Site icon الكيان الاقتصادى – Alkaian

حكاياته من «التكية» إلى المنفى.. عندما قال خالد محيي الدين: «والآن أتكلم»

حكاياته-من-«التكية»-إلى-المنفى.-عندما-قال-خالد-محيي-الدين:-«والآن-أتكلم»

تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق

-رحلة متنوعة شديدة الثراء بدأت من “الكُتّاب” و”التختبوش” إلى رحلة أخرى بدأت من الكلية الحربية

-كان خالد محيي الدين مفتونا بـ “التكية” ودراويش الطريقة النقشبندية التي كان جده لأمه شيخا لهم

-والدك أقرب إليك أم قومندانك؟ أجيب: قومنداني. ليه؟ لأن والدي أعيش معاه، لكن قومنداني أموت معاه

-التحق وعبد الناصر بالتنظيم السري للإخوان.. أدركوا خطورته وتلاشت العلاقة عام 1947

-4 آلاف جنيه دفعها عبد الناصر للإطاحة بـ محمد نجيب من السُلطة

“لست أكتب عن الماضي لنتحاكم حوله، أو عنه، أو نحاكمه. فقط، أدوّن ما أعتقد أنه تاريخ صحيح لحدث هو أهم أحداث تاريخنا الحديث، أدّون بحثًا عن دروس لما هو آت من أيام”.

القاهرة في 17 أغسطس 1992

قبل 31 عاما، أصدر الصاغ خالد محيي الدين، العسكري اليساري وعضو مجلس قيادة الثورة الشهير، أحد أهم كتاباته، والذي حمل عنوان “والآن أتكلم”، في سرد لسيرة ذاتية جمعت بينه ووطن شاء القدر أن يكون واحدا من المؤثرين في مصيره لعقود؛ بعد أن شارك في أهم حدث سياسي في الشرق الأوسط طيلة النصف الأول من القرن العشرين. وهي رحلة متنوعة شديدة الثراء، بدأت من “الكُتّاب” و”التختبوش” واتخذت منحنى هام عند التحاقه بالكلية الحربية، والتي كانت بدورها أحد أهم محطات حياته، وسببا في التعرف إلى عدد من الرفاق الذين أصبحوا -فيما بعد- أسماء مؤثرة في الجغرافيا السياسية المصرية، بعد صاغوا سياسات البلد الأهم في المنطقة لعقود. أو، كما قال هو بنفسه في مقدمة الكتاب: “عندما كانت أحداث مارس 1954 وما كان خلالها وبعدها، وعندما أثمر ذلك بالنسبة لي قرارًا بالنفي إلى خارج الوطن، هناك في المنفى البعيد أحسست بأن أول واجب لي هو أن أسجل الوقائع، وأن أحفظها وأحتفظ بها”.

وينقسم الكتاب، الذي جاء بعد أربعين عامًا من قيام الثورة، بصياغة الدكتور رفعت السعيد إلى 25 فصلًا، منها البدايات، عبد الناصر والإخوان، الخلاف على الزعامة، أكثر من موعد للحركة، من لجنة القيادة إلى مجلس القيادة، مارس الوجه الآخر، المنفى؛ وتضمنت قدرًا كبيرًا من الأسرار، مثل سبب معارضة عبد الناصر التقيد ببرنامج التنظيم، وحقيقة العلاقة مع الولايات المتحدة، وعلاقة عبد الناصر وخالد محيي الدين بالإخوان وبالشيوعيين، وصلة السادات بالسفارة البريطانية.

من التكية إلى الحربية

كان خالد محيي الدين مفتونا بـ “التكية” التي تصادفت نشأته والحياة فيها، ودراويش الطريقة النقشبندية التي كان جده لأمه شيخا لهم، فكانوا يحيطون به طوال الوقت “الدروايش يحيون حياة تعبد تُثير الاهتمام، بل لعلها هي التي ألهمتني، وحتى الآن، هذا الإحساس الرفيع بالتدين السمح المُتفاني في حب البشر”. في المُقابل، كان أبيه مشغولا بالعناية بأرضهم في “كفر شكر” بمحافظة القليوبية. وعند انتهاء أشهر الدراسة، ينتقل الصغير خالد إلى “التختبوش”، وهي كلمة تعني “المضيفة”، وكانت إلى جوار موضعه في بيت العائلة الكبير في كفر شكر.

“التكية” نفسها هي التي شهدت أول احتكاكات الصاغ الأحمر بالسياسة. كان وقتها في التاسعة، عندما شاهدت عيناه صخب المتظاهرين عام 1932 والتقط سمعه أصوات الاحتكاك بهم. في ذلك اليوم، بدأ يتابع نقاشا صاخبا بين أبيه الفلاح الثري -الذي تصادف وجوده بالقاهرة- وخاله الشاب القادم توا من فرنسا بعد حصوله على الماجستير في الاقتصاد. كان أبيه يشعر بالسخط على المتظاهرين الذين أنقذهم صدقي باشا رئيس الوزراء من تراكم الديون، بينما الخال المتحمس يرى قرارات صدقي انتهاكا لدستور 1923 وهي معصية لا يغفرها الإصلاح الذي أراده.

“لم أكن أعي أكثر النقاش، لكنها كانت اللمسات السياسية الأولى التي ظلت متبقية في ذاكرتي، ولعلها أثارت لديّ هواجس وأسئلة غامضة، لم تجد إجابة لها إلا بعد سنوات عديدة”.

وتقود المصادفة الفتى خالد فيما بعد، حينما أصرّ أبيه أن يترك التكية إلى بيت جديد في شارع الملكة نازلي -شارع رمسيس حاليا- أن ينتقل في الثانوية إلى مدرسة فؤاد الأول، والتي كانت واحدة من أكثر المدارس إسهاما في الحركة الطلابية في مطلع القرن العشرين؛ ليندمج رغم أنفه، وفق تعبيره، في المناخ السياسي المتفجر عام 1935. هناك أيضا في “فؤاد الأول الثانوية”، كان القدر يرتب نشأة عضوين آخرين في مجلس قيادة الثورة، أولهما كان يعرفه خالد بحكم القرابة وهو ابن عمه زكريا محيي الدين، أما الآخر الذي لم يتعرف عليه خالد حينها، كان أنور السادات.

وفي عام 1938، وبينما العالم على نذير حرب ملتهبة قادمة، كان خالد يحصل على شهادة الثقافة -الصف الرابع الثانوي- بينما تتجه النية إلى توسيع الجيش المصري وزيادة عدد ضباطه، لمساعدة إنجلترا في حرب محتملة ضد النازي الصاعد بقوة في أوروبا. ليلتحق بعدد ممن استكملوا دراسة التوجيهية في الكلية الحربية. ويقول محيي الدين إن تلك الدفعة -التي لم تتكرر إلا في عام 1942 في عهد حكومة الوفد- تم قبولها من أجل عيون “إبراهيم خيري” أحد أصهار الملك فاروق “كان لديه ابن متعثر في التوجيهية ويريد أن يلحقه بالكلية الحربية فكان له ما أراد. واغتنمت أنا الفرصة ودخلت الكلية الحربية”.

هكذا، كان الخوف من اكتساح النازية لأوروبا سببا في إتاحة الالتحاق بالكلية الحربية لعدد كبير من أبناء الطبقة الوسطى -والدنيا أحيانا- بين عامي 1936 و1983. هذه الفترة نفسها شهدت التحاق أغلب الضباط المشاركين في تنظيم الضباط الأحرار.

وفي أروقة الكلية الحربية كان أول تمرد خاضه الشاب خالد محيي الدين في حياته العسكرية حين كان طالبا.  فقد كان المستشارون العسكريون الإنجليز يشعرونهم بالهوان والإهانة، فقرر خالد مع زميل له استبدال اللافتة المكتوبة بالإنجليزية على مكتب المستشار العسكري بأخرى مكتوبة بالعربية.

ويعترف خالد بأن دخوله الكلية الحربية خالف مخططات والده الذي كان ينتظر إتمامه التوجيهية بلا تعثر، ثم يرسله إلى الولايات المتحدة لدراسة الزراعة الحديثة، وأن يستمر هناك حتى الحصول على الدكتوراه”. لكنه تخرج ضابطا مشاغبا كما كان في الكلية، وعمره 18 عاما فقط!

“والدك أقرب إليك أم قومندانك؟ أجيب: قومنداني. ليه؟ لأن والدي أعيش معاه، لكن قومنداني أموت معاه. هذا المثل يقدم لك صورة عن العلاقة الحميمة التي كانت تربطنا نحن الضباط ببعضنا البعض”.

الكراسة الزرقاء

أثناء وجوده في المنفى بعد أحداث مارس 1954 -التي أدت تبعاتها إلى خروجه من مجلس قيادة الثورة- وإبعاد أول رئيس للجمهورية، اللواء محمد نجيب، واستحواذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على السلطة. كان خالد محيي الدين يدّون حكاياته وملاحظاته في أوراق أسماها بـ “الكراسة الزرقاء”. ذكر فيها منعطفات كثيرة مرت بها مصر، من خلال رؤيته منذ التحق بالخدمة كضابط بالجيش المصري.

وصف محيي الدين إحساس الضباط المصريين بالمرارة لوجود الإنجليز في الجيش، وكونهم يخوضون المعارك ويدعون أنهم يدافعون عن مصر، كما كانوا يعاملونهم كجنود درجة ثانية. ووصف شعور المقاتل المصري عقب هزيمة 7 جيوش عربية في حرب فلسطين، من “عصابات اليهود” بسبب الفساد ونقص الذخيرة والأسلحة الفاسدة، يليها حصار اللورد كرومر لقصر الملك بالدبابات كي يملى عليه إرادة بريطانيا في اختيار النحاس باشا لتشكيل الوزارة، والتي أعدها ضباط الجيش إهانة لمصر وللملك وللجيش “بكى حينها الضباط مرارة وقهرًا وغيظا. شعورنا بمأساة الوطن قادتنا نحو توجه سياسي”.

ويستكمل محي الدين: بدأ وقتها يتشكل لدى ضباط الجيش مشاعر ضد الانجليز وبدأت قضية الموقف ضد الاحتلال تشكل عنصرًا أساسيًا في تفكيرهم، ولكن أي شيء وأي توجه؟ حتى عام 1944 عندما جاءني الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف قائلًا: تعال سأعرفك بضابط يجب أن تتعرف عليه، فكان اللقاء الأول بعبد الناصر.

وأضاف: كان في النصف الثاني من عام 1949 موعد الاجتماع الأول للخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار في بيت عبد الناصر بكوبري القبة، فتولي عبد الناصر القيادة، وأسمينا الحركة “أهداف الضباط الأحرار”، وتعّرفنا وقتها على الضابط محمود لبيب، والذي عرفنا بدوره بالمرشد العام لجماعة الإخوان حسن البنا.

وروى مؤسس حزب التجمع وابن عم مؤسس جهاز المخابرات العامة فترة صعود التنظيم للسيطرة على الحكم في مصر، فيروي عن قرار حلّ نادى الضباط وما تبعه من تهديد باعتقال عدد من الضباط وبعد ذلك التفكير في حملة الاغتيالات ثم العدول عن ذلك وفقا لرأى عبد الناصر ثم اتخاذ قرار بحل التنظيم يوم 2 أغسطس 1952 لإملاء شروطه على الملك وبعد ذلك -ولأسباب شرحها في كتابه- عقدت لجنة القيادة اجتماعا بعد ظهر 22 يوليو 1952 وقررت فيه أن يبدأ التحرك ليلة 23 يوليو. ودخلت مصر مرحلة جديدة من تاريخها.

في مواجهة البنا

عندما تحدث خالد محيي الدين عن العلاقة بين تنظيم الضباط الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين، أشار إلى ما وصفه بـ “علاقة عجيبة” بين التنظيم والجماعة “تكونت مجموعات عسكرية، ولم نعد نلتقي في أماكن عامة وإنما لقاءات منظمة في البيت”. 

وكتب: حاول حسن البنا أن يشدنا إلى الجماعة برباط وثيق، وتقرر ضمنا أنا وجمال عبد الناصر إلى الجهاز السري للجماعة -ربما لأننا الأكثر فعالية وتأثيرا في المجموعة- ومن ثم، فإن كسبنا بشكل نهائي يعنى كسب المجموعة بأكملها؛ وربما لأننا كنا نتحدث كثيرا عن الوطن والقضية الوطنية، ومن ثم، فقد تصور حسن البنا أن ضمنا للجهاز السري -حيث التدريب على السلاح والعمل المسلح- يمكنه أن يرضى اندفاعنا الوطني ويكفل ارتباطا وثيقا بالجماعة.

ويضيف: المهم، اتصل بنا صلاح خليفة، وأخذنا أنا وجمال عبد الناصر إلى بيت قديم في حي الدرب الأحمر باتجاه السيدة زينب، وهناك قابلنا عبد الرحمن السندي -المسئول الأول للجهاز السري للإخوان في ذلك الحين- وأدخلونا إلى غرفة مظلمة تماما واستمعنا إلى صوت أعتقد أنه صوت صالح عشماوي، ووضعنا في يدنا على مصحف ومسدس، ورددنا خلف هذا الصوت يمين الطاعة للمرشد العام في المنشط والمكره -الخير والشر- وأعلنا بيعتنا التامة الكاملة والشاملة له على كتاب الله وسنة رسوله”.

وأشار إلى أنه في ذلك الوقت لم تكن مجموعة الضباط الأحرار وحدها التي تعمل في الجيش؛ وإنما كانت هناك مجموعات أخرى، ولم يكن بينهم في البداية صلات. فقد كانت هناك مجموعة جمال منصور، ومجموعة الحرس الحديدي برئاسة مصطفى كمال وصفي، ومجموعة أنور السادات، التي كانت تضم إلى جوار بعض ضباط الجيش بعض العناصر المدنية، ثم فككها بعد أن ضمه عبد الناصر للهيئة العليا للضباط الأحرار.

وحكى أنه “مع تسارع الأحداث السياسية، كشفت جماعة الإخوان عن وجهها السياسي، وتصرفت كجماعة سياسية وتخلت عن دعاوى النقاء الديني ولما كانت بحاجة إلى صحيفة يومية وورق صحف في ظل أزمة شديدة في الورق، تقاربت من إسماعيل صدقي -رئيس الوزراء آنذاك- وحصلت في مقابل تقاربها هذا على ما أرادت من دعم.”

ويضيف: كذلك وقفت الجماعة ضد اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، وحاولت أن تشكل جماعة أخرى بالتعاون مع إسماعيل صدقي، وبدأنا نحس أنهم مثل أي سياسيين آخرين يفضلون مصلحتهم ومصلحة جماعتهم على ما ينادون به من مبادئ وعلى مصلحة الوطن؛ وتحادثت طويلا مع جمال عبد الناصر حول علاقتنا بالجماعة، وأفضى جمال لي بمخاوفه من أن الجماعة تستخدمنا كضباط لمصالحها الذاتية وليس لمصلحة الوطن، وأفضيت له بمشاعري، واتفقنا أننا قد تورطنا أكثر مما يجب مع هذه الجماعة، وأنه يجب أن ننسحب منها. لكن لا يمكن أن ونقول إننا في يوم كذا انسحبنا من الجماعة. فقط أصبحت الشكوك تملؤنا، وأصبحنا على غير وفاق وغير متحمسين، وبدأنا نتباعد -أنا وجمال- وربما بدأت الجماعة هي أيضا تستشعر أننا لا نمتلك الولاء الكافي، فبدأت تتباعد عنا. وتدريجيا يأتي عام 1947، ليجد علاقتنا، جمال وأنا، وقد أصبحت باهتة تماما مع جماعة الإخوان

4 آلاف جنيه!

بعد السيطرة الكاملة للضباط وإعلان الجمهورية، انقسمت الآراء بمجلس قيادة الثورة، حيث نادى نجيب بدولة ديمقراطية أساسها دستور يُستفتى عليه الشعب، وأيده في ذلك سلاح الفرسان بقيادة خالد محيي الدين، لإيمانه بالتصور الأول الذي خرجت به حركة الضباط، حيث التطهير وعودة الجيش إلى ثكناته وترك الحكم للمدنيين. ما أغضب عبد الناصر ومؤيديه بالمجلس، فسعوا في التحرك بالمساحات المختلفة للتضييق على سلطة نجيب سعيًا للتخلص منه ومن شعبيته الرائجة. 

هكذا، أخذ المجلس ينبذ نجيب في الاجتماعات المختلفة وعمل صلاح سالم -وزير الإرشاد القومي/ الإعلام- على التقليل من صور نجيب بالصحف، ونشر صور عبد الناصر في المقابل. إضافة إلى قرارات المجلس التعسفية ضد المعارضة، حيث حل جماعة الإخوان المسلمون في يناير 1954 وتحديد إقامة مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد، مما أزعج نجيب من طبيعة سياسات المجلس الاستبدادية ضد المعارضة، فقدم استقالته في 23 فبراير اعتراضا على تلك السياسات، لتكون بداية ما يُعرف بـ “أزمة مارس الشهيرة.

اجتمع جمال عبد الناصر بالضباط الأحرار في غياب نجيب، بعد أن أرسل الأخير سكرتيره الخاص بثمانِ مطالب، من بينها تحقيق الديمقراطية، إجراء انتخابات برلمانية ووجود حكومة غير عسكرية، ولكن رفض المجلس. لتتم تنحية محمد نجيب في 25 فبراير. لكن، كان نجيب مُحصنًا بالتأييد الشعبي -وهو الأمر الذي أغفله عبد الناصر- فخرجت المظاهرات الداعمة لنجيب لثلاثة أيام متواصلة وشارك فيها الإخوان والوفديون والشيوعيون وتنظيم مصر الفتاة والاشتراكيون، حتى تم إعادة نجيب للحكم في 27 فبراير. كما أصدر المجلس يوم 5 مارس قرارات بعقد جمعية لإقرار دستور جديد وإلغاء الرقابة على الصحف والأحكام العرفية، بالإضافة إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

إلى المنفى

يعترف خالد محيي الدين في مذكراته هذه بأن قرارات مجلس قيادة الثورة في 5 مارس 1954، كانت تخالف رغبة أعضاء المجلس وأولهم عبد الناصر نفسه “كانت لهم حساباتهم التي تنطلق أولا وأساسا من ضرورة احتفاظهم بالسلطة بشكل أو آخر؛ ولم تكن قرارات 5 مارس نابعة إلا من إحساسهم بالمأزق، ومحاولة وجود مخرج يكفل لهم الاستمرار، فلما تراكمت المشاكل وتبينت لهم احتمالات نهوض قوى سياسية أخرى لمعارضتهم. خشوا من إفلات الزمام من بين أيديهم، وتراجعوا عن القرارات، وانقلبوا إلى النقيض”.

وأكد: أدرك عبد الناصر أن خطة 5 مارس لا يمكن تنفيذها مع استمرار احتفاظه بالسلطة، وبدأ في الالتفاف على هذه الخطة، وترتيب الأمر للاتجاه في مسار مضاد تماما.

بالفعل، انهمك عبد الناصر في تنفيذ خطته، حشد ضباط الجيش على أساس رفض الديمقراطية التي أفهمهم أنها سوف تؤدي إلى القضاء على الثورة، كما بدأ في التواصل مع قيادات عمالية في قطاع النقل العام لترتيب ذلك الإضراب الشهير الذي حدث وقتها.

يقول محيي الدين: عند عودتي من المنفى التقيت عبد الناصر، وبدأ يحكي ما خفي عني في أحداث أيام مارس الأخيرة. قال بصراحة نادرة “لمّا لقيت المسألة مش نافعة قررت اتحرك. وقد كلفني الأمر أربعة آلاف جنيه”. 

لذلك، عندما تحدث في كتابه عن “المنفى” كشف أنه استقال من مجلس قيادة الثورة بعد الخلاف، وتفرق السبل بينه وبين الرئيس عبد الناصر وأعضاء المجلس حول أسلوب تسليم السلطة “عن طيب خاطر قبلت أن أتخلى عن موقعي في أعلى السلطة، فالموقف والمبدأ يستحقان أن يتمسك بهما الإنسان، واتفقت مع زوجتي ألا تخبر أحد أن رحيلي إلى سويسرا هو رحيل إلى المنفى. بل على رأس وفد الإنتاج القومي، تراجعت وتراجع الجميع ليس خشية على أنفسهم ولكن خشية على مصير الثورة من أن تبلله الدماء وعلى مستقبل مصر، قبل أن أعود الى مصر مرة اخرى نهائيا في 4 ديسمبر1957”.

المصدر

Exit mobile version