في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، أدرك الرئيس الأميركي جو بايدن ضرورة بذله جهوداً كبيرة لإقناع نظيره التركي رجب طيب أردوغان بعدم تخريب قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”. غير أن مَن صعّب أكثر عمل الدبلوماسية الأميركية هذا الأسبوع لم يكن إلّا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
يعتبر الرئيس الأميركي أن ما يصفه بـ”وحدة غير مسبوقة” للغربيين في دعمهم لأوكرانيا ولحلف شمال الأطلسي أحد الإنجازات الرئيسية في ولايته الأولى، وكان من المقرر أن تكون قمة فيلنيوس بمثابة واجهة لذلك، قبل حملة إعادة انتخابه في العام 2024.
مع ذلك، خلال استعداده للسفر إلى أوروبا الأحد، ظهر تهديد أول على جدول أعماله الدبلوماسي.
كانت تركيا تهدد بانتظام، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، بعرقلة انضمام السويد إلى الحلف الدفاعي. ثمّ فجأة، وقبل يومَين من القمة، طرح أردوغان مطلباً جديداً غير واقعي مقابل موافقته على انضمام السويد، وهو استئناف المحادثات لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
دون أن يتردّد، حمل بايدن هاتفه على متن طائرة “إير فورس وان” الرئاسية واتصل بأردوغان. استمرت المحادثة ساعة تقريباً. في اليوم التالي، تراجع أردوغان عن معارضة العضوية السويدية.
لم تنته المسألة بالطبع دون نشاط دبلوماسي مكثّف في الكواليس، فأردوغان تحدّث مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ومع رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
بقي مضمون اتصال بايدن وأردوغان سرّياً، باستثناء إعلان إجراء لقاء بين الرئيسَين على هامش قمة فيلنيوس.
ورفض مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جايك ساليفان تأكيد ما إذا كان بيع مقاتلات إف-16 لتركيا قد استُخدم كورقة مساومة.وقال ساليفان إن “هدف بايدن من هذه المحادثة كان رؤية كيف يمكن للولايات المتحدة وتركيا المضي قدماً بشكل إيجابي، وليس رسم سيناريو أسود أو سلبي”.
وأضاف أن توسع حلف شمال الأطلسي والمعنى الجديد لدوره “يعود الفضل فيه إلى حد كبير إلى القيادة الشخصية للرئيس بايدن”.
زيلينسكي وبايدن وأردوغان خلال قمة الناتو في فيلنيوس
وعود ومراضاة
بعد تسوية العقبة التركية، وجد بايدن نفسه أمام تحدٍ ثانٍ: غضب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
منذ عام ونصف، بدأت دول حلف شمال الأطلسي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تسلّم أوكرانيا كميات كبيرة من الأسلحة والمساعدات الاقتصادية، لوقف العملية العسكرية الروسية.
لكن أوكرانيا تريد المزيد. فهي تطالب بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وما يأتي معه من ضمانة أمنية قصوى يوفرها نظام دفاع جماعي مع الأسلحة النووية.
وعندما أصبح من الواضح أن حلف شمال الأطلسي متمسّك بالموقف الأميركي المتمثل في عدم ضمّ أوكرانيا إلى الناتو في المستقبل القريب بحجة أن من شأن انضمامها أن يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، أبدى الرئيس الأوكراني غضباً عارماً.
قبل أن يصل حتّى إلى فيلنيوس، هاجم زيلينسكي بغضب الرفض “العبثي” للأميركيين ولحلف شمال الأطلسي للسماح لبلده بالانضمام إلى الحلف في المستقبل القريب.
لكن بعد 24 ساعة، غادر زيلينسكي موجهاً شكره لدول كثيرة، ما سمح بإنهاء القمة بانسجام نسبي.
اجتماع بايدن وزيلينسكي على هامش قمة الناتو
وبدت الجهود الدبلوماسية للبيت الأبيض واضحة، فكانت مزيجاً من الوعود والمراضاة.
وفق مسؤولين أميركيين، كان بايدن وراء مبادرة تعهد دول مجموعة السبع بتقديم دعم عسكري على المدى الطويل لأوكرانيا. في الوقت نفسه، بُثت رسائل كثيرة للتذكير بأن أوكرانيا لم تتُرك لمصيرها.
وفي هذا السياق، قال ساليفان: “لسنا مكتوفي اليدَين. نقدّم كمية كبيرة من الأسلحة والمساعدة العسكرية لأوكرانيا”.
صباح الأربعاء، خلال لقائه مع زيلينسكي، شدّد بايدن على وعده “بإعطائه ما يحتاجه في أسرع ما يمكن”.
وقال زيلينسكي حينها إن واشنطن سبق أن قدمت أكثر من 40 مليار دولار من المساعدات العسكرية وكرّر رسائل الشكر على “المساعدة الهائلة” التي تتلقاها أوكرانيا. بدوره، شكر بايدن زيلينسكي على “امتنانه للشعب الأميركي”.