“لن تنمو عندما ترتكب الأخطاء، بل ستنمو عندما تؤلمك الخسارة مع جيرونا، هذا هو الطريق لتطورنا كفريق، يجب أن تخاطر بحياتك في كل مباراة وحصة تدريب لتكون أفضل، موهبتكم يجب أن تضعكم في المراكز الـ10 الأولى في جدول الدوري، هذا القميص يجب أن يكون شيء مهم بالنسبة لك“.. كلمات ميتشل سانشيز المدير الفني لـ جيرونا للاعبيه في غرفة تغيير الملابس.
هل كنت تعتقد أن يوجد مدربا لفريق مثل جيرونا ليس هدفه أن ينافس للفوز على البطولات يتحدث بتلك الطريقة عن الخسارة؟ ولكن لماذا يتكلم مع لاعبيه -نفسيا- بهذه الطريقة والرسالة التي يريد أن يرسلها إليهم؟ الأمر ليس بسيطا بل خلفه عمل شاق مستمر، ستعرفه لاحقا.
يستعرض FilGoal.com كيفية تعامل الأجهزة الفنية نفسيا مع لاعبيهم في الأندية الصغيرة التي تتصدر بطولاتها المحلية والمثال الأبرز حاليا هو جيرونا الذي يتصدر الدوري بعد 12 جولة.
لا وجود للعشوائية
عندما يتعلق الأمر بالمنافسة خاصة مع الأندية الصغيرة التي لا تعتاد المنافسة والفوز بالبطولات خاصة الطويلة مثل الدوريات المحلية، فلا يكون ذلك بشكل عشوائي فهذا مستحيل، وليس فنيا فقط بل حتى نفسيا وهذا ما سيتم مناقشته.
ميتشل مدرب جيرونا يقود الفريق منذ 2021 وتمكن من الصعود لدوري الدرجة الأولى بعد الفوز في مرحلة الملحق، وما زال رفقة الفريق حتى الآن في الموسم الثالث على التوالي، لذلك العمل مستمر على مدار الأعوام وليس عشوائيا.
ومن وجهة نظر علمية فإن التعامل مع اللاعبين بشكل نفسي يعد الجانب المُظلم بالنسبة لأغلبية الجماهير، وهو ما يفسره لنا أحمد أبو الوفا الطبيب النفسي للفريق الأول للأهلي.
وقال أبو الوفا لـFilGoal.com: “المنافسة على البطولات واحتلال الصدارة لا يمكن أن يكون بطريقة عشوائية، حتما يكون مُخطط له مسبقا من البداية وفقا خطة موضوعة، بمعنى أن اللاعبين ليسوا في حالة مفاجأة مما يحدث، فالجهاز الفني يضع ذلك الحلم لهم منذ البداية“.
ماذا عن الـ”الروتين” والملل الذي يمكن أن يسيطر على اللاعبين؟ يقول أبو الوفا: “يجب أن يتم توضيح الفارق بين الروتين والملل، الروتين جزء لا يمكن تغييره بمعنى أن التدريبات الفنية والتكتيكية لا يتغيران أبدا طالما أن الفريق يُبلي حسنا وهذا طبيعي بدليل احتلال الصدارة والفوز المتتالي، لكن في حالة التغيير بدون داع سيحدث تشتيت للاعبين“.
وأكمل “لكن الشيء الذي يتم تغييره وفقا لخطة وجدول معروف مسبقا أن مثلا في يوم -س- من الأسبوع سنكسر الروتين عن طريق إجراء تدريبات ترفيهية، لذلك كسر الروتين يجب أن يحدث بطريقة مدروسة وليست عشوائية ومفاجأة للاعبين لتجنب حدوث تشتت لهم“.
واستمر “يجب أن يتدرب الفريق خلال مشوار البطولة عقليا، لأن الوصول لمرحلة الإرهاق العقلي سيمنعهم من إكمال الطريق في أفضل حالة فنية ممكنة، أيضا من خلال تلك المرحلة سندخل في مرحلة الاحتراق Burnout وبالتالي كل شيء سيُدمر وسينهار“.
مكافأة أهداف قصيرة المدى بـ”البيتزا”
كشف كلاوديو رانييري المدير الفني لـ ليستر سيتي في موسم تحقيق المعجزة 2015-2016 عن طريقة تحفيزه للاعبين إذ قال لصحيفة “ديلي ميل” الإنجليزية: “اللاعبون يستمتعون بالتدريب وهذه روح الفريق لدينا، يعلمون إن بإمكانهم العمل بجد والاستمتاع، البعض من الحظ مهم، الحظ بمثابة الملح، والجماهير هم الطماطم، بدون طماطم لن تكون هناك بيتزا، لذلك أريد المزيد من الشباك غير المستقبلة لأهداف، لكن الفوز 2-1 يسعدني أيضا“.
وبالتالي حافظ المدرب الإيطالي على وعده مع لاعبيه وهو تناول البيتزا بعد كل مباراة يحافظ الفريق على شباكه من استقبال هدفا.
الفكرة هنا كانت أعمق من كونها ترفيهية وإخراج اللاعبين من الضغوطات، بل بعد كلمات أبو الوفا التالية، ستُدرك أن تحقيق الأهداف قصيرة المدى لها أهمية كبيرة جدا في تحفيز الفريق والمجموعة بأكملها وهذا ما استخدمه رانييري.
فقال أبو الوفا: “يجب أن يضع المدرب في مشوار بطولة طويلة مثل الدوريات أهداف قصيرة المدى وليست فقط طويلة المدى لأنها مستحيلة، لأن تحقيق مجموعة من أهداف قصيرة المدى سيزود الجانب التحفيزي لدى المجموعة وبالتالي سيكون لديهم الرغبة والحماس أكثر في تحقيق شيء أكبر وهو الهدف بعيد المدى الذي يريده المدرب“.
اختبارات نفسية قبل التعاقد مع اللاعبين
التعاقد مع اللاعبين لا يتم بمعايير فنية فقط، فمثلما توجد فحوصات طبية قبل التوقيع مع اللاعب للتأكد من سلامة جسده من أي إصابات، فتوجد أيضا اختبارات نفسية للاعب من خلال أسئلة معينة توجه للاعب وفحص تاريخ اللاعب من قبل في الأندية السابقة.
لذلك شدد أبو الوفا قائلا: “يجب أن تحدث اختبارات للاعب قبل التعاقد معه وليس فقط عن طريق إجراء المقابلة، ومن هنا يجب أن نوضح الفارق، الاختبارات التي تحدث هي اختبارات نفسية وذكاء IQ هدفها معرفة شخصية اللاعب قبل إتمام التعاقد معه، لأن يوجد أنماط شخصية أنانية أو فردية لا تستطيع العمل في بيئة جماعية، لذلك هذا جزء مهم جدا“.
وتابع “بينما في إجراء المقابلات الشخصية المعتادة Interview لا يمكن الوصول من خلالها إلى نتيجة مؤكدة، وذلك لا يعتبر سوء من المحاور أو اللاعب أو مخادعة أو تمثيل، لأن لا يمكن الحكم على شخص من 40 دقيقة أو ساعة كاملة حتى بالإيجاب أو السلب، الأمر أكبر من ذلك بكثير، فالسمات الشخصية ستأثر على الفريق فإذا كانت الشخصية إيجابية في الوقت الصعب أو منافسة فريق أفضل فنيا فسيقلل تلك الفجوة الفنية بينهم وبين أي منافس“.
وأنهى حديثه في هذه النقطة قائلا: “أهم شيء في مجموعة اللاعبين المتواجدة في فترة المنافسة غير المتوقعة هي صفاتهم الشخصية، لأن بدون الصفات الشخصية الإيجابية ستكون الاستمرارية في هذا المستوى صعبة جدا، حتى لو إذا كانوا ليسوا الأفضل فنيا في البطولة، اللاعبون بدون صفات شخصية جيدة تعتبر تلك طاقة مهدرة وبلا قيمة خاصة للفرق الأضعف“.
التحفيز المؤقت المدمر
هل من الممكن أن يكون التحفيز سلبي ومدمر للفريق؟ بالتأكيد يبدو أن السؤال غير منطقي لأن كل شيء يحفز الفريق لتحقيق الفوز هو شيء جيد، ولكن ليس في كل الأوقات، فيوجد وقت يكون تأثيره مؤقت ومدمر.
ولذلك يوضح أبو الوفا قائلا: “يجب أن نفرق في التحفيز بين الـ25-30 لاعبا والتدخل الأسري أو لقطات من أفلام يحقق فيها البطل الشيء المستحيل لأن في هذه الحالة كل شيء ممكن أن يُدمر، كيف ومتى ولماذا؟ عند تحفيز اللاعبين عن طريق العمل الجماعي أو فيما بينهم فقط يكون من المستحيل الوصول لأعلى مشاعر تحفيزية ممكنة“.
وواصل “تدخل أسر اللاعبين أو لقطات الأفلام في التحفيز يجعلهم في أعلى مشاعر تحفيزية ممكنة ولا يمكن الوصول لشعور مثل هذا بأي طريقة أخرى، لذلك تُستخدم تلك الطريقة في المباريات النهائية أو ضرورة الفوز في مباراة واحدة من أجل تفادي الهبوط، ولا يمكن استخدامها في نصف مشوار البطولة، لأن من المستحيل إيجاد طريقة أخرى تحفيزية أكبر، وبالتالي سينخفض مستواهم وسيُدمرهم“.
في موسم 2015-2016 كان تولوز قريبا من الهبوط لدوري الدرجة الثانية في فرنسا ولم يتبق إلا مباراة واحدة في الجولة الأخيرة من الدوري ضد أنجيه ولذلك لجأ باسكال دوبراز مدرب تولوز إلى طريقة التحفيز الأسري، إذ أظهر فيديو للاعبيه قبل المباراة فيه أسرهم وأطفالهم حتى بكى بعض اللاعبين بسبب تأثرهم، لذلك استخدام دوبراز وقتها لتلك الطريقة كان إيجابيا.
وتمكن تولوز من تحقيق الفوز 3-2 بعد التأخر مرتين وضمن البقاء في دوري الدرجة الأولى ونجحت طريقة دوبراز.
اختلاف التحفيز في الإعلام وغرفة تغيير الملابس
جوزيه مورينيو المدير الفني الحالي لروما دائما خلال مسيرته كان يتبع طريقة إبعاد نفسه ولاعبيه عن الضغط، لذلك دائما كان يقول نحن لا ننافس على البطولة وليس هدفنا حتى التتويج ومنافسينا أقوى من فريقي.
لكن السؤال دائما هل يتحدث مورينيو ومن مثله بهذه الطريقة مع لاعبيهم في غرفة تغيير الملابس؟
يقول أبو الوفا: “على سبيل المثال مورينيو يتحدث في الإعلام ليرسل رسائل معينة إلى منافسيه ويرفع الضغط عن لاعبيه بشكل كامل جماهيريا وإعلاميا بل ويضغط على منافسيه، لكن في غرفة تغيير الملابس لا يتحدث بتلك الطريقة وليس منطقي أن يتبع نفس الصيغة، لأن هو نفسه يُعتبر مصدر التحفيز للاعبيه، فسيقول لهم إن لدين الإيمان في تحقيق أهداف قصيرة المدى وكذلك بعيدة المدى“.
وأضاف “إذا تحدث مورينيو في الإعلام أن فريقه سيحصد اللقب أو سيفوز بالمباراة فبذلك سيضغط على لاعبيه ويتبعه الإعلام والجماهير ومنافسيه، فبالتالي أكثر من طرف سيضغط على فريقه، بينما عندما يتحدث مع لاعبيه في غرفة تغيير الملابس إن لديه الإيمان في الفوز وتحقيق أهداف قصيرة وبعيدة المدى فسيكون ذلك بمثابة التحفيز لهم وليس الضغط عليهم”.
متى يحدث التشتيت؟
نجد دائما أن يحدث تشتت للاعبين بعد التألق غير المتوقع منهم ولذلك فعلميا متى يحدث لهم التشتيت؟
من الطبيعي أن تتفاوض الأندية مع نجوم جيرونا ومن قبلهم ليستر سيتي في موسم المعجزة، لكن لماذا يُكمل اللاعبين الموسم بنسبة كبيرة إيجابيا حتى بدون الفوز بالبطولة ولكن يحققوا هدف أكبر من المتوقع للجماهير والإعلام.
يوضح أبو الوفا الأمر “في أوروبا الموضوع أكثر تنظيما لأن وكيل اللاعب واللاعب نفسه يعرفان متى يتحدثان مع نادي آخر ويفكران في عرض ما، وأيضا متى يكون التفكير والتركيز مع الفريق الحالي بشكل كلي، لأن التفكير في نادي آخر في وقت خاطئ سيضر بمصالح اللاعب والوكيل وستنخفض قيمته“.
واستمر “مثال على ليستر سيتي فالفريق بقى طول الموسم متحدا وخلال مشوار الفوز بالدوري لم يحدث لهم أي تشتت، لأن التشتت يحدث دائما بعد تحقيق هدف بعيد المدى وليس قبله أو خلاله، لذلك الموسم الذي يليه نافسوا على الهبوط وتمت إقالة رانييري“.
ليستر أعلن إقالة رانييري بعد الهزيمة الخامسة على التوالي في الجولة 25 في موسم 2016-2017 أي كان حاملا للقب ووقتها كان يحتل المركز الـ17 بفارق نقطة عن مركز الـ18 أي أول مراكز الهبوط.
ماذا يحتاج الفريق الضعيف للاستمرار في المنافسة؟
في النهاية يحتاج فريق الضعيف للاستمرار في المنافسة لطوال الموسم الآتي وفقا لأبو الوفا:
-سمات شخصية إيجابية.
-الاستمرار في عمل الروتين اليومي والتدريب المثابر لتقليل الفروقات الفنية الفعلية بينهم وبين المنافسين الأقوى.
-مراعاة الإرهاق الذهني والاحتراق النفسي.
-تصديق إمكانية الوصول للهدف الأكبر.
-تحييد الأهداف الشخصية وإعلاء الهدف الجماعي ولو بشكل مؤقت لحين الوصول للهدف الأكبر لأن قائمة بها 25-30 لاعبا بالتأكيد ستتواجد جميع الصفات الشخصية ولذلك يجب السيطرة عليهم حتى لو بشكل مؤقت.
مثال فشل نفسيا
في موسم 2001-2002 خسر باير ليفركوزن في نهاية الموسم بجميع البطولات في المباريات الحاسمة.
بعد نهاية الجولة 30 من الدوري الألماني كان يتصدر ليفركوزن جدول الترتيب بفارق 4 نقاط عن بوروسيا دورتموند الوصيف، بل بعد الجولة 31 زاد الفارق إلى 5 نقاط بالرغم من تعادل ليفركوزن مع هامبورج.
لكن الخسارة مرتين متتاليتين في الجولتين 32-33 أفقده الصدارة لصالح دورتموند ودخل في الجولة الأخيرة والتتويج بالدوري ليس بأقدام لاعبيه، فالفوز ضد هيرتا برلين 2-1 وفوز دورتموند على فيردر بريمن بنفس النتيجة، انتهى بتتويج دورتموند بالدوري يوم 4 مايو 2002.
وفي 11 مايو خسر نهائي كأس ألمانيا ضد شالكة 4-2، وبقى الأمل الأخير الصعب ضد ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا يوم 15 مايو وخسر 2-1 بهدف زين الدين زيدان الرائع والشهير، لينهار ليفركوزن كليا في الموسم.
والانهيار الحقيقي كان في الموسم التالي الذي أنهى فيه الدوري في المركز الـ15 أي ضمن البقاء رسميا في دوري الدرجة الأولى في الجولة الأخيرة من الدوري، في الموسم الذي قبله كان ينافس على التتويج بالدوري وبعدها نافس في نفس الجولة للبقاء.
الأمر مختلف كليا لليفركوزن في الموسم الحالي تحت قيادة تشابي ألونسو فالفريق يتصدر الدوري الألماني برصيد 28 نقطة ولم يتعرض لأي هزيمة حتى الآن في بطولة الدوري والدوري الأوروبي.
في النهاية نؤكد دور العلم النفسي أو العلم بشكل عام في تقدم الأندية لأن بدونه لن يحدث أي تقدم فاتباع الطرق الحديثة هو السبيل الوحيد والأوحد للوصول إلى أعلى المستويات.
واتضح لنا أن للعلم دور كبير في تفسير الأشياء من قبل مع بيلينجهام ونجاحه مع ريال مدريد من قبل التعاقد معه كيف؟ (طالع التفاصيل)، وأيضا تسديدته الصاروخية في شباك برشلونة في الكلاسيكو له تفسير علمي كبير (طالع التفاصيل).