وضع سقوط مدينة ديسي الواقعة في وسط إثيوبيا على تقاطع الطرق الرئيسية الرابطة بين العاصمة أديس أبابا وبقية المدن والأقاليم؛ كافة مناطق البلاد في ما يشبه الـ”كماشة”، مما يعقد حسابات الجيش الفيدرالي الإثيوبي.
وبسقوط مدينة ديسي، فقد الجيش الإثيوبي أهم نقطة لانسياب الإمدادات خصوصا إلى إقليم التغراي الذي أشعل شرارة الحرب الحالية التي تعتبر الأحدث في سلسلة صراعات عرقية وسياسية عاشتها البلاد لسنوات طويلة.
وبعد دخول مقاتلي جبهة تحرير التغراي مع قوات الأورومو التي ينتمي إليها رئيس الوزراء أبي أحمد، وتقدمهم المفاجئ خلال اليومين الماضيين في مناطق الأمهرا – الحليف الرئيسي لأبي أحمد – اضطرت الحكومة الإثيوبية، يوم الثلاثاء، لإعلان حالة الطوارئ، وسط مخاوف من حرب شاملة تلقي بتبعات كارثية على المستويين المحلي والإقليمي.
مخاوف كبيرة
من جهته، عبر المجتمع الدولي عن مخاوف جدية من أن تعمق الأزمة الحالية زعزعة الاستقرار الهش في إثيوبيا، وتلقي بتبعات كبيرة على معظم بلدان شرق إفريقيا.
آبي أحمد يتوعد متمردي تيغراي: سندفن الأعداء بدمائنا
ووفقا الصحفي المتخصص في الشأن الإفريقي والاثيوبي، عبد المنعم أبو إدريس، فإن استيلاء تحالف التغراي والأرومو على مدينة ديسي يعقد موقف الجيش الفيدرالي الإثيوبي أكثر؛ إذ تشكل هذه المدينة بعدا استراتيجيا مهما نظرا لوقوعها في منطقة الأمهرا الحليف الحالي لأبي احمد، كما أنها ستؤدي إلى قطع طريق الإمداد الرئيسي للقوات الفيدرالية الإثيوبية.
ويقول أبو إدريس لموقع سكاي نيوز عربية إن لجوء إثنية الأورومو التي ينتمي إليها أبي أحمد للتحالف ضده مع التغراي يعود لحالة التململ التي سادت لفترة طويله في أوساط إثنية أبي أحمد، بسبب ما يصفونه بالإجراءات القمعية والاعتقالات التي طالت زعامات سياسية تنتمي للإثنية ومن بينهم محمد جوهر.
مهمة صعبة
يعتبر الكثير من المراقبين؛ أن التطورات الحالية ربما تشكل اختبارا أكبر بالنسبة لأبي أحمد، نظرا لتعقيداتها المحلية والإقليمية لجهة تداخلاتها مع العديد من بلدان المنطقة.
ويرى المراقبون ان هذه التطورات ستضع الجيش الإثيوبي أمام مقاومة شديدة وعمليات “استنزاف” طويلة.
وفي الواقع كانت الحرب التي اندلعت في إقليم تغراي في الرابع من نوفمبر 2020؛ بمثابة “كرة الثلج” التي بدأت تتدحرج بسرعة فائقة. ورغم إعلان الحكومة الإثيوبية مرارا سيطرتها على عاصمة الإقليم ميكيلي وتمكنها من تأمين عدد من المناطق الرئيسية في المنطقة؛ إلا أن مقاتلي جبهة تحرير التغراي تمكنوا من العودة مرة أخرى بسبب طبيعة المنطقة التي مكنتهم من الاحتماء بالجبال.
دعوة للسلاح ووعيد بالزحف نحو العاصمة.. ماذا يقع في إثيوبيا؟
ويشير المحلل السياسي محمد حامد جمعة إلى عوامل تصعب من مهمة الجيش الفيدرالي الإثيوبي؛ الذي يقدر قوامه بنحو 140 ألف فردا؛ من بينها الانشقاقات التي حدثت بعد اندلاع حرب التغراي، حيث انسحب منه عدد كبير من سكان الإقليم الذين كانوا يشكلون نسبة معتبرة في جميع تشكيلاته ووحداته.
ويقول جمعة لموقع سكاي نيوز عربية إن العامل الثاني الأكثر أهمية هو السيطرة السريعة لقوات تحالف التغراي والأورومو على مناطق استراتيجية في عمق إقليم الأمهرا الذي يعول أبي احمد عليه كثيرا في حسم الحرب مع التغراي.
أصل الصراع
عندما تسلم أبي أحمد السلطة في 2018، كانت إثيوبيا تعاني أصلا من انقسامات عرقية وأزمات اقتصادية كبيرة.
ففي العام 2017 اضطر أكثر من مليون إثيوبي للنزوح لأسباب تتعلق بصراعات عرقية، وأخرى ترتبط بموجات جفاف ونقص كبير في الغذاء والخدمات في بعض المناطق. لكن أبي أحمد واجه اختبارا كبيرا، عندما سقط قرابة 240 قتيلا في أعمال العنف والاحتجاجات التي اندلعت في إثيوبيا في يوليو 2020 عندما اندلعت اشتباكات عرقية على خلفية مقتل المغني الشعبي هاشالو هونديسا، الذي يعتبره الكثير من أفراد إثنية الأورومو التي ينتمي إليها ابي أحمد صوتا لمعاناتهم من التهميش.
لكن الأزمة الحالية تاججت أكثر بسبب الصراع الدائر منذ نحو 18 شهرا في إقليم التغراي. وعلى الرغم من أن التغراي يشكلون أقلية صغيرة في أثيوبيا؛ حيث يبلغ عددهم نحو 7 ملايين من مجمل السكان البالغ تعدداهم 110 ملايين نسمة، لكنهم كانوا يسيطرون على السلطة منذ عام 1991، عندما أطاحت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية بنظام منغستو هايلي ماريام وهو عسكري ماركسي حكم البلاد بقبضة حديدية لنحو 17 عاما.
وبعد تسلم أبي أحمد السلطة في العام 2018، أبدى التغراي رفضهم لسياساته خصوصا فيما يتعلق بالاعتقالات التي طالت العديد من زعاماتهم.
ومنذ النصف الثاني من 2020؛ ظلت حكومة أبي أحمد تتعرض لضغوط كبيرة من القوميين التغراي الأشد حماسا لانفصال الإقليم. وتزايدت النزعة الانفصالية بشكل أكبر في سبتمبر 2020 بعد أن تحدت جبهة تحرير شعب التغراي قرار حكومة أبي أحمد القاضي بتأجيل انتخابات محلية لاختيار حكومة جديدة للإقليم كان مقرر اقامتها في أغسطس بسبب جائحة الكورونا. وبالفعل أجريت الانتخابات في العاشر من سبتمبر وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية في أديس أبابا عملا غير شرعيا ويشكل تهديدا للوحدة الوطنية.