العمل التلفزيوني العربى …تحديات لا تنتهى
يكتب بقلم الدكتور محمد فيض محمد
حينما يقرأ أحدنا أو يسمع مصطلح التحديات فإنه يستشعر وقتها أن الأمر خطير وأن هناك ثمة أعباء ثقيلة قد يصعب مواجهتها أو التصدى لها والحقيقة غير ذلك؛ فلقد خُلق الإنسان في كبد كما بدأ الإنسان القديم حياته في مواجهة قاسية مع الطبيعة إلى أن استطاع أن يعمُر الأرض ويستمر في العطاء، وإذا كان الحديث هنا عن التلفزيون العربي فإنه يمكن القول بأن تحدياته لم ولن تنتهي؛ وقد يرجع ذلك إلى طبيعة العمل التلفزيوني ذاته المتميز بالديناميكية المستمرة والمتسارعة في ظل مناخ يتسم بالمنافسة الشرسة، وهو ما يطرح سؤالاً هاماً هو: هل تأخر التلفزيون العربي عن الركب؟ الإجابة لا؛ فالبنظر إلى بداية ظهور التلفزيون بالبلدان العربية فإن الدور العربي في أغلبه لم يتعدى كونه كمتلقي للبث الوافد وعلى نطاق ضيق في الخمسينات، ولكن سرعان ما تم افتتاح أو نظام تلفزيوني عربي بالعراق عام 1956م، كما قامت كل من مصر وسوريا بمباشرة أنظمتها التلفزيونية عام 1960م، في حين اكتملت قدرات الدول العربية بثها التلفزيوني عام 1975م عندما بدأت اليمن في بث برامجها، ومن ثم فإن البث التلفزيوني العربي لم يبتعد كثيراً عن الظهور مقارنة ببداية أنظمته العالمية ففي ألمانيا انطلقت خدمة البث التلفزيوني عام 1935م ولاحقتها فرنسا بمباشرة أول إرسال تلفزيوني منظم عام 1939م؛ ومن ثم يمكن القول أن البث التلفزيون العربي المنظم لم يتأخر كثيراً وخاصة إذا وضع في الاعتبار ما كانت تمر به المنطقة العربية من احتلال أجنبي وقت ظهور البث التلفزيوني، وهذه بالطبع ليست دعوة للخنوع أو التكاسل عن مواكبة التطور التكنولوجي الحتمي والمتسارع، ولكنها بمثابة دعوة للكف عن جلد الذات والشعور بالضعف والدونية… كما أنها رسالة للأصوات التي تنعت العالم العربي بتأخره لأن تدرك أن زمن العزلة وإغلاق النوافذ ذهب بلا رجعة في ظل عالم يتميز بالانفتاح الحتمي والذي دعا الكثير من البلدان العربية وغيرها للتخلي عن فلسفات قديمة وتخفيف العديد من القيود على مختلف مناحي الحياة بما في ذلك وسائل الإعلام والتي بفعل ثورة المعلومات تم تحفيز واستنفار طاقات القائمين على الإعلام العربي بما في ذلك التلفزيون العربي لمواجهة تحديات جديدة من نوعها قد يتشتت فيها توقع النتائج إذ ما تم تنفيذ العمل التلفزيوني من منطلقات جزئية؛ ومن ثم ظهر الاتجاه لامتلاك التكنولوجيا الحديثة وإطلاق كم هائل من الفضائيات وإجراء دراسات وبحوث الجمهور وزيادة آليات التواصل معه وغيرها، كما أن تطور الفضائيات العربية زاد من آواصر التواصل بين شعوب البلدان العربية بما قد يسمح مستقبلاً بظهور وعاء جمعي مشترك يجمع الكثير من العرب في هوية عربية متجددة بفعل تأثير البث التلفزيوني العربي المشترك شريطة أن تحافظ على الثوابت العربية وبما قد تضمن تحقيق الأهداف العربية نحو غد أكثر إشراقاً