سياسة
وسط حالة من التخبط والانقسام الداخلي بحركة النهضة الإخوانية التونسية، تحاول قيادات الحركة استغلال العديد من المناورات للضغط على الحكومة التونسية وتحقيق أي مكاسب لها، خاصة وأنها باتت تعاني بشدة من تدهور أوضاعها الداخلية بعد احتجاز عدة قيادات على ذمة قضايا خطيرة أبرزها قضية التآمر على أمن البلاد، لذلك تروج لأن هذه القيادات محتجزة دون توجيه تهم لها، من باب التضييق على المعارضين.
شددت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال، الأربعاء الماضي، في جلسة استماع لها في البرلمان التونسي، على ضرورة التأكد من صحة الأخبار المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي تشيع أن هناك محتجزين في السجون لا يواجهون أي تهم، مشيرة إلى أن تداول مثل هذه التصريحات يأتي في إطار الضغوطات التي تتعرض لها الحكومة، قائلة، إننا “لا نخاف الضغوطات، وإذا كنا نخاف منها لبقينا كما كنا”.
وأوضحت “جفال” أن جميع الموقوفين تم القبض عليهم بناء على توجيه تهم لهم، وعلى ذمة قضايا؛ مؤكدة أن “القضاء يحترم الإجراءات في جميع القضايا بقطع النظر عن صفات الأشخاص الموقوفين”، وحول الإدلاء بتفاصيل حول بعض القضايا المطروحة، كما لفتت “جفال” إلى أن وزارتها “تحترم واجب التحفظ في القضايا الجاري فيها التحقيق ولا يمكن الحديث فيها احتراما للإجراءات المعمول بها في كل أنواع القضايا”.
في مطلع الشهر الجاري، شدد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، في اجتماع له مع ليلى جفال وزيرة العدل، على ضرورة البت في عدد من القضايا التي لا تزال منشورة أمام المحاكم لأكثر من عقد.
كما أكد على ضرورة تحمل القضاة مسؤولياتهم التاريخية في تطهير البلاد من الشبكات التي عربدت ولا تزال تسعى إلى العربدة بكل الطرق بما في ذلك الارتماء في أحضان دوائر أجنبية.
كما أمر رئيس الجمهورية بإثارة تتبعات قضائية ضد كل من أدى إلى تخريب عديد المؤسسات والمنشئات، فعديدة هي القرائن بل الدلائل التي تثبت أن هذه المؤسسات والمنشئات تم تفليسها بهدف تمكين عدد من اللوبيات من السيطرة عليها منذ أن تم اعتماد ما يسمى ببرنامج الإصلاح الهيكلي. وذلك وفق بيان صادر الرئاسة التونسية.
“النهضة” تتجاهل الانتقادات
يبدو أن هناك قيادات داخل الحركة تظل متمسكة بالقيادات المسنة التي أودت بالحركة إلى مصير بائس، حيث قيادات في السجن لقضايا إرهاب وفساد مالي وإداري، وغلق مقرات الحركة وتعطيل اجتماعاتها، في هذا الإطار يصر البعض المضي في نفس الخط، وهو ما أوضحه بلقاسم حسن، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة والعضو بجبهة الخلاص الوطني، في حديث تلفزيوني محلي، أن حركة النهضة تضرب المثل بقدرتها على تداول المسؤوليات داخل الحركة وعلى استمرار دعم المكتب التنفيذي للحركة بمجموعات من الشباب.
تأتي هذه التصريحات لبلقاسم في إطار أن متوسط العمر داخل المكتب التنفيذي نحو ٥٦ عاما، وهو ما يظهر استمرار كذب القيادات التي تدعي أنها تدعم نفسها بالشباب، وأنها قادرة على تداول المسئوليات داخل الحركة، مع أن هذه التداول يأتي رغما عنها نظرا لاحتجاز زعيم الحركة ونوابه والقائم بأعمال على ذمة قضايا ما أدى إلى تصعيد العجمي الوريمي أمينا للحركة في نوفمبر الماضي.
في الوقت نفسه رفض بلقاسم حسن مطالب البعض الداخلية بإنهاء دور راشد الغنوشي كرئيس للحركة كونه متقدم في السن، بطيء الحركة، يقضي عقوبة السجن في حكم قضائي بإهانة الأمن عندما أطلق عليهم وصف “الطواغيت” وهي مفردة مستخدمة من قبل الجماعات الإرهابية والمتطرفة في وصف قوات الأمن النظامية بهدف تكفيرها والتحريض ضدها، وهو ما وقع فيه الغنوشي بلسانه، مكذبا ما يزعمه عن نفسه أنه من رواد الفكر الوسطي والمعتدل.
وقال بلقاسم حسن، إن تولية الغنوشي أو عزله أمر لا يخص إلا أبناء حركة النهضة والمنتمين إليها، وعندما يكون هؤلاء مقتنعين بزعامة وقيادة الغنوشي لماذا يجب أن نعزله عن منصبه لمجرد أنه مسن، لكنه يرحل عن الحركة عندما لا يكون قادرا على إدارة الحركة وليس أهلا لزعامتها.
حديث بلقاسم لفت إلى مدى تجاهل قيمة رأي الشارع والمواطن التونسي الذي لا ينتمي إلى أحزاب بينما من حقه أن يصدر انتقاداته على الشخصيات الحزبية في بلاده، لكن بلقاسم ينزعه هذا الحق مستندا إلى أنه أمر داخلي يخص الحركة. كما أنه يتجاهل بوضوح أن الغنوشي ليس قادرا وليس مؤهلا لإدارة الحكم لأنه قابع في السجن يقضى فترة عقوبته، وينتظر قضايا أخرى ربما يتورط فيها تخص التآمر على أمن البلاد.
لكن ما يجعل قيادات النهضة متمسكة بالغنوشي رافضة الانتقادات الداخلية والخارجية التي تطالب الصف الثاني والثالث من القيادات بالتحرك لصالح وضع قيادات جديدة، هو أن الحركة لا تزال تفكر في المتاجرة بمظلومية أن رئيس الحزب أو الحركة مسجونا سياسيا، لذا تمارس الضغط السياسي، طالبة الدعم من جهات خارجية لأن تتعامل مع قيادات الحركة بوصفهم سجناء رأي وسياسة وليس تورطا في قضايا أمنية ومتعلقة بالإرهاب وخطيرة.
ثم أن تنحية هذه القيادات يثبت للتونسيين أنه اعتراف ضمني من الحركة بأن هذه القيادات هي التي قادت تونس إلى شلل سياسي وإلى أخطاء سياسية كارثية أدت بالحركة إلى نفق مظلم بعدما لفظها الشارع، وانفتحت أمامها أبواب القضايا والاتهامات التي عطلتها كثيرا عندما كانت في السلطة.
محاولا الهروب من قيود القضايا التي تلاحق قيادات الحركة، استنكر بلقاسم محاكمة وزير داخلية سابق أو وزير عدل سابق أو رئيس وزراء سابق في تهم تسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب، أو منح جنسيات وجوازات سفر غير قانونية، من الأفضل أن نرى محاكمات تخص مكافحة الفساد، وهي محاولة دائمة من النهضة لإشغال الناس بالقضايا الوقتية الناتجة على أزمة اقتصادية عالمية، وللتقليل من شأن هذه القضايا التي تهدد أمن البلاد، بينما هو يعتبرها قضايا تافهة ولا تهم التونسيين وأنه ما يهم التونسيون هو ملاحقة الفساد وغلاء الأسعار وانخفاض قيمة العملة، واستعادة المسار الديمقراطي.
مناورة تغيير اسم الحركة
في الوقت الذي يشير فيه حديث بلقاسم حسن إلى التمسك بالنهج القديم للحركة، فإن حديث العجمي الوريمي الأمين العام للحركة، عن تغيير اسم الحركة وتغيير مجلس شورى الحركة إلى المجلس الوطني، يشير إلى الجناح الآخر داخل الحركة الذي يرغب في عقد مؤتمر عام يمكن من خلاله تصعيد قيادات جديدة، وتغيير اسم الحركة واختيار مسميات تمكنها من الاندماج وسط القوى الوطنية واليسارية المعارضة حتى يصعب على الحكومة وصفها بالتطرف أو التعاون والدعم لجماعات متطرفة.
هذا التوجه يشير إليه تدوينة الوريمي عن تغيير المسميات، التي جاء فيها بأنه “ليس هناك ما يدعو لتغيير الاسم قبل المؤتمر، فعادة يتم تغيير أسماء الأحزاب كليا أو جزئيا في المؤتمرات أو عند إعادة التأسيس.
كما لا يستبعد تغيير اسم مجلس الشورى باسم المجلس الوطني وهي فكرة طرحت قبل المؤتمر التاسع ولم يتم التركيز عليها أو تفعيلها لكنها تبدو اليوم أكثر تلاؤما مع التوجهات الجديدة للحزب كحزب يبحث عن مشتركات مع القوى الديمقراطية والمدنية”. أي أنه يسعى للتلاؤم مع القوى المدنية والديمقراطية، كي لا تقف الحركة وحدها في أزمتها التي فشلت في الخروج منها.