بعد اندلاع حرب 15 أبريل بالسودان، أطلق الصحافي السوداني عبد الكريم قاسم نداء بكلمات مؤثرة لقوات الدعم السريع لرفع الحصار عن مستشفى الأمل بالخرطوم بحري ليتمكن مرضى الكلى – وهو أحدهم – من إجراء عمليات الغسيل الكلوي.. “كلمات قاسم الأخيرة” لم تجد آذانًا صاغية حتى توقّف قلبه عن الخفقان، بعد معاناة قاسية من مضاعفات مرض الكلى قبل أسبوعين تقريبًا.
مأساة عبد الكريم قاسم كانت عنصراً واحداً من عناصر المأساة الإغريقية الموغلة بالسوداوية والقتامة لأحوال المرضى بالسودان جراء الحرب الضروس بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، “فمن لا يقتل بالرصاص تنهش جسده وطأة المرض وشح الدواء وانعدام الخدمات الصحية” تحت ظل بلد منكوب، وحرب طاحنة لا تستثني حتى سيارات الإسعاف من براثن الخوف والتهديد والعدوان.
وقد أكدت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في بيان نهاية شهر مايو الماضي، أن 66% من المستشفيات- المتاخمة لمناطق الاشتباكات- متوقفة عن الخدمة، من أصل 89 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات، يوجد 59 مستشفى متوقفة عن الخدمة، و30 مستشفى تعمل بشكل كامل أو جزئي (بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط) وأيضا مهددة بالإغلاق لنقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي.
أما مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور التي شهدت معارك ضارية فما زالت جميع المرافق الصحية خارج الخدمة بعد الاعتداء عليها ونهبها والاعتداء ونهب المخزن المركزي للدواء وسكن الأطباء ومكاتب الهلال الأحمر. وتوقف مركز الكلى الوحيد في مدينة الجنينة.
في المقابل، أكدت تقارير صحافية أن هناك أكثر من ألفي مصاب تقريبًا، غالبيتهم العُظمى من النساء والأطفال يجدون صعوبة شديدة في تلقي العلاج لخروج جميع المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، ورغم اتخاذ منازل بالأحياء السكنية البعيدة عن نطاق العمليات العسكرية كمستشفيات مؤقتة، فإن انعدام الأوكسجين وجرعات التخدير والمحاليل الوريدية والمضادات الحيوية وتوقف بنك الدم سرعان ما تحولت لعقبات كأداء أمام تقديم الخدمات الطبية وتفاقمت الأوضاع لانقطاع التيار الكهربائي والماء والاتصالات تماما.
مستشفى في السودان (رويترز)
من جانبها، ذكرت مصادر طبية لـ”العربية.نت” أن مدينة الجنينة بغرب دارفور تعيش عزلة كاملة حاليا، خاصة مع انقطاع كل وسائل الاتصال، والوضع الكارثي هناك وارد جدا في ظل دمار المدينة والمؤسسات الصحية.
وأضافت ذات المصادر لـ”العربية.نت” أن العمل حاليا صعب للغاية مع احتلال المؤسسات الصحية بالخرطوم، وتدمير نظيراتها بدارفور، وعدم توفر طرق وممرات آمنة لعبور سيارات الإسعاف والطواقم الطبية ونهب المستلزمات الطبية أكثر من مرة.
في المقابل، هناك تضحيات خرافية تبذل من الكوادر الطبية والصحية لإنقاذ الأرواح وإبراء الجراح في ظروف بالغة التعقيد وسط القصف المدفعي والصاروخي وأزيز الطائرات الحربية المُخيف وتطاير الرصاص الراعف كالمطر والقذائف العمياء الطائشة ودوي الدانات والراجمات وكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ومنذ يومين أصدرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان قائمة ضحايا الأطباء والكوادر الطبية والصحية وطلاب الطب منذ تفجر حرب الجنرالين، حيث لقي 19 شخصا مصرعهم، غالبيتهم العظمى قتلوا بالرصاص الحي أو انفجار دانات وقذائف صاروخية.