دأبنا على التحذير ، ولازلنا نحذِّر من محاولات إشاعة الفوضى بمعناها التدميري فقد اكتمل حزام النار حول مصر ؛ وهو ما أسمِّيه نظرية حرق الأطراف التي هي في تقديري تطوير لنظرية «شد الأطراف» التي وضعها بن جوريون أول رئيس وزراءٍ لإسرائيل- وقصد منها أطراف الوطن العربي لإقامة علاقات متميزة معها وهي بعض دول أفريقيا وإيران وتركيا للتأثير على القلب ، والآن بعد تدجين أغلب الوطن العربي وتدمير جيشي العراق وسوريا ،لم يعد أمام خطة تفتيت المنطقة إلا جيش مصر ، فأحرقوا له الأطراف لتشتيت الجهد العسكري والاقتصادي .. السودان واليمن وسوريا وغزة وليبيا التي لايوجد مبرر واحد لكي تظل منقسمة على نفسها يحارب الشرق فيها الغرب بأموال نفطهم و هم جميعًا مسلمون مالكيون وطيبون و كرماء ، ومع اقتراب إشعال الحرب العالمية الثالثة بمعناها الحرفي لا بدَّ من صبِّ الزيت على النيران في هذه المخاضات الرخوة لتشتعل كمقدمة للفوضى الكبرى ويبدو أنهم سيبدأون بليبيا لخصوصيتها بالنسبة لمصر ، ولملاصقتها لدول جنوب الصحراء الكبرى التي مكَّنت روسيا لنفسها فيها بالفيلق الأفريقي (ميليشيا فاجنر سابقًا) بعد طرد فرنسا وأمريكا و ستبدأ المعركة بين روسيا وأمريكا في ليبيا التي تتواجد فيها روسيا عسكريًّا في الشرق ، ويبدو أنَّ خسارة روسيا على يد الأزواديين ومقتل 84 من فاغنر و47 عسكريًّا ماليًّا خلال معارك دارت نهاية يوليو المنصرم في « تينزاواتين » شمال إقليم «أزواد » قرب الحدود الجزائرية رفعت الروح المعنوية لأعداء روسيا و شجعت الأمريكان على استغلالها لتبدأ في إشاعة الفوضى في الصحراء الكبرى وعلى حدود مصر ، عبر وكيلين هما الجيش الليبي في الشرق والغرب والجماعات المسلحة فيها ، فبدأت بإفشال الاقتراع على شخص رئيس مجلس الدولة المقبِل في ليبيا بين خالد المشري ومحمد تكاله ، بسبب أن ورقة واحدة صوت فيها أحد النواب لمحمد تكاله ولكن على ظهر الورقة – ولايمكن لنائب برلماني أن يقترف هذا الخطأ إلا عمدًا – فألغيت ، وسط انقسام حاد بين الأعضاء واشتعل الغضب متوازيًا مع أحداث عنف في تاجوراء خلَّفت قتلى وجرحى واشتباكات بين لواء 444 وقوات جويلي ، وكلاهما يتبع لجيش الغرب ، وسيعيق كلُّ تلك الخلافات البرلمان ومجلس الدولة عن إجراء انتخاب رئيس الحكومة المصغَّرة المزمع اختيارها لتشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية ، وكان المهندس محمد المزوغي أكثر حظًّا برضا أغلب الأطراف الليبيَّة عنه بعد أن تم الاتفاق على تغيير الدبيبة، ومن هنا بدأ التوتُّر الذي أعقبه تحرُّك للجيش الليبي (فرع برقة) تجاه الجنوب والجنوب الغربي ، فأصدر المجلس الأعلى للدولة بيان استنكار لهذا التحرُّك العسكري في مسعى فاضح –كما قال البيان – لزيادة النفوذ والسيطرة على مناطق استرتيجيَّة مهمة مع دول الجوار ، ووصفها بأنَّها غير شرعية ، و هذه التحرُّكات – في تقديري – ترتبط بالدعم لفاجنر في مالي والنيجر وبوركينا فاسو ، أو ترتبط بأحداث « تينزاواتين » شمال «أزواد »، استنجد المجلس الأعلى للدولة (يمثل منصب رئيس الدولة ) بالبعثة الأممية والمجتمع الدولي « لإبداء موقف واضح تجاه هذه التحركات العسكريَّة غير المبرَّرة » ، هو ما سارعتْ إلى إجابته القوى الفاعلة فرنسا وألمانيا وإيطاليا و إنجلترا وامريكا إلى إصدار بيان تعرب فيه عن مخاوفها المشتركة نيابة عن المجتمع الدولي بشأن التحرُّكات العسكريَّة المستمرة في منطقة جنوب غرب ليبيا. مؤكدة أن هذه التحركات قد تؤدِّي إلى تصعيد ومواجهة عنيفة. وهو ما سيحدث – في ظني- لإشاعة أكبر قدر من الفوضى ، في ظل هذا السواد برزتْ نقطة ضوءضوء بزيارة اللواء أحمد المسماري مدير الشئون المعنوية في جيش الشرق إلى النصب التذكاري للجيش الليبي في « أبي رواش» بالجيزة ، تللك المنطقة التي تكوَّن فيها الجيش الليبي عام 1941 وبدأ فيها تدريباته ، ذهب أحمد المسماري –بناءً على توجيهات المشير خليفة حفتر كما قال- لوضع باقة زهور على النصب التذكاري مذكِّرًا با لآباء المؤسِّسين للجيش الواحد ، هذه الزيارة تحمل معنى ورمزًا لليبيين لعلهم يفهمونه قبل أن يكونوا وقود معارك ستفنيهم وتضعف جيرانهم ، وتقسِّم بلادهم .
د.أيمن السيسي