بثبات وتنظيم، استمرت جائزة رجل المباراة في الدوري المصري الممتاز طوال فعاليات الموسم الماضي. خطوة للأمام بطبيعة الحال، ولكن حان الوقت لسؤال بعض تلك الأسئلة التي عادة لا نحب طرحها أو سماعها، والتي لا مفر منها إن كنا نريد أن تثمر الخطوة للأمام عن خطوة تالية.
لنرى.. من أكثر لاعب فاز بجائزة رجل المباراة في الدوري المصري للموسم الماضي؟ مصطفى عبد الرؤوف “زيكو” نجم حرس الحدود برصيد 7 مرات. من يليه؟ سمير فكري مع الداخلية بـ 6 مرات. الأول هبط فريقه، والثاني بالكاد أفلت في الجولة الأخيرة.
لماذا يبدو ذلك غريبا؟ أكثر اللاعبين فوزا بالجائزة في الدوري الفرنسي هو ليونيل ميسي نجم باريس سان جيرمان بطل الدوري. في الإسباني ستجد أنطوان جريزمان نجم أتلتيكو مدريد ثالث الدوري. في الإنجليزي ستجد كيفن دي بروين نجم مانشستر سيتي بطل الدوري. في الألماني ستجد راندال كولو مواني لاعب فرانكفورت السابع. أما في الإيطالي فهو رافاييل لياو نجم ميلان الرابع بالتساوي مع لاوتارو مارتينيز مهاجم إنتر الثالث.
بالطبع لاحظت أن السابع هو أسوأ مركز ممكن للاعب قادر على الانفراد بصدارة “رجل المباراة” في الدوريات الخمس الكبرى، وبين أكثر 20 لاعبا فازوا بالجائزة في جميع هذه الدوريات، لن تجد مركزا أسوأ من الثاني عشر الذي احتله مونبلييه، وفي هذه الحالة فاز لاعب وسطه تيجي سافانييه بالجائزة 7 مرات أيضا.
من السهل أن نقول إن ذلك الأمر لا يتعارض مع ذاك، وإن حقيقة أن زيكو وحده فاز بجائزة رجل المباراة أكثر من عدد انتصارات حرس الحدود في الدوري المصري (5) لا تتنافى مع كونه اللاعب الأفضل في تلك المباريات التي حقق منها الجائزة، أو حتى لا تتنافى مع حقيقة أن لاعبي الحرس إجمالا فازوا بالجائزة 17 مرة، بينما يبلغ عدد انتصارات وتعادلات الفريق معا 15 مباراة.
ولكن تقريبا هذه هي المشكلة.. اللعبة جماعية وما إلى ذلك، ومن الممكن أن يهبط فريق يضم ليونيل ميسي نفسه، ولكن ألم يتواجد لاعب واحد أيا كان فريقه بين العشرة الأوائل بنفس الجودة والتأثير على الأقل في 7 مباريات أخرى؟
يمكنك التغاضي عن حقيقة أنك مضطر لتجاوز 19 اسما في قائمة هدافي الدوري قبل الوصول لعدد أهداف زيكو (5)، فالجائزة لا ترتبط بالأهداف وحدها أيضا.. كل هذا سيقودنا إلى السؤال ذاته: بمَ ترتبط الجائزة؟
جائزة رجل المباراة هي جائزة مخصصة لأفضل لاعب في المباراة، بناء على معايير فنية واضحة ومحددة يحددها مجموعة من الخبراء، ولا علاقة لها بنتيجة المباراة بل بأداء اللاعب الفائز بهذه الجائزة في المباراة.
بالضبط.. ما هي تلك المعايير؟ وفقا لرابطة الأندية، هناك لجنة من الخبراء تضع المعايير الفنية التي على أساسها يتم اختيار رجل المباراة. مشكلة صغيرة متبقية: نحن لا نعرف ممن تتكون اللجنة، وبالتالي لا نعرف المعايير.
هذه الجائزة مطاطة للغاية، ليس فقط في مصر بل في العالم كله، يمكنها أن تُصبح بتصويت الجماهير، ويمكنها أن تصبح باختيار الراعي الذي يدفع الأموال نظير وضع اسمه عليها بالفعل، ولكن في كل تلك الحالات يُصبح معروفا أنها تسير بهذا الشكل.. ولكن هنا هي تأخذ شكلا فنيا مباشرا، دون توضيح أي عنصر فعلي من عناصر هذا الاختيار الفني.
واقعة فريدة في مصر
ولكن في النهاية هي لجنة فنية، تشاهد المباريات وتستقر على خيار معين ثم تُبلغ به المذيع الداخلي ليعلنه قبل ختام المباراة بدقائق قليلة، ومسألة الإعلان في الملعب هذه مُتعارف عليها، ومن المُتعارف عليه أيضا أن القرار المأخوذ بناء على 80 دقيقة مثلا على أقل تقدير لا يمكنه أن يتغير بلمستين إضافيتين في الثواني الأخيرة.. أليس كذلك؟
حسنا، في مباراة الاتحاد السكندري وحرس الحدود بالجولة الـ 32، أعلن المذيع الداخلي قبل نهاية المباراة بدقائق بوضوح شديد للغاية: كريستوفاو مابولولو مهاجم الاتحاد هو رجل المباراة.
خيار منطقي، فقد كانت النتيجة تشير لتقدم الاتحاد 2-1 بفضل هدفي مابولولو، ولكن تعادل حرس الحدود في الوقت القاتل بهدف محمود ممدوح في الدقيقة 99، وبالتالي.. ذهبت الجائزة فجأة إلى مصطفى جمال صاحب هدف حرس الحدود الأول.
هل نحيلها لتصويت الجماهير؟
هل الحل في تلك الحالة هو تحويلها إلى جائزة بالتصويت الجماهيري؟ لأسباب تقنية مختلفة ومعقدة، هذا الخيار يبدو شبه مستحيل في الوقت الراهن، فالأمر يحتاج لآليات معينة تسمح بالتصويت داخل الملعب وهي غير متوفرة في الكرة المصرية حاليا، وللأمانة هناك أوجه إنفاق أكثر تقدما في ترتيب الأولويات مقارنة بتلك الرفاهية.
وحتى إن تمكننا من اجتياز هذه العقبة، فإذا نظرنا لواقع الأمر سنجد أن الجوائز الجماهيرية في مصر ليست أفضل حالا على الإطلاق.
لنواجه الواقع، هذا ليس ذنب الأهلي مثلا الذي سنتحدث عنه، ولكنها ببساطة حقيقة تواجد فريق واحد يملك شعبية كاسحة مقارنة ببقية أندية الدوري المصري مجتمعة. الأمر لا يختلف كثيرا عن جوائز التصويت التي كنا نتفانى في ضمان فوز محمد صلاح بها طوال الوقت.. نحن على الأرجح لن نخسر معركة العدد ما لم يكن المنافس من الهند.
لمن لا يصدق، المثال موجود وواضح للغاية، فرابطة الأندية اضطرت للتوضيح علنا بأن جائزة لاعب الجولة هي مجرد نشاط تفاعلي عبر حسابات الرابطة بتصويت الجمهور، ردا على فوز لاعبي الأهلي بها على طول الخط تقريبا.
الحل الوحيد لكي لا يفوز بها لاعب من الأهلي هو ألا يتواجد لاعب من الأهلي ضمن الخيارات أصلا، وهو ما استمر إلى الجولة الأخيرة، لدرجة أن طاهر محمد طاهر اكتسح التصويت في جولة سجل بها ياو أنور 4 أهداف.
تحويل جائزة رجل المباراة في مصر إلى جائزة بالتصويت سيكون مأساة أكبر، خصوصا أننا لسنا إنجلترا كما نعرف، وبالتالي إن كانت كثافة جماهير الأهلي تؤثر سلبا على عدالة التصويت، فإن هناك فرق بلا جماهير أصلا تواجه بعضها في بعض تلك المباريات، وبالتالي لن تجد من يحدد لها رجلا، هذا إن وجدت من يشاهدها من الأساس.
المطلوب؟ ليس بالضرورة الكشف عن أفراد لجنة الخبراء.. بل فقط الكشف عن المعايير التي يعتمدون عليها، لا أكثر ولا أقل، نحو جائزة أكثر قيمة وتأثيرا ومصداقية لدى الجماهير.
وجب التنويه هنا إن النقد ليس لـ “زيكو” وهو لاعب رائع بالفعل، لكن النقد للطريقة التي فاز بها “زيكو” بالجائزة 7 مرات -وعلى الأغلب لم تحسب أي مؤسسة أخرى بخلاف FilGoal.com عدد تتويجات كل لاعب بالجائزة بمن فيهم رابطة الأندية نفسها-، وإنما هي نفس الطريقة التي أعلن بها مابولولو رجلا للمباراة، وسُحبت منه الجائزة بعدها بدقيقة لصالح آخر، ولمجرد أن لاعب ثالث سجل هدفا قاتلا.