منذ 2010 يطارد منتخب مصر النجمة الثامنة في كأس أمم إفريقيا، بعد أن أزاحت ثلاثيته الخارقة الكاميرون وغانا من على عرش الصراع الثلاثي المشترك، وانفردت به وحدها بعيدا.
في حقيقة الأمر مصر كانت ثاني الواصلين إلى هذا المعترك، بفضل لقب 1998 الذي كان الرابع في تاريخها، بينما لحقت بهما الكاميرون بلقبي 2000 و2002 على التوالي.
الصورة الحالية تتناقض كثيرا مع الخارطة الإفريقية عام 1982، إذ كان يملك منتخب مصر لقبي 1957 و1959، فيما كان منتخب الكاميرون يبحث عن لقبه الأول والذي سيتحقق بعد عامين (1984)، أما غانا.. فقد كانت ترفع لقبها الرابع بالفعل.
ومنذ الانفراد المصري، وصل الفراعنة إلى النهائي مرتين، في الأولى تصدت لها الكاميرون عام 2017 وانتزعت لقبها الخامس لتواصل المطاردة على الزعامة التاريخية؟ ولكن ماذا تفعل غانا طوال تلك السنوات؟
نتحدث عن 42 عامًا بلا تتويج.. خلال تلك الأعوام وصل النجوم السوداء إلى النهائي 3 مرات فقط، الأولى عام 1992 وتصدت لها كوت ديفوار، والثانية في 2010 وكان يمكنها أن تحول النتيجة إلى 6-5 فقط لصالح مصر، ولكن مصر حسمت سابعتها بهدف محمد ناجي جدو الشهير، أما الأخيرة فكانت في 2015، وتصدت لها كوت ديفوار مرة أخرى.
الكاميرون بدورها لا تفوت فرصة أبدا لإزعاج غانا، فقد أوقفتها في نصف نهائي 2008 و2017، وفي المرتين ذهبت هي للقاء مصر في النهائي، ولكن هذه ليست المشكلة، فعلى الأقل في نفس الفترة بين 2008 و2017، لم تشهد أمم إفريقيا نسخة واحدة بدون غانا في المربع الذهبي.. المشكلة الحقيقية فيما تلى ذلك.
مصر لها تركيبات نجاحها، والعديد من المنتخبات الإفريقية القوية تعتمد بشكل رئيسي على قوة محترفيها في أوروبا، أما غانا فهي خليط بين هذا وذاك، إذ اقتربن نجاحها القاري بأمور مختلفة لم تعد قائمة الآن.. فكيف كان الوضع حتى وصلنا إلى الثمانينيات؟ وما الذي تغير؟ وكيف انحدرت بهذا الشكل؟
في البدء كان أشانتي
علاقة لا تخفى على متابعي اللعبة بين تقاطع عصر ذهبي لمنتخب ما مع العصر الذهبي لأحد أندية نفس البلد، رأيناها في مصر مع الأهلي بالنصف الثاني للعقد الأول من الألفية، ورأيناها مرارا وتكرارا في ألمانيا مع بايرن ميونيخ، وعلمناها علم اليقين بتقاطع حقبة بيب جوارديولا في برشلونة مع ذروة فيسنتي ديل بوسكي في إسبانيا.
لا تعني هذه العلاقة بالضرورة أن هذا النادي هو السبب، أو أن المنتخب يتكون حصريا من لاعبيه، أو حتى كما يشاع أن مدرب المنتخب يكتفي بنسخ ما يفعله النادي الأقوى، على الرغم من أن حدوث ذلك لا يتنافى إطلاقا مع المنطق: إذا كان لدينا منظومة ناجحة تضم عددا لا بأس به من القوام الأساسي للمنتخب، فما الداعي أصلا لتغييرها؟
في غانا كان هذا هو أشانتي كوتوكو.. النادي الأكثر تتويجا في بلاده، وأول أندية غانا وصولا لنهائي دوري أبطال إفريقيا بمسماه القديم، وبطبيعة الحال أولهم تتويجا به.
حين توج منتخب غانا بلقب كأس الأمم الإفريقية عام 1963 للمرة الأولى لم تكن بطولة الأندية قد بدأت، وحين نال لقبه الثاني في 1965، انطلقت النسخة الأولى للأندية..
شارك أشانتي كوتوكو بداية من النسخة الثانية وبلغ ربع النهائي، وفي العام التالي 1967 بلغ النهائي للمرة الأولى، وبعد التعادل ذهابا وإيابا مع إنجلبرت الكونغولي، خسر المباراة الفاصلة لأنه لم يتمكن من الحضور.
بلغت غانا نهائي أمم 1968 وكانت على بعد خطوة من الثلاثية المتتالية قبل 42 عاما من تحقيقها على يد حسن شحاتة ورجاله، ولكنها خسرت النهائي، بينما كان كوتوكو يبلغ نصف النهائي عام 1969..
حاول النجوم السوداء مرة أخرى في 1970 ولكن خسروا النهائي، على الجانب الآخر، كان كوتوكو يرفع لقبه الإفريقي الأول على حساب إنجلبرت ذاته.
غاب منتخب غانا عن 3 نسخ متتالية، بينما بلغ كوتوكو النهائي مرتين وخسره في 1971 و1973، وحين حان وقت تحقيق غانا للقب الرابع عام 1982، كان أشانتي يخسر نهائيه الثالث على التوالي، هذه المرة ليهدي الأهلي بطولة إفريقيا الأكبر للمرة الأولى في تاريخ العملاق المصري، قبل أن يثأر منه في العام التالي مباشرة.
كل ذلك مجرد استنباط تاريخي من السياق.. فهل كان ذلك حقيقيا؟
هل كانت هناك علاقة بين صحوة أشانتي كوتوكو وبين إنجازات منتخب غانا وظهوره القوي على الساحة الإفريقية؟ الإجابة يحملها جيمس كواسي أبياه، مدرب غانا السابق ولاعب كوتوكو والمنتخب في الثمانينات..
“أشانتي كوتوكو له تأثير مباشر بالطبع على تاريخ منتخب غانا. في كأس أمم إفريقيا 1982 حين فزنا باللقب أغلب قائمة المنتخب كانت من أشانتي كوتوكو. كنت أنا وعلى ما أتذكر معي 8 لاعبين آخرين وجمعيهم شاركوا بشكل أساسي مع المنتخب”.
“المنتخب الغاني في تلك الفترة لم يكن مشهورا بكثرة المحترفين في الخارج لم يكن لدينا سوى إيمانويل كوارشي الذي لعب للزمالك ولاعب آخر وهو جورج الحسن الذي كان هداف البطولة“.
“لاعبو أشانتي خلال تلك الفترة كانوا من الأفضل في القارة حيث نجحنا في الفوز بدوري أبطال إفريقيا وكنا فريقا قويا للغاية، وبشكل عام دائما هناك علاقة تاريخية بين أشانتي كوتوكو ومنتخب غانا، حين يحقق النادي نتائج جيدة ويمتلك عددا من اللاعبين المميزين تجد منتخب غانا يقدم النتائج المطلوبة. الآن أصبح الاعتماد الرئيسي على المحترفين لكن لا يزال هناك بعض هؤلاء المحترفين تكون ونشئ في نادي أشانتي“.
إلى العالمية وما بعدها
حاول منتخب غانا اقتناص اللقب الإفريقي مجددا في 1992 ولكنه خسر النهائي أمام كوت ديفوار، فكرر المحاولة في 2010 وخسر النهائي أمام مصر، ليعاود الكرة في 2015، فينال منتخب كوت ديفوار لقبه الثاني على حساب الخصم ذاته.
قبل نهائي 2010 نال منتخب غانا المركز الثالث في 2008، وبين 2010 و2015 احتل النجوم السوداء المركز الرابع مرتين، وبعد خسارة نهائي 2015 احتل نفس المركز في 2017، ما يعني أنه حافظ على مقعده في المربع الذهبي لـ 6 نسخ على التوالي.
كان هذا هو الوقت الذي وصفه أبياه بـ “زمن الاعتماد على المحترفين”، وتقاطعت هذه المسيرة مع دخول الكرة الغانية لمعترك جديد عليها.. كأس العالم.
الرابط بين كوتوكو وغانا لم يعد بهذه القوة، إذ انتشر اللاعبون الغانيون -والأفارقة عموما- في شتى بقاع أوروبا، ونجح المنتخب في بلوغ المونديال للمرة الأولى في تاريخه عام 2006.
بداية جيدة للغاية، حيث خسر فقط أمام منتخب إيطاليا (بطل هذه النسخة في نهايتها) وفاز على التشيك والولايات المتحدة ليتأهل بالوصافة، ولكنه اصطدم بحامل اللقب منتخب البرازيل، لتنتهي المغامرة الأولى بثلاثية نظيفة.
المغامرة الثانية ليست من النوع القابل للنسيان.. في 2010 لم تخسر غانا في المجموعات إلا من ألمانيا، بعد أن فازت على صربيا وتعادلت مع أستراليا لتتأهل مرة أخرى.
يلتقي المنتخب الغاني بنظيره الأمريكي ويفوز عليه مجددا، هذه المرة في الوقت الإضافي، ليتأهل إلى ربع النهائي معادلا الكاميرون في 1990 والسنغال 2002، ويضرب الموعد الشهير مع منتخب أوروجواي.
اصطفت الغالبية العظمى من القارة السمراء دون مبالغة وراء غانا في تلك الليلة، إذ كنا قاب قوسين أو أدنى من مشاهدة أول منتخب إفريقي في المربع الذهبي العالمي، لولا يد لويس سواريز وركلة أسامواه جيان الضائعة.. لتمر أوروجواي بركلات الترجيح.
المشاركة الثالثة أتت مباشرة في 2014، بعد زلزال كوماسي الشهير على حساب المنتخب المصري، ولكن المشاركة ذاتها لم ترقَ إلى مستوى التطلعات.. بالطبع لصعوبة مجموعة تضم ألمانيا والبرتغال دور في ذلك، إلا أن نقطة غانا الوحيدة أتت من فم الألمان. حتى الفوز المعتاد على الولايات المتحدة لم يتكرر هذه المرة.
ماذا حدث؟
بدأ انحدار منتخب غانا منذ ذلك الوقت، تحديدا بعد خسارة نهائي كأس الأمم عام 2015 بركلات الترجيح أمام أفيال كوت ديفوار، إذ كان أفضل ما حققه هو المركز الرابع في 2017، ليفشل في التأهل إلى مونديال 2018، ويغادر أمم 2019 من دور الـ16 على يد تونس.
هذه المرة يخبرنا عن الأمر رجلان يعرفان جيدا ما يتحدثان عنه، الأول هو ميلوفان راييفاتش، مدرب غانا الحالي، ومدربها السابق بين عامي 2008 و2010، بكلمات أخرى.. بطل ملحمة مونديال جنوب إفريقيا ووصيف كأس الأمم في أنجولا.
“بعد رحيلي عن منتخب غانا تغيرت أشياء كثيرة في المنتخب. سبب تراجع مردود غانا خلال السنوات الماضية في رأيي هي المرحلة الإنتقالية التي مر بها المنتخب بعد نهاية الجيل التاريخي وبداية جيل شاب جديد”.
“الجيل الحالي كان يحتاج للاستقرار لأنه جيل شاب وجيد ولديه قدرات عالية، لكن لم يحصل المنتخب الغاني خلال الفترة الماضية على الاستقرار من حيث الطاقم الفني وأيضا على مستوى اتحاد الكرة الذي شهد تغيرات عديدة.“
“هدفي هو إعادة الاستقرار للمنتخب ومنح هؤلاء الصغار الثقة التي تجعلهم مثل الأجيال الماضية، هدفنا المنافسة على كأس أمم إفريقيا والتأهل لكأس العالم لذلك علينا ترتيب الأوراق والنظر إلى المستقبل فقط“.
“حينما كنت أدرب غانا كانت الأجواء رائعة بين اللاعبين. كنا عائلة واحدة وهذا سبب نجاحنا. حاليا نعمل أيضا ككتلة واحدة لتحقيق أهدافنا التي نسعى لها“.
أما الرجل الثاني، فهو جيمس أبياه نفسه، الذي قاد المنتخب لولايتين، بين 2012 و2014 في الأولى، وبين 2017 و2020 في الثانية، وهو يوافق راييفاتش بعض الشيء..
“ما حدث كان أمرا طبيعيا. غانا تمر بمرحلة انتقالية بعد نهاية جيل تاريخي قدم الكثير وكان منافسا قويا قاريا وعالميا. المنتخب يعيش مرحلة بناء جيل جديد في الفترة الحالية، وأتوقع له أن يكون منافسا قويا على كأس أمم إفريقيا وكأس العالم مع ميلوفان راييفاتش الذي يعرف الكثير عن المنتخب وحقق نجاحات كبيرة من قبل، وأتمنى لهم التوفيق في البطولة“.
ما قبل المهزلة
حتى الآن هناك مشكلة ولكنها ليست بتلك الضخامة، مجرد عثرة في 2019 بالخروج أمام تونس في دور مبكر، ولكن في 2021 كانت المأساة الحقيقية..
في زمن يتأهل به أفضل 4 من أصحاب المركز الثالث من المجموعات، غانا تخرج من الدور الأول، ليس لأنها فشلت في ترتيب الثوالث، بل لأنها احتلت المركز الرابع وراء المغرب والجابون وجزر القمر.
نقطة واحدة حصلت عليها غانا بالتعادل مع الجابون في الجولة الثانية، ثم جاءت الخسارة الصاعقة أمام جزر القمر لتكتب هي تاريخها الجديد.
ماذا حدث في 2021؟ يجيبنا كواسي أبياه المدير الفني السابق للفريق في ولايتين بين 2012 و2014 وبين 2017 و2020:
“ما حدث كان بسبب سوء التخطيط من الاتحاد والجهاز الفني. لقد كان الأمر كارثيا والمعسكر لم يكن بأفضل صورة كان هناك بعض المشاكل ولم يكن المنتخب مستقرا داخل المعسكر”.
“اللاعبين لم يجيدوا التعامل مع الضغط بسبب سوء البداية في المجموعات لذلك لم يتأهل المنتخب وكانت هناك بعض المشاكل الفنية”.
هل يستمر الوضع على ذلك؟ يكمل أبياه: “أتوقع أن تكون النسخة المقبلة صعبة لكن غانا حاليا بمشروع وأهداف مختلفة. هناك عناصر جديدة دخلت المنتخب وهناك دماء جديدة والعناصر الشابة كثيرة لذلك هم جائعون للنجاح”.
يوافقه الرأي تشارلز أوكونور، الرجل الذي تلاه مباشرة في عام 2020 وكان يفترض أن يقود المنتخب في نسخة 2021 ولكنه أقيل قبلها بوقت قصير، وتسلمها الصربي ميلوفان رايفاتش ليتحمل هو مسؤولية الفضيحة.
“هذه المرة نعرف ما يجب أن نفعله للفوز بالبطولة. لدينا الرجال الذين يتطلبهم العمل والاستعدادات جيدة هذه المرة ونحن مستعدون للفوز بهذه البطولة.
“نعم مصر في مجموعتنا وأحترم قوتها وكونها أحد المرشحين للفوز بالبطولة، ولكن اللعب في المجموعات يختلف عن الأدوار الإقصائية، ففي المرحلة الأولى تتطور الفرق وتتحسن ولذلك من المهم أن نلعب جيدا أمامها”.
الطريق يبدأ من مجموعة مصر وكاب فيردي وموزمبيق، فهل تعود غانا لتكشر عن أنيابها المفقودة على الساحة القارية؟ أم سنلتقي بكم مرة أخرى قبل نسخة 2025 لنضيف فقرة جديدة عن إخفاق كارثي آخر؟