هل تخيلت يومًا من الأيام أن تعيش فوق السحاب أو أن تطُل من شرفة منزلك لترى منظرًا طبيعيًا جذابًا ولكن لن يكون هذا المنظر بحرًا أو بحيرة أو نهرًا أو حتى الأمطار تسقط فوق حديقة غناء، بل سترى أمامك السحاب يسير ببطء ومنزلك ملحقا في السماء يُعانق النجوم، هذا هو حال سكان قرية الحطيب الساحرة التي تُعتبر أغرب من الخيال، فالحلم قد يتحقق في الواقع حينما تتواجد في تلك القرية التي تُعد أغرب من الخيال، فعندما تشاهد صورها قد تعتقد أنها من الوهلة الأولى أنك ترى قرية من وحى الخيال أو بالأحرى مرسومة أو ضمن مشهد في فيلم خيالي ولكنها في الواقع حقيقية.
وتستعرض «البوابة نيوز» التفاصيل الكاملة لقرية الحطيب الساحرة التي تُعد أغرب من الخيال وطبيعة سكانها الذين يعانقون السحاب، وأسباب عدم سقوط الأمطار عليها، وكذلك قصة إنتاجهم لأجود أنواع البن عالميًا وعدم ترحيبهم للغرباء، خلال السطور التالية:
قرية الحطيب
هناك قرية يمنية تُسمى «الحطيب» تقع بالفعل فوق السحاب وذلك لطبيعتها، حيث تم إنشاء تلك القرية أعلى قمم الجبال، وارتفاع الجبال قد تجاوز السحاب لذا فإن أهل تلك القرية لا يستطيعون رؤية ما يحدث فوق الأرض، فامتداد بصرهم هو رؤيتهم للسحاب، كما أن القرية تُعاني من قلة المطر فأغلب المطر يمطر من أسفل القرية للأرض فلا تنال القرية إلا الشمس.
قرية لا تمطر عليه السماء
تقع قرية «الحطيب» الساحرة البديعة ذات الطبيعة الأقرب إلى الخيال، بمنطقة حراز بمحافظة صنعاء بدولة اليمن، تم بناؤها على أعلى قمة جبلية في العالم على سفح جبل يسمى حراز بارتفاع يصل لـ 3200 متر فوق سطح الأرض، ورغم هذا الارتفاع فإنها تتمتع بجو دافئ ومعتدل، كما أن ارتفاعها جعل منها لوحة ساحرة تقبع فى أحضان السحاب، ويشاهد قاطنوها المطر يهطل من تحتهم دون أن يمر بـ «الحطيب»، حتى قيل فى وصفها «القرية التى لا تمطر عليها السماء».
أسباب بناء القرية
بناها آل الصلحى فى الفترة من 439-459 هجرية لحماية أنفسهم من هجمات الأعداء، والحيوانات المفترسة، وهي لوحة معمارية على أرض يمينة حيث يمزج تصميمها المعماري بين الطرازين القديم والحديث، والعناصر الريفية والحضرية فى صورة بديعة تلفت الأنظار، وتم بناء القرية بحيث تحيطها أسوارها العالية وكأنها قلعة محصنة بمنازلها وجدرانها القوية اللاصقة بصخور جبال حراز، فنجدها مندمجة مع المناظر الطبيعية بين الصخور والحقول الواسعة النابتة، لذا تعد من أهم المعالم السياحية والأثرية في اليمن.
سكان قرية الحطيب
يسكن هذه القرية طائفة «البهرة»، مسلمين ينتمون للشيعة الإسماعيلية، ويبلغ عددهم 440 نسمة تقريبا، وكانت القرية ذات طبيعة بدائية تفتقر لأساسيات المعيشة حتى جاء محمد برهان الدين الذي اهتم بها وأدخل الكهرباء والماء وشق الطرق وبعد وفاته استمر ابنه فى الاهتمام بتقديم الخدمات للقرية ومساعدة الفقراء، و«البهرة» في اللغة الهندية تعني التاجر، وقد سُمي أهل القرية بهذا الاسم لانشغالهم بالتجارة.
القرية مزار سياحي
ورغم أن القرية تعتبر مكانا سياحيا ويوجد بها فندقان لكن يمنع المبيت فيهما حيث إن أهلها لا يحبذون وجود الغرباء بينهم، فإن كنت سائح لا يمكنك سوى زيارة القرية والتجول بها لعدة ساعات دون المبيت، فرغم وجود فندقان بالقرية إلا أننا نجد أن الفنادق هناك تقبل الإقامة لمن ينتمون لطائفة البهرة فقط.
القرية لا ترحب بالغرباء
القرية لا ترحب بالأغراب من خارج طائفة البهرة للإقامة هناك، فالفنادق لا تقبل الإقامة بها إلا إن كنت تنتمي لطائفة البهرة فقط، وكذلك مسجد القرية لا يمكنك أن تصلي هناك إلا إذا كنت من الطائفة، وهم كذلك لا يعترفون بالصلاة في مساجد أي طائفة أخرى، لذا فإن لم تكن من البهرة فلا يمكنك أكثر من زيارة القرية لعدة ساعات كسياحة دون المبيت على أرضها.
كما يوجد بها أيضًا خمسة مساجد ولا يسمح لغير البهرة بالصلاة بها، وتحتوي على مقام إبراهيم بن حاتم الحمداني وهو من أسس مكانا لهم فى قرية الحطيب وأقام له أهل القرية مقاما بعد وفاته وبنوا له مسجدا وأصبح مزارًا عالميًا يزوره أبناء طائفة البهرة.
زراعة أجود أنواع البن
عرفت قرية الحطيب بزراعة أجود أنواع البن، حيث تميز أهلها منذ القدم بزراعة وإنتاج أجود أنواع البن حيث تُزرع أشجار البُن في وديان القرية، وتسقى من أنهارها، ورغم أن عدد السكان ليس كبيرًا فإنهم يصدّرون أجود أنواع البن اليمني، عالميا فى وديانها وتسقى من أنهارها.
طبيعة النساء في قرية الحطيب
للنساء في تلك القرية ملابس خاصة بهم حيث يرتدين زيًا مكون من قطعتين بالإضافة لخمار ملون ويجب على المتزوجات أن يغطين وجوههن ولا يسمح للفتيات بذلك ولا يرتدين الأسود نهائيًا، أما الرجال فيرتدون دائما طواقى بيضاء مزركشة. وأضيفت هذه القرية إلى قائمة (اليونسكو) للتراث العالمى فى 2002 كموقع له قيمة عالمية استثنائية، وذلك عن استحقاق.
«الحمداني» الإمام المقدس لدى الحطيب
مع مجيء البهرة إلى اليمن ذاع صيت إبراهيم بن حاتم الحمداني، ما مكنه من إنشاء مكان لهم على واحد من جبال حراز في بداية القرن 12، الذي عرف بعد ذلك باسم قرية الحطيب، وقد كان الحمداني الإمام لأهل المدينة والمرشد الروحي، وبعد وفاة الحمداني في 1162، أصبح شخصًا كان مقدسا بالنسبة لهم، لذلك دفنوه داخل متنزه وأقاموا فوقه مسجد ومقام وأصبح مزار عالمي يحج إليه كل من ينتمي للبهرة في العالم، ويزوره هواة السياحة والمعرفة.
إسهامات محمد برهان الدين في قرية الحطيب
كانت قرية الحطيب ذات طبيعة بدائية خالية من كل مقومات الحياة والمعيشة حتى جاء «محمد برهان الدين» وكان بمثابة داعية معترف به لطائفة البهرة، فكان رجلًا غنيًا جدًا، مسلم من البهرة يعيش في الهند، وهكذا قرر أن يدعم حطيب، وبعد وفاته في يناير 2014، وواصل ابنه ما كان يفعله، فهو يزور القرية كل 3 سنوات ليبقى بها فترة ويقام بإدخال الكثير من الخدمات في القرية مثل الكهرباء والمياه والحدائق والفنادق والنباتات والبنية التحتية ومساعدة الفقراء في القرية، في مقابل اعتباره الداعية الأوحد للبهرة.
التوقف عن القات وزراعة البن
من عادات بعض قرى دولة اليمن هو زراعتهم لنبات القات وبالأخص أهل حطيب فكانوا ييدامون على زراعة نبات القات، سواء للاستخدام الشخصي أو للتجارة، ولكن برهان بدأ في أفناع الأهالي بالتوقف عن زراعة القات وزراعة البن بدلا عنه، وهي التجارة الشرعية التي بدأت في دعم أهل القرية.