يبحث قادة ورؤساء حكومات دول الاتحاد الإفريقي والتجمعات الاقتصادية الكبرى الإفريقية، بالعاصمة الكينية نيروبي، سبل تسريع تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي دخلت حيز النفاذ عام 2019 وتضم في عضويتها 55 دولة إفريقية.
وتمتلك القارة الأفريقية أكبر منطقة تجارة حرة في العالم وسوقًا ضخمًا يضم أكثر من 1.3 مليار شخص ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لبلدانها مجتمعة 3.4 تريليون دولار.
ويعد التكامل الاقتصادي بين دول القارة تحولًا مهمًا لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال تسخير الموارد التي تنعم بها هذه الدول، وادارة الثروات الطبيعية بطريقة فعّالة تضيف قيمة في مجال الاستثمار وصعود التحول الاقتصادي لكافة أنحاء القارة، ولن يأتى هذا التحول إلا من خلال تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية مما يجعلها تلعب دورًا رئيسيًا في مستقبل أفريقيا الاقتصادي.
تحديات القارة السمراء
وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر 2022، فإن الاقتصاد في أفريقيا يواجه تباطيء في معدل التنمية، حيث انخفض من 4.1% في عام 2021 إلى 3.6% في عام 2022، ومن المتوقع أن يسجل النشاط الاقتصادي في المنطقة مزيدًا من الانخفاض إلى 3.1% في عام 2023.
ويرجع البنك الدولي الأسباب إلى استمرار حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، وتراجع معدلات التضخم وإن كانت لا تزال مرتفعة، وصعوبة الأوضاع المالية العالمية والمحلية وسط ارتفاع مستويات الديون.
وأفاد التقرير أن التقديرات لارتفاع النمو الاقتصادي يشير إلى الارتفاع إلى 3.7% في عام 2024 و3.9% في عام 2025، وهو ما يوضح أن التباطؤ في النمو ينبغي أن يصل إلى أدنى مستوياته في هذا العام.
هذه التحديات تقابلها تحديات أخرى في خفض معدل الفقر، فلا يزال التعافي البطيء لنمو نصيب الفرد من الدخل، عند 1.2% في العام المقبل و1.4% في عام 2025، أقل من المستوى المطلوب لتسريع الحد من الفقر في المنطقة إلى مسار ما قبل جائحة كورونا.
ويتباين النمو الاقتصادي في أفريقيا بين دول وأخرى مع مواجهة التحديات مثل الطاقة وانخفاض انتاج النفط، فمن المتوقع أن ينخفض نمو إجمالي الناتج المحلي في غرب ووسط أفريقيا من 3.7% في عام 2022 إلى 3.4% في عام 2023.
في حين ينخفض في شرق أفريقيا والجنوب الأفريقي من 3.5% في عام 2022 إلى 3% في عام 2023.
ومن المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادي في جنوب أفريقيا مزيدًا من التراجع في عام 2023 (0.5%) في ظل تفاقم أزمة الطاقة، في حين لا يزال تعافي النمو في نيجيريا في عام 2023 (2.8%) هشًا بسبب استمرار ضعف إنتاج النفط.
أزمة الدين العام
ومن التحديات الأخرى التي تقابل القارة السمراء زيادة الدين العام في المنطقة بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2010، وفقًا لتقرير البنك الدولي، بالإضافة إلى تأثيرات الحرب في أوكرانيا، عقب جائحة كورونا.
حيث أظهرت البيانات اتساع العجز المالي في المنطقة إلى 5.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022، ارتفاعًا من نحو 4.8% وفق تقديرات عام 2021. ودفع ضعف النمو الذي اقترن بتراكم سريع للدين العام وسيط نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي من 32% في عام 2010 إلى 57% في عام 2022 (56% في غرب ووسط أفريقيا، و64% في شرق أفريقيا والجنوب الأفريقي).
ويوجد حاليًا 20 بلدًا في المنطقة تعاني من حالة مديونية حرجة بالفعل أو معرضة لمخاطر عالية تهدد ببلوغها (ارتفاعًا من 20 بلدًا في عام 2020).
وسيظل التضخم في المنطقة مرتفعًا عند 7.5% على مدار عام 2023، وفوق النطاقات التي تستهدفها البنوك المركزية في معظم البلدان. وقد انخفض نمو الاستثمار في المنطقة من 6.8% في الفترة 2010-2013 إلى 1.6% في عام 2021، مع تباطؤ أكثر حدة في شرق أفريقيا والجنوب الأفريقي مقارنة بغرب ووسط أفريقيا.
قدرة على الصمود
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه دول افريقيا الا ان هناك دول قادرة على الصمود مثل كينيا التي حققت نموًا بنسبة 5.2%، وكوت ديفوار بنسبة 6.7%، وجمهورية الكونغو الديمقراطية بنسبة 8.6% في عام 2022.
إمكانيات وآمال:
على الرغم من التحديات والمخاطر التي تحيط بالقارة السمراء إلا إن الموارد الطبيعية تتيح للدول الأفريقية فرصة لتحسين استدامة النمو الاقتصادي، وتتيح الموارد الطبيعية (النفط والغاز والمعادن) فرصة اقتصادية بالاضافة إلى الاستفادة من توسيع نطاق الاستثمارات في الطاقة الخضراء، والبنية التحتية الإقليمية للتخفيف من حدة الفقر في المناطق الريفية وازدياد معدلات الإنتاجية.
ويمكن للبلدان الأفريقية الاستفادة من مواردها الطبيعية للجمع بين الغاز والطاقة المتجددة لتلبية الاحتياجات المحلية، ويمكن أن يؤدي إعطاء الأولوية للاستثمارات الوافدة في احتياطيات الغاز الطبيعي المكتشفة حديثًا وغير المطورة على نحو كافٍ إلى زيادة عائدات التصدير وحفز إنتاج الطاقة المحلية وتعزيز فرص الحصول عليها.
ماهي اتفاقية التجارة الحرة للقارة الافريقية
اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AFCFTA) هي اتفاقية تجارية بين 49 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي تهدف إلى إنشاء سوق موحدة تليها حرية الحركة وعملة موحدة تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا في كيغالي، رواندا في 21 مارس 2018.
ويستلزم تصديق 22 دولة حتى تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ وتصبح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية سارية. وستعمل الاتفاقية كمظلة ستضاف إليها مجموعة من البروتوكولات والملحقات.
ووقعت 44 دولة في البداية على الاتفاقية في 21 مارس 2018، وصدقت كلا من كينيا وغانا كأولى الدول المصدقة على الاتفاقية في 10 مايو 2018 من خلال البرلمان في البلدين، ثم جائت غامبيا في 2 أبريل 2019، وتم تصديق 22 دولة على إنشاء منطقة تجارة حرة بشكل رسمي، كما أنه في 30 أبريل 2019، قدمت جميع الدول المصدقة وثائق تصديقها إلى الاتحاد الأفريقي.
أهمية الاتفاقية
سيحقق تنفيذ الاتفاقية مكاسب اقتصادية واجتماعية كبيرة للمنطقة، قد تؤدي إلى زيادة الدخول والحد من الفقر وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي.
ووفقًا لتقرير صادر من البنك الدولي بعنوان تحقيق الاستفادة القصوى من منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، فإن النتائج ستكون مبهرة إذا تم تنفيذ الاتفاق التجاري تنفيذا كاملا للمواءمة بين قواعد الاستثمار والمنافسة.
وأوضح التقرير أن تطبيق الاتفاقية سيؤدي إلى زيادة الدخول في المنطقة نحو 9% إلى 571 مليار دولار. ويُمكِن أيضا أن يؤدي إلى خلق قرابة 18 مليون وظيفة جديدة كثير منها وظائف أعلى أجرا وأفضل جودة، وستشهد العاملات أكبر المكاسب.
وسيؤدي تنفيذ الاتفاق التجاري أيضا إلى زيادات أكبر في الأجور للنساء والعمال المهرة، مع انتقال 2.5% من العمال في القارة إلى صناعات جديدة.
وأوضحت ماري بانجيستو المديرة المنتدبة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي أنه بحلول عام 2035، قد تساعد الوظائف الناجمة عن الاتفاق ونمو الدخول حوالي 50 مليون شخص لى الخروج من دائرة الفقر المدقع.
بالإضافة إلى زيادة أجور العاملات بنسبة 11.2% عن مستوى الأجور في غياب الاتفاق، متخطية بذلك نمو أجور الذكور من العمال الذي ستبلغ نسبته 9.8%.
زيادة الصادرات
إضافةً إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر قد يؤدي إلى زيادة صادرات أفريقيا ما يصل إلى 32% بحلول عام 2035، مع نمو الصادرات فيما بين البلدان الأفريقية بنسبة 109% لا سيما في قطاعات السلع المُصنَّعة.
وستشهد كل البلدان في أفريقيا زيادة التبادل التجاري فيما بين البلدان الأفريقية بما في ذلك تونس (165%)، والكاميرون (144%)، وغانا (132%)، وتنزانيا (126)، وجنوب أفريقيا (61%).
وأشار التقرير إلى أن أهم قطاعات التصدير التي من المرجح أن تحقق أكبر نمو هي المنسوجات والملبوسات، والكيماويات، والمطاط واللدائن، والأغذية المُصنَّعة، مما يؤدي إلى تقليص تكاليف التجارة وتعزيز تدفقات رأس المال الوافدة التي ستعزِّز الصادرات من القطاعات الخدمية مثل النقل والاتصالات والضيافة.
الاستثمار الأجنبي المباشر قد يؤدي إلى زيادة صادرات أفريقيا ما يصل إلى 32% بحلول عام 2035
من جانبه حث مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، في يوليو 2022 الدول الأفريقية تنويع صادراتها للنجاة من الصدمات الاقتصادية الناجمة عن الأزمات العالمية مثل جائحة كوفيد -19 والحرب في أوكرانيا، من خلال تعزيز صادرات الخدمات عالية القيمة، وتوسيع وصول الشركات الخاصة إلى الخدمات المالية، والاستفادة من التقنيات المالية الجديدة وتنفيذ سياسات فعالة.
وقالت ريبيكا جرينسبان الأمينة العامة للأونكتاد، إن أفريقيا لديها إمكانات هائلة لكسر الاعتماد على السلع الأساسية وضمان اندماجها الفعال في سلاسل القيمة العالمية المتطورة، من خلال معالجة الحواجز التي تعترض التجارة في الخدمات، وتعزيز المهارات ذات الصلة وتحسين الوصول إلى التمويل البديل المبتكر، يمكن تحسين إنتاجية التصنيع في المنطقة، ودفع النمو الاقتصادي والتحول الهيكلي في أفريقيا لسنوات عديدة قادمة”.