حينما تتحدث مع الفنان رشدي الشامي، تكتشف أنه إنسان هادئ ورزين، يزن كلماته قبل أن تخرج منه، فقد واجه العديد من المتاعب في بداية حياته العملية، كافح راضيًا قانعًا، فأجاد امتلاك أدوات شخصيات أعماله الفنية سواء في المسرح أو التليفزيون، ومن بين مسرحياته: «الست هدى، وأهلًا يا بكوات، والملك لير، والساحرة، والجريمة والعقاب»، وغيرها.
الريس ربيع حققت نجاحا كبيرا في مسلسل تحت الوصاية
حققت شخصية «الريس ربيع» في مسلسل «تحت الوصاية» الذي عُرض في الموسم الرمضاني الماضي 2023، نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا، وعن اهتمامه بالدور وتحضيره ودراسة تفاصيله، يقول «الشامي»، إن الأدوار التي قدمتها أهتم بها حتى لو كانت أدوارًا بسيطة، لذلك أقوم بدراسة «الكاراكتر» جيدًا ولا أذهب إلى نفسي بل لـ«الكاراكتر» نفسه، فالشخصية تتطلب الحفظ والفهم الجيد لمعاني الجمل والكلمات وتخيل كل حركة وإيماءة مع كل جملة وأسلوب المشي والوقوف والنظر وهكذا في كل التفاصيل.
وقع المهرجان القومي للمسرح المصري اختياره ضمن مكرمي الدورة السادسة عشرة، التي تحمل اسم الفنان عادل إمام، التقت «البوابة نيوز» الفنان للحديث عن التكريم، وأهم المحطات الفنية في حياته، وعلاقته بكبار المخرجين، إلى نص الحوار..
*ماذا يمثل تكريم المهرجان القومي للمسرح المصري بالنسبة لك؟
– في البداية، أنا سعيد بهذا التكريم، وذلك لما يحمله المهرجان من قيمة كبيرة وتأثير في الساحة الفنية، فهو التكريم المنتظر لأي فنان، لذلك أشكر القائمين عليه وعلى رأسهم الفنان محمد رياض، واللجنة العليا أيضًا.
*كيف كانت البداية مع المسرح؟
– كانت البداية الفنية بشكل عام من الموسيقى، والتي بدورها كانت سببًا في حبي وانتقالي للتمثيل، حيث بدأت علاقتي بفن بالمسرح من خلال الهيئة العامة لقصور الثقافة، فشاركت في مسرحيات «حكاية من وادي الملح» للمخرج جمال قاسم، و«السندباد» للمخرج باسم محفوظ، و«الشاطر حسن» للمخرجة بسمة الحسيني، وأيضًا في المسرح الجامعي عندما كنت طالبًا في كلية التجارة الخارجية، شاركت في مسرحية «ميراث الريح»، ثم الدخول إلى عالم الاحتراف بأدوار صغيرة في مسارح الدولة المختلفة أهمها المسرح القومي، والطليعة، ومن تلك المسرحيات: «الضب إذا توسد الحجر، والمجاذيب» في مسرح الطليعة، ورغم عشقي للتمثيل، فقررت العمل الخاص بالمشاركة في أي عمل مسرحي كل عام مهما كان حجم الدور لإشباع الرغبة في الصعود على خشبة المسرح.
وتوالت الأعمال المسرحية وقدمت قرابة الـ120 عرضًا مسرحيًا سواء على مسرح الدولة أو القطاع الخاص منها: «الست هدى، والملك لير، وأهلًا يا بكوات، وآخر همسة»، إلى جانب الأعمال الدرامية التي بدأت في عام 1994 في مسلسل «بوابة المتولي»، وتوالت الأعمال، وكان آخرها شخصية «الريس ربيع» في مسلسل «تحت الوصاية» الذي كان له أثر كبير مع المشاهدين، والذي قدم في الموسم الرمضاني الماضي.
*حدثنا عن علاقتك بالمخرج سمير العصفوري؟
– تعاملت مع عشرات المخرجين من مختلف الفئات العمرية، وتعلمت على أيدي كبار الأساتذة من بينهم: «سمير العصفوري، وأحمد عبدالحليم، ومصطفى سعد، وغيرهم، لذلك أتوقف عند مصطفى سعد كثيرًا، فهو المُخرج الذي يطلق عليه مُخرجًا، لأنه مُختلف عن الآخرين، ويُبدع بشكل مختلف، ويفعل ما لا يفعله الآخرون، عملت معه أربع مسرحيات كلها عن مسرح الاستفهام، كما تعلمت من المخرجين إيمان الصيرفي، ومحسن حلمي، وغيرهما، لكن أرى أن المخرج سمير العصفوري، هو أفضل مخرج يقدم مسرح موسيقي، لأنه يحترف عمل التوليفية الغنائية الموسيقية، فقد عملت معه في مسرحية «الست هدى»، وهو له ملاحظات دقيقة وقوية للممثل في أدائه، ويظهر معه الممثل في النهاية في أبهى صورة له.
* «الجريمة والعقاب» و«بيت من لحم» يحتلان مكانة كبيرة في حياتك.. ماذا عنهما؟
– كل ممثل مهما كان عدد الشخصيات التي لعبها، يظل في قلبه دور معين أو شخصية علقت في ذهنه وفي قلبه، فمن أحب الأدوار إلى قلبي دوري في مسرحية «الجريمة والعقاب»، للمخرج حمادة عبدالحليم، والتي قدمت على خشبة المسرح القومي، وأيضًا دوري في مسرحية «بيت من لحم» للمخرج عاصم نجاتي، لفرقة مسرح الشباب، والتي عرضت في بيت زينب خاتون، فكان هذا الدور من أجمل الأدوار التي أحببتها، فهو شخصية محيرة، هل هو متهم أم مظلوم؟ فتلك هي العقدة، الشيخ محمد بكل أفعاله القذرة رغم أنه يقرأ القرآن على المقابر وهو ينشد بصوته الجميل، وهل هذا الأعمى متهم؟ وتوصلت إلى طرح خاص مع نفسي أنه متهم ومظلوم في نفس الوقت لأن الأخريات ساعدنه على فعلته، فليس وحده هو الشيطان.
فالظروف الاجتماعية المحيطة التي تعيش فيها الأم وبناتها قد أوقعته في تلك المصيبة، وقد تناولت الشخصية من ناحية أنني أذهب إلى الشيخ محمد وأدافع عنه سواء أكان طيبًا أم شريرًا فأدافع عنه، وهذا بالنسبة لكل الشخصيات التي أؤديها، فهذه الشخصية لا بد أن تعيش وإن لم تكن لديها قناعة ومبررات لأفعالها فلن تعيش، وهو لديه سبل تجعله يعيش حتى لو كان شريرا، فالشرير يرى نفسه طيبًا، حتى لو كان مُدركًا لشره، فهو يرى أسبابًا لهذا الشر ويبرره، وهذا ليس في دور الشيخ محمد فقط بل في جميع الأدوار، فأنا أدافع عن أي دور أقوم به وأحاول أن أعايشه جيدا، وأبحث عن أسباب تكوين شخصيته وأجد له المبرر، والشيخ محمد كانت له سمات خاصة في الأداء الحركي والإيماءات والتعبيرات وأسلوب المشي والوقوف والجلوس، وكانت توجيهات المخرج عاصم نجاتي أن يكون الشيخ محمد رجلًا لطيفًا خفيف الدم مثل كل المكفوفين، إن لم يسخر من أحد يسخر من نفسه، وخفة دمه تجعل الناس تغض الطرف عن جرمه، وهو يغني وينشد ويضحك مما يقربه من قلوب الناس، ولم تكن هناك صعوبة في أدائه كأعمي لأنني أقوم بدراسة الشخصية ومعايشتها جيدًا.
لم يكن الشيخ محمد غريبًا عليّ فقد رأيته من قبل وشاهدت أكثر من نموذج له، والسبب في ذلك أستاذنا الراحل عبدالرحمن عرنوس، رحمة الله عليه، كان أستاذي ومعلمي ويوجهني، وقد أمرني ذات مرة أن أذهب إلى ساحة سيدنا الحسين لأشاهد وأراقب الناس وأرجع إليه لأحكي له ما شاهدته، وقد شاهدت بالفعل نماذج غريبة وتتبعتها وسرت خلفها رغم أني حينها لم أكن مقتنعا بما أفعله، لكنني بعدما كبرت اقتنعت وأدركت فعلا لماذا وجهني بذلك وكيف أني استفدت بالفعل منه.
* شخصيات بدورها تركت أثرا كبيرا في حياتك، حدثنا عنها؟
– هناك عدد من الشخصيات كانت لها مواقف ذات تأثير خاص، فمن أهم الأساتذة الذين أثروا في تكويني هم: عبدالرحمن عرنوس، وسامي صلاح، وسامي عبدالحليم، ومصطفى سعد، والذي تمنيت تكريمه، فهو مختلف ويُقدم شيئًا مختلفًا، وله أسلوب مُغاير ويفهم في الموسيقى جيدًا، ويدرك أصوات الممثلين وتركيباتها، فهو شاطر وماهر، وسعدت بالتعرف عليه، فكان يحبني ومتحمس لي، لقد عملنا سويا في عدة مسرحيات منها: «ملك ولا كتابة، الساعة كام، و30 فبراير».
كما أتوقف أيضًا عن الراحل فؤاد السيد، الإداري بالمسرح القومي، فقد تعاملت معه كثيرًا وكان محبوبًا ويُجيد تخليص كل الأعمال ويسهل كل ما يريد المخرج، فكان آخر ما أخرجته بالمسرح القومي أمسية شعرية بعنوان «من القلب للقلب»، وكانت غنائية بموسيقى لايف ومتطلباتها كثيرة جدًا، فكان فؤاد السيد يدعمني في كل شيء، لدرجة أنه أحضر من بيته وماله الخاص خمسة آلاف جنيه لتخليص مهام العرض، حتى يتم صرف باقي ميزانية العرض.
* ما أهم وأحب الأدوار التي قدمتها في الدراما التليفزيونية؟
– من أهم الأدوار التي أحببتها في الدراما التليفزيونية دور «الشيخ صابر» في مسلسل «واحة الغروب»، فقد كان أول دورًا بارزًا أقوم به، حيث استدعتني المخرجة كاملة أبوذكري، وجازفت بإعطاء الدور لي بعد أن حدثها عني البعض وقابلتني، وكنت أرغب في النجاح من أجلها، والحمد لله وفقني الله؛ فقد كان دورًا مُتعبًا ومُزعجًا لأن الشخصية صعبة، وقد تناولت الشخصية من وجهة نظر الروائي بهاء طاهر، مؤلف الرواية، لأنني قرأت الرواية ودرستها بالتفصيل، وأيضًا أبعاد الشخصية من خلال قراءة الرواية، وبالتالي تجاوزت صعوبة الدور وتوصلت لأداء الشخصية من أول شوت تصوير، فكانت رغبتي في النجاح كبيرة.
وأيضًا دور العمدة تاجر الآثار في مسلسل «طايع»، وجاء بعد «واحة الغروب» مباشرة، فكانت شخصية مختلفة، لكن نقطة ضعفه ابنته رغم أنه قوي وعنيف إلا أنه يخاف على ابنته، وهذا ما أضاف أداءً مُميزًا للشخصية، فقد أديتها بشكل جديد ومختلف عن دور الصعيدي العمدة الذي اعتدنا عليه في الدراما من قبل، وقد أحببت الشخصية لأنه رجل شهم وجدع ودافعت عنه من خلال أدائي.
كما أصل إلى شخصية مهمة وهى: «عزت» في مسلسل «أزمة منتصف العمر»، وكان قبل مسلسل «تحت الوصاية» مباشرة، فالجمهور أحب «الريس ربيع» في «تحت الوصاية»، لأنه كان هناك تباين بين الشخصيتين، فـ«عزت» شخص غبي، وعنيف، وسافل، على عكس «ربيع» لطيف، ومحبوب، وودود، وقد أحبني الجمهور كممثل نتيجة قدرتي على أداء هذا التباين في الشخصيات، وتمكني من أداء شخصيتين مختلفتين تمامًا، فالناس كرهت «عزت» جدًا كُرهًا غير طبيعيًا لدرجة أنني تضايقت من هذا التأثير الكبير وكره الناس له.
وجاء «تحت الوصاية» وأحب الناس شخصية «الريس ربيع»، وأصبحت شخصيته أقرب إلى قلبي، وما زلت حتى الآن أجني ثمار نجاحه، فهو رجل صادق، ولطيف، ومحبوب، إضافة إلى ذلك فإن وجود الدور بجانب ممثلة كبيرة مثل منى زكي، قد أضاف إليه الكثير من النجاح، فهي ممثلة شاطرة وموهوبة ومحترفة وتساعد زملاءها، ووجودها يرفع من جودة وقدر المشاهد.
* ما أكثر موقف مضحك تعرضت له في المسرح؟
– لقد شاركت في مسرحية «المجاذيب» التي قدمت على خشبة مسرح الطليعة عام 1983، وذلك عندما كنت طالبًا في السنة الأولى بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فقدمت خلالها دورًا صغيرًا جدًا، رجل يسير على خشبة المسرح من الكالوس الأيمن ويخرج من الكالوس الأيسر قائلًا: «مجاذيب المولد جايين»، وسأل عنه البعض معتقدين أن المخرج قد استعان بمجذوب حقيقي لأداء الشخصية.
ومن المواقف الطريفة حينما شاركت بالتمثيل في عرض «حمام شعبي» المُقدم على خشبة مسرح الطليعة، في فترة عرض الماتينيه، ومن إخراج إميل شوقي، وأيضًا في نفس الوقت خلال فترة عرض السواريه بمسرحية «الساحرة»، التي قدمت على خشبة المسرح القومي، ومن إخراج محسن حلمي، وذات يوم تأخرت قليلًا في نهاية عرض الطليعة، وفور انتهائه انطلقت مُسرعًا للالتحاق بعرض القومي قبل مشهد دخوله، فاضطررت السير مسرعًا في ميدان العتبة بملابس وماكياج الشخصية «شخصية درويش يقرأ القرآن في المقابر» من الطليعة إلى القومي، مما أثار انتباه الناس ونظراتهم ظنًا منهم بأنني شخص مُختل عقليًا.
ومن الطريف أيضًا، حينما قدمت شخصية «أوزوالد» في مسرحية «الملك لير»، تقمصت الشخصية بشكل كبير وتعايشت معها، لدرجة أنني ذات مرة بعد انتهاء ليلة العرض، خرجت من المسرح مُتجهًا إلى السيارة حاملًا ميدالية المفاتيح، وعلبة السجائر، لكن شعرت وكأنني نسيت شيئًا ما، فقابلت الزميلة فاطمة محمد علي، في ساحة المسرح، مُتسائلة ماذا بك؟ فأجبتها: إنني قد نسيت شيئا لكن غير مُدرك ما هو، فبعد استقلال السيارة خرجت منها مُتجها إلى غرفتي بالمسرح مرة أخرى للبحث عما نسيته، فلم أجد شيئًا، وأثناء النزول على سلم المسرح تحدثت: «أوزوالد لقد نسيت أوزوالد»! فانتبهت لنفسي أنني تعايشت مع الشخصية ونسيتها في غرفتي من شدة التعايش معها.