آراء حرة
مما لا شك فيه أن نتائج الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤ جاءت مُعبرة تمامًا عن رغبات وتفضيلات الشعب المصري في استكمال الحلم والمشروعات القومية التي بدأت منذ عام ٢٠١٤ حتي الآن، أي منذ حوالي عشر سنوات ومن قبلها استدامة الأمن والاستقرار الذي بدونهما لا يمك أن يكون هناك تقدم وازدهار للمجتمع في كل المجتمعات.
ونجح الرئيس السيسي في كسب ثقة الشعب المصري في ولاية رئاسية جديدة.. فلا يمكن أن يتصور أحد حجم المشاركة الانتخابية من المصريين في الخارج والداخل، فقد وصلت المشاركة بنسبة تجاوزت الـ٦٦٪، وهي نسبة غير مسبوقة منذ أن عرفت مصر طريق الانتخابات والاقتراح، خاصةً أن مصر لم تكن تعرف قبل ذلك طريق الانتخابات إلا منذ عام ٢٠٠٥، وقد كانت الأمور قبل ذلك تسير بنظام الاستفتاء علي الرئيس الموجود!
وفي هذه الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها أربعة مرشحين علي منصب الرئيس منهم ٣ مرشحين يمثلون ثلاثة رؤساء أحزاب سياسية من تيارات مختلفة، بجانب الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي حصل علي اكتساح ظاهر بنسبة تتجاوز الـ٨٩٪، أي أكثر من ٣٩ مليون مواطن اختاروا الرئيس السيسي لفترة ولاية جديدة، بينما باقي المرشحين حصل علي ما يقارب ٣ ملايين صوت مجتمعين أي مليون لكل مرشح، بينما مرشح حزب الوفد جاء في المرتبة الأخيرة بأقل من مليون صوت.
وفي هذه النقطة دلالات خطيرة، بعيدًا عن اختيار الشعب للاستقرار والتقدم واستكمال الحلم الذي بدأه الرئيس السيسي مع الشعب منذ ٢٠١٤ حتي الآن، واختاروا أن يكون السيسي هو رجل المرحلة المقبلة بكل تحدياتها الكثيرة والتي لا يمكن لأي مرشح آخر من المرشحين أن يقوم بها من وجهة نظري، ولكن النتيجة جاءت كاشفة لأمر خطير وهو ضعف الأحزاب السياسية وهشاشتها وعدم تواجدها تقريبًا في الشارع، وخاصةً حزب الوفد العريق الذي يُعد من أقدم الأحزاب التاريخية، والذي يمتد عمره إلى أكثر من مائة عام، إلا أنه فشل حتي في الحصول علي أصوات تنافس بحق وحقيقي علي منصب الرئيس، بصرف النظر عن اختيار مرشحه الشخصية الفاضلة.
إن الأحزاب المصرية وعددا يفوق المائة حزب لا وجود لها علي أرض الواقع، وهو ما دعا إلى ضرورة مراجعة الأحزاب والحياة السياسية برمتها لأجل إفراز كوادر قادرة علي مواجهة الأعباء المجتمعية والسياسية وتحديات الداخل والخارج أيضًا، إلا أن النتيجة أفصحت بقوة عن رغبة المصريين في اختيار الرئيس السيسي الذي حرص علي أن تُجرى الانتخابات في جو من الحرية التامة ودون توجيه من أحد لصالح أحد.
كما أن المشاركة الكبيرة للجماهير بالخارج والداخل أكد علي أن المصريين يشعرون بالخطر الحقيقي علي بلادهم التي تنعم بالاستقرار، سواء من خلال التهديدات التي تتعرض لها حدود مصر الشرقية من قبل إسرائيل وسعيهم للتهجير القسري للفلسطنيين من أراضيهم إلى سيناء من أجل إنهاء القضية الفلسطينية، وهو ما ترفضه مصر شكلًا وموضوعًا، إلا أن إسرائيل ماضية في طريقها ولا تستمع لأي أحد في تحدٍ للأعراف وللقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
الأمر الآخر أن هناك تهديدا لمصر من ناحية الجنوب بعد نزوح أعداد كبيرة من السكان بسبب الحروب الدائرة فيها بين الميليشيات المسلحة ضد الجيش السوداني، الأمر الذي جعل السكان يهربون من جحيم الحرب إلى البلاد المجاورة لهم، وجاء إلى مصر حوالي نصف مليون سوداني، فضلًا عن وجود ٩ ملايين ضيف غير مصري على الأراضي المصرية، وهو أمر يُمثل ضغطا وعبئا علي الاقتصاد المصري، وربما كان جزءًا من مشكلات المحلية التي عانى منها الشعب مؤخرًا، أما الأمر الآخر فهو التهديدات من ناحية الغرب في ليبيا، وتهديدات أخرى من ناحية البحرين المتوسط والأحمر وهو ما جعل المصريين يختارون رئيسا قويا ذا خلفية عسكرية قادرا علي التصرف والتعامل مع كل الأمور والتحديات التي تواجه الشعب المصري.
أرقام نتيجة الانتخابات الرئاسية تقول إن مشاركة الشباب كانت كبيرة للغاية وهو ما يؤكد علي اهتمام الدولة بهم من خلال التجمعات الدولية والمؤتمرات وتنمية وإعداد الشباب للقيادة التابع للبرنامج الرئاسي واستيعابهم في كيان سياسي جديد اسمه تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وغيرها من الممارسات التي تؤكد علي اهتمام الدولة بفئة الشباب، بالإضافة إلى مشاركة المرأة بكثرة أيضًا لاهتمام الدولة بوضع المرأة، فضلًا عن الفلاحين والصعايدة في الأرياف بعد أن تمت مشروعات «حياة كريمة» و«تكافل وكرامة»، بالإضافة إلى كبار السن أيضًا بعد حدوث طفرة وزيادات في المعاشات ورواتب الموظفين في ظل الغلاء المستمر في الأسعار، بالإضافة إلى المشاركات فإن الانتخابات لم تكن بها ملاحظات مؤثرة في العملية برمتها، وأشادت بها مختلف الصحف والمنظمات الأجنبية المتابعة لهذا الاستحقاق الدستوري الأهم في مصر.
وكان مشهد لقاء السيسي بالمنافسين له عقب إعلان النتيجة هو استكمال للمشهد الحضاري الراقي الذي شاهدناه في الانتخابات، وهو ما جعل هناك انتعاشا للفترة المُقبلة للأحزاب السياسية وربما للحياة السياسية برمتها والمجتمع أيضًا، من أجل وطننا الغالي الحبيب مصر الذي نعيش فيه ونسعي جميعًا بقوة للعمل من أجله.