بعد ليلة من العنف شهدتها ضاحية نانتير غرب العاصمة الفرنسية باريس إثر مقتل مراهق على يد شرطي لارتكابه مخالفة مرورية، دعا وزير الداخلية جيرالد درمانان، اليوم الأربعاء، إلى التهدئة.
وقال درمانان في مؤتمر صحافي مشترك مع قائد شرطة باريس لوران نونيز: “نريد أن تكون لدينا الحقيقة كاملة عما حدث. إن الفيديو الذي صوره شاهد في مكان الحادث مروع للغاية ولا يتماشى على ما يبدو مع ما نريده في الشرطة”.
نشر 2000 عنصر
كما أضاف أنه “إذا تأكدت الصور، فلن تكون في أي وقت لفتة مثل تلك التي رأيناها مبررة”، داعياً إلى “احترام افتراض براءة” ضابط الشرطة المحتجز منذ الثلاثاء.
ووسط دعوات جديدة أطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي لاستمرار الاحتجاجات، أعلن أنه طلب نشر 2000 من عناصر الشرطة والجندرما في نانتير تحسباً لتجدد الاشتباكات مساء الأربعاء.
انتقادات حادة
غير أن تصريحات وزير الداخلية أثارت انتقادات حادة، أبرزها من محامية عائلة الضحية، حيث اعتبرت أن درمانان يدافع بصورة مبطنة “عن جريمة قتل” في وقت كان من المنتظر “أن يدين ما حصل”.
في حين صدرت مواقف عن عدد كبير من السياسيين والشخصيات المؤثرة في فرنسا تندد بالحادثة، كان أبرزها من نجم كرة القدم كليان مبامبي، الذي قال في تغريدة: “أشعر بالألم تجاه فرنسا.. هذا وضع غير مقبول.. كل أفكاري مع عائلة نائل وأقاربه، هذا الملك الصغير الذي رحل مبكراً”.
من أعمال العنف في ضاحية نانتير غرب باريس في 27 يونيو (رويترز)
قضية رأي عام
وشهدت ضاحية نانتير حيث يعيش نائل وحيداً مع والدته، أعمال عنف استمرت لأكثر من 6 ساعات، بعد اشتباكات دارت بين سكان من الحي ونحو 1300 عنصر شرطة تم الدفع بهم لمواجهة غضب السكان. وتسببت المواجهات بإصابة 24 شرطياً واحتراق نحو 50 سيارة، في حين ألقي القبض على 31 شخصاً، وفق وزارة الداخلية.
يشار إلى أن جريمة مقتل المراهق نائل (17 عاماً) تحولت إلى قضية رأي عام وسط ترقب امتداد الاشتباكات والاحتجاجات إلى مناطق جديدة، خصوصاً وأن مدينة أخرى هي مانت لا جولي، شهدت قيام عدد من الشبان الغاضبين بإحراق مبنى تابع لبلدية المدينة احتجاجاً على مقتل نائل.
من أعمال العنف في ضاحية نانتير غرب باريس في 27 يونيو (رويترز)
وقائع مختلفة
وفور إعلان الشرطة عن الحادثة صباح الثلاثاء، تناقلت وسائل الإعلام تعميماً صدر عن الشرطة يروي وقائع مختلفة عما حدث استناداً إلى تقرير رفعه عنصرا الشرطة اللذان تسببا بمقتل نائل، يشير إلى أنهما استخدما السلاح الناري ضد المراهق بعد أن شكل تهديداً لحياتهما وحاول دهسهما.
إلا أن عدداً من المارة وثقوا الحادثة بهواتفهم حيث أظهرت مقاطع فيديو الشهود أن المراهق كان قد أوقف سيارته ولم يهدد حياة عنصري الشرطة اللذان كانا يقفان إلى جانبه. وأظهر أحد المقاطع حواراً دار بين عنصري الشرطة ونائل، حيث قال أحدهما موجهاً سلاحه تجاه المراهق: “أطفىء المحرك قبل أن أضع رصاصة في رأسك”، ليرد زميله: “أطلق النار عليه”.
من أعمال العنف في ضاحية نانتير غرب باريس في 27 يونيو (رويترز)
حوادث متكررة
وكانت وسائل إعلام معروفة بقربها من اليمين وأقسى اليمين في فرنسا، بالإضافة إلى بعض السياسيين ونقابات تابعة للشرطة، قد سوقوا لوجود سوابق جنائية بحق المراهق القتيل تتعلق بتجارة المخدرات. لكن محامية عائلة الضحية حصلت على وثيقة “لا حكم عليه” من الشرطة الجنائية، تثبت أن نائل لم يكن بحقه أي حكم قضائي في السابق.
يذكر أن حوادث القتل على يد الشرطة تتكرر في فرنسا لأسباب تتعلق بعدم “الامتثال للأوامر” في حالات المخالفات المرورية، الأمر الذي يثير انتقادات واسعة وتحذيرات من انفجار اجتماعي نتيجة عنف الشرطة، حيث سجل عام 2023 وحده مقتل 13 شخصاً على يد عناصر الشرطة في حوادث مشابهة.