ينشر موقع “الكيان”، لقرائه، حكم الشرع بالتجارة في العملات القديمة، وفقا لرأي دار الإفتاء المصرية.
حيث ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه “ما حكم التجارة في العملات القديمة التي لا يُتْعَامَل بها الآن؟ وإذا جاز فهل يُشتَرطُ في ذلك التسليم والتَّسلّم في نفس المجلس؟”، ومن جانبه اجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذا السؤال كالتالي:
المقصود بـ “العملات القديمة” أي: العملات التي ألغتها الدولة، وصار الناس لا يتعاملون بها؛ حتى بات بعضُها من قبيل التُّحَف والنوادر التي يتَهادَى الناس بها.
والأصل في جَمْع هذه العملات القديمة مما لا يتعامل به الآن والاتجار بها أنَّه أمر مباح في ذاته؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، وإذا بيعت هذه العملات القديمة وكانت من النقدين -أي: من الذهب والفضة- فإنه يُشترط فيها القَبْض في المجلس والحلول؛ لأنه يشترط في بيع الربوي بالربوي: الحلول، والتقابض قبل التَّفرُّق. انظر: “حاشية ابن عابدين” (4/ 234، ط. دار الكتب العلمية)، و”حاشية الدسوقي” (3/ 29، ط. دار الفكر)، و”مغني المحتاج” (2/ 22)، و”كشاف القناع” للبهوتي (3/ 264).
حكم التجارة في العملات القديمة
ويستوي في ذلك أن يكون البَدَلين من جنس واحد، كذهب بذهب، وفضة بفضة، أو من جنسين مختلفين، كذهب بفضة، والدليل على ذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رواه مسلم.
أَمَّا إذا بيعت هذه العملات القديمة وكانت من غير النقدين؛ أي: ورقية، فلا يجري فيها القواعد الشرعية في صَرْف العملة من الحلول والتقابض.
بل يجوز بيعها بالأَجَل، ونصوص الأئمة الأربعة على ظاهرها لا تُجري الربا أصلًا في النقود الورقية الرائجة التي يتعامل الناس بها، إلا روايةً عن الإمام مالك.
فعند الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف: لا ربا في الفلوس الرائجة؛ فأجازا مبادلة فِلْسٍ بِفِلْسَين أو أكثر إذا كانت جميعها معيَّنة، ووجه ذلك: أن الفلوس ليست أثمانًا بأصل الخلقة، وإنما تثبت ثمنيتُها باصطلاح الناس عليها، وما كان ثابتًا بالاصطلاح أمكن إبطاله.
كما بسطه العلامة الكمال بن الهمام الحنفي في “شرح فتح القدير” (7/ 22، ط. دار الفكر).
وهذا هو المعتمد عند المالكية أيضًا: قال العلامة الدسوقي في “حاشيته على الشرح الكبير لسيدي أحمد الدردير” (3/ 61، ط. دار الفكر): [بيع الفلوس السحاتيت المتعامل بها بالفلوس الديوانية: فعلى المعتمد من أن الفلوس غير ربوية، فإن تماثلا عددًا فأجز، وإن جهل عدد كل، فإن زاد أحدهما زيادة تنفي المزابنة فأجز وإلا فلا، وأما على أن الفلوس ربوية فلا يجوز البيع إلا إذا تماثلا وزنًا أو عددًا] اهـ.
التجارة في العملات القديمة
وقال الإمام الشافعي في “الأم” (3/ 15، ط. دار المعرفة): [والذهب والوَرِقُ مباينان لكل شيء؛ لأنهما أثمان كل شيء، ولا يقاس عليهما شيء من الطعام ولا من غيره] اهـ.
وقال الإمام النووي في “المجموع شرح المهذب” (9/ 395، ط. دار الفكر): [إذا راجت الفلوس رواج النقود لم يحرم الربا فيها، هذا هو الصحيح المنصوص، وبه قطع المصنف والجمهور. وفيه وجه شاذ أنه يحرم، حكاه الخراسانيونُ] اهـ.
وعند الحنابلة: روايتان منصوصتان عن الإمام أحمد في بيع فِلْسٍ بفلسين، الصحيح منهما الجواز، كما في “الفروع” للعلامة ابن مفلح و”تصحيحه” للعلامة المرداوي الحنبليين (6/ 295، ط. مؤسسة الرسالة).
فإذا كان ذلك في العملات الورقية الرائجة؛ فمن باب أولى هذه العملات القديمة غير الرائجة في سوق الصَّرْف، فقد زالت عنها علة الربا، ويجوز التعامل عليها بما يتفق عليه المتبايعان من الثمن.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: جمعُ العملات القديمة والاتّجار فيها لا مانع منه شرعًا؛ فإذا بيعت هذه العملات القديمة وكانت من النقدين فإنه يُشترط فيها القَبْض في المجلس والحلول، أما إذا كانت من غير النقدين فقد زالت عنها علة الربا، وصارت سلعة يجوز التعامل فيها -بيعًا وشراءً- بما يتفق عليه المتبايعان من الثمن.