِه وشكرِه وحسنِ عبادتِه ،،،،،،
الدعاءُ،،،، وأقم الصلاةَ،،،،