أغلى مدافع في الدوري الإنجليزي، أغلى حتى من فيرجيل فان دايك الذي ترشح للكرة الذهبية في 2019.. صفقة خرافية لرجل واصل التدرج إلى أن وجد نفسه يحمل شارة قيادة أكثر الأندية تتويجا بالدوري.
والنتيجة؟ سُحبت الشارة، وتراجع في سلم ترتيب المدافعين من الأول إلى الخامس، حتى الظهير الأيسر بات يسبقه في مركزه. حارس مرمى جديد ينهره بغضب على الملأ في يومه العاشر بالنادي.
رجل ملك كل شيء تقريبا، ثم فقد كل شيء. يسير مثقلا بتغير وضعه، مكبلا بعجزه عن إعادة الأمور إلى نصابها. تُلقى إليه ورقة من أحد المشجعين، يظن أخيرا أن هناك من لا يزال يقر له بأي فضل، أو حتى يحمل تجاهه شيئا من الشفقة، فيهم بالتقاطها، ربما ليهدي هذا المشجع اللطيف توقيعه، قبل أن تقع عينيه على كلمات مباشرة للغاية: “اخرج من النادي”.
أيا يكن وصف ما حدث بعد ذلك، سواء “ابتسم ثم مضى برأس خفيض” كما قيل، أو انفعل -وهو ما لم يحدث- وصرخ في وجه المشجع، لا تُخبرني أن تلك الواقعة لم تترك به أثرا. كيف وقد أثرت بمشجع لمانشستر يونايتد لا يزال يريد رحيل هذا اللاعب بالفعل؟
ماذا جناه؟
فيمَ أخطأ هاري ماجواير ليستحق كل هذا؟ السؤال واضح للغاية، ولا يعني أن ماجواير لم يخطئ على الإطلاق، ولكن لتلك الدرجة؟
لنرد الأمر إلى أصله: أتى بمبلغ أكبر من اللازم؟ ربما.. ولكن منذ متى يكون هذا خطأ اللاعب وليس من دفع هذا الرقم لشرائه؟
كان سيئا طوال الوقت؟ هذا لم يحدث.. تحت قيادة أولي جونار سولشاير كان أفضل مدافع في الفريق، وأحيانا المدافع الوحيد الذي يمكنه الاعتماد عليه.
وقتها كان الرجم من نصيب فيكتور لينديلوف، لدرجة أن أنصار جوزيه مورينيو قالوا بثقة مطلقة إن تجربة البرتغالي ما كانت لتفشل لو تعاقدوا له مع ماجواير في مستهل موسمه الثالث الكارثي الشهير.
إذاً ماذا حدث؟
أتى إريك تين هاج.. بهذه البساطة حقا. وتماما كما فعل مع كافة الأدوات المتاحة علما منه بأن إحضار كامل أدواته المفضلة سيتطلب الوقت، حاول مع ماجواير في البداية، ولكنه اصطدم بعيبه القاتل الذي نعرفه جميعا حتى في فترات تألقه: هو بلا شك يجيد الدفاع، ولكنه لا يجيد سواه.
كل تمريرة تصل إلى قدم ماجواير تحت الضغط هي كارثة محتملة، وكل تمريرة تخرج منه في نفس الظروف هي كارثة محتومة. لم يكن هذا الأمر أبدا نقطة تفوقه، ولم يزوّر إجادته له في سيرته الذاتية حين اشتراه مانشستر يونايتد.
كل ما في الأمر أن مانشستر يونايتد لـ 9 سنوات كاملة بين اعتزال سير أليكس فيرجسون ووصول تين هاج، لم يكن يعرف بالضبط كيف يريد أن يلعب..
غادر العجوز التاريخي منصبه وأوصى بالخلافة لمواطنه ديفيد مويس من بعده، ففشل سريعا بالتزامن مع تألق لويس فان خال في كأس العالم مع هولندا، حسنا، هيا بنا نستحوذ. فشلت الخطة في غضون عامين بعد شراء كل الأدوات الهولندية وغير الهولندية التي طلبها المدرب، وهو ما يعني أن يونايتد سينتهج مدرسة أخرى، مغايرة تماما، ليس لأنه يريد هذه المدرسة، بل لأن جوزيه مورينيو هو أكبر اسم متاح في ذاك الوقت، الذي شهد تعاقد مانشستر سيتي مع بيب جوارديولا.
هذا ملخص بسيط لا يشمل الإصابات العضلية التي ضربت الفريق بعد رحيل مورينيو وتولي سولشاير للقيادة المؤقتة، لأن الإدارة لم تأبه لمسألة هامشية مثل التباين المهول في معدلات الركض التي يتطلبها كل منهما، فالهدف كان لاعبا سابقا يبث الحماسة داخل الصفوف لنهاية الموسم، واستمرارا لمتوالية العبث، فإن مباراة واحدة لعبت فيها الصدف والخزعبلات دورا كبيرا في الوصول بها لتلك النتيجة، كانت أكثر من كافية لتحويل المؤقت إلى دائم.
الآن وقد صار مانشستر يونايتد أخيرا يعرف كيف يريد أن يلعب لبعض الوقت، لا مفر من وجود ضحايا لهذه المرحلة الجديدة، وفي تلك الحالة، ومع تأسيس السلطة الجديدة بأسس واضحة تمنح المدرب سيادة كاملة، فقدها مدرب بحجم مورينيو لصالح لاعب مثل بوجبا على سبيل المثال، بينما احتفظ بها تين هاج أمام كريستيانو رونالدو نفسه، وحتى دافيد دي خيا، آخر من تبقى من رجال فيرجسون. ما الذي سيشفع لماجواير؟ حتى لينديلوف عاد ووجد لنفسه موقعا بعد فاران وليساندرو مارتينيز، فقط لأنه أفضل حالا في التعامل مع الكرة.
هل هو خطأ تين هاج؟
أيضا لا. الهولندي لم يخطئ حتى بقرار سحب الشارة. ماجواير لم يعد من الممكن أن يتواجد في الملعب خارج إطار مباريات المداورة والضرورة القصوى، كيف يظل قائدا للفريق؟ ربما كان رحيله ليحل هذا المأزق، ولكن من الواضح أن الرحيل غير مضمون.
ولكن ماجواير يتألق مع منتخب إنجلترا. جاريث ساوثجيت يجيد استخراج الأفضل منه. هذا لا يدين تين هاج بل يثبت أكثر أن الرحيل هو الخيار الأفضل. ساوثجيت يجد لمدافعه المفضل طريقة يستفيد به من قدراته وتتضاءل فيها سلبياته، وكذلك يمكن لأي مدرب آخر يريد اللاعب أن يفعل، إلا إن كنت تقترح أن يضحي تين هاج بأسلوب لعبه كاملا لأجل ماجواير.
لنفترض الآن أننا اتفقنا على كون الرحيل الخيار الأفضل، من يُفترض به أن يخبره بذلك؟ أو بالأحرى ما خطب الجماهير مع رجل يعرفون جميعا الآن أنه ليس قريبا على الإطلاق من أي مشاركة أساسية محتملة إلا لو غاب 3 لاعبين على الأقل؟
الجماهير تبقى الجماهير. نحن لا نجيد السيطرة على غضبنا، ولا أحكامنا المطلقة بالطبع. كانت أحكام الزمن لا تسمح بتفريغ تلك الشحنة خارج المدرجات سوى على المقاهي تقريبا، ومع الوقت صارت وسائل التواصل الاجتماعي متنفسا أسهل حتى من المدرجات. قد يراها اللاعب وتؤذيه، لا بأس، فبالتجرد من كل ذرة مثالية والتعامل مع العالم كما نراه أمامنا إلى أن يتغير: من يترك نفسه لما يُكتب على الإنترنت سواء كانوا أشخاص حقيقيين أو مجرد حسابات وهمية، هو الخاسر حتما في نهاية المطاف.
ولكن متى وصل الأمر إلى الاستهداف الشخصي؟ من أعطى هذا المشجع الحق ليقول له “اخرج من النادي الخاص بي”؟ وأي جرم ارتكبه ماجواير ليستحق ملاحقته بالكراهية أينما حل وارتحل؟ أتى بمقابل كبير؟ راتبه مرتفع؟ حسنا.. أتدفعه من جيبك؟
أحد الأصدقاء قال إن ماجواير سيئ الحظ الآن لأنه أبيض، فلو كان من أقلية عرقية لوجد الناس طريقة للتعاطف معه وإخماد تلك الحملة الشعواء. وللأسف قد يكون هذا صحيحا، ففي زمن يُحارب فيه التمييز بالتمييز المضاد، وتُساق فيه القضايا الإنسانية العادلة إلى غير أهدافها، تُنتج المغالاة أعداء طبيعيين لما يُغالى بشأنه.. وها نحن ذا، تقودنا رؤية التطرف في استهداف ماجواير إلى ما لم يسبق لنا تخيله: الدفاع عنه.