من المستفيد من شيطنة مساعِ الدولة للتحول للدعم النقدي، وتحويل القضية إلى صراع بين الاشتراكية والرأسمالية ؟ ولماذا لا يحصل المواطن على حقه من الدعم بدون وسطاء؟!
كلما دار الحديث عن الدعم النقدي.. يقفز إلى ذهن المواطن النية الخفية للحكومة لإلغاء دعم الزيت والسكر ورغيف الخبز، لا أحد يريد أن يناقش أو يفهم ما أصاب هذه المنظومة من عطب منذ عقود طويلة، وما عاصرها من تحولات .
أتفق مع هذا المواطن المتكئ بحمله وحمل أسرته على هذا الدعم، كون رصيد الثقة بينه وبين الحكومة غير كاف، لإقناعه بأن المسألة لا تحتوي على نوايا سيئة، أو رغبة في التخلص من الدعم، كما أتفق معه أيضاً أنه لم يصدق – حتى الآن – أن ما يجري تعديل مسار الاستهداف، وتحسين كفاءة القنوات الناقلة لهذا الدعم، حتى لا تستدين الدولة ليستفيد غيره بحقه.
قطعاً، لا يرضي من يحصل على الدعم، ولا من يدفعه، أن يكون الحديث الرسمي لوزارة المالية وللجنة الخطة والموازنة، بمجلس النواب، عن فاقد من الدعم يتجاوز 30% من قيمته ولعل هذه الأرقام مرعبة إذا ما قورنت بقيمة الدعم المرصود لرغيف الخبز والسلع التموينة فى موانة 2024 والذى يقدر 127 مليار جنيه ، الحكومة تتحدث صراحة عن فاقد يتجاو 37 مليار جنيه !
وهنا يكمن السؤال الأدق.. هل نمتلك رفاهية فقد 37 مليار جنيه سنويا ؟ بينما تتراكم الديون الدخلية والخارجية لتمويل عجز الموازنة، وماذا لو توجه هذه المبالغ المفقود لتحسين جودة الدعم، أو إعادة ضخه في ميزانيات لا تقل أهمية فى حياة المواطن مثل الرعاية الصحية والتعليم!
أما المضحكات المبكيات في هذا المشهد العبثي، لمن يحتكرون هذه الصناعة – أصحاب المصلحة – يمثلون دكتاتورية الأقلية، أصوات عالية وحناجر تضج بالدفاع عن حق المواطن المسكين في الدعم العيني، بل سيل من الشائعات و الأكاذيب التي تروج لنية غير حقيقية للحكومة في إلغاء الدعم، نستطيع أن نقول تغييب متعمد للوعي بخطورة هذه القضية حفاظاً على استمرار مكاسب لا يجب أن تستمر على هذا النحو.
الحلول العملية متاحة ولا تحتاج لتنظير مِنَّى ، فكل مواطن يمتلك كارت ذكي يستطيع من خلاله أن يحصل على السلع التى كان يحصل عيها في الدعم من أي مكان، لا داع للتقيد بمن يحتكر القيمة والجودة والآليه، ولا مبرر لأن يفرض عليه منتج ردئ أو سيئ، وأحيانا لا يصلح للاستهلاك الآدمي، فقط لأنه منتج مدعم !
والوصول للمواطن أسهل بكثير من التعامل من تعقب مراحل تخزين القمح مرورا بالطحن والنقل والعجن والخبز وخلافه .. من يملك الدعم يستطيع أن يختار بكم يشتري ومن أين يحصل على ما يريده بجودة.
ولن أغفل هنا فرضية المواطن غير كامل الأهلية، الذي يبدد ما حصل عليه من الدعم النقدي، ويترك أولاده وأسرته جوعى بلا خبز، وربما تمتد هذه الفرضية إلى توجيه مبلغ الدعم النقدي لأولويات الإنفاق، التي ربما أن تكون طارئ صحي أو ظرف قهري، وبالتالي تبقى الأسرة مرة أخري بلا خبز.. وهنا يجب أن يرتبط رصيد الكارت الذكي من الدعم النقدي بالصرف، مقابل الحصول على سلع معينة أو خبز من السوق الحر، بلا أي تقيد بمنطومة تهدر عشرات المليارات حتى يصل الدعم في هذه الصورة.
ولتكن البداية بتحرير صناعتي الطحن والخبز، ولتكن المنافسة مفتوحة للجميع بين المطاحن التموينية والخاصة والمخابز الحرة والتموينية لمن يقدم أفضل جودة بأقل سعر.
وفي الأخير، ربما يكون هذا المقال تمهيداً أو تقديراً، لموقف عام يحتاج لشرح أكثر تخصصية وعمق في الحلقات القادمة .