حوادث و قضايا

أبوبكر الديب يكتب: شعوب العالم تطلب الخلاص من “صدمة نيكسون”

اقتصاد

البوابة نيوز

تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
google news

* “اليوان” يسحب البساط من تحت “الدولار” بالقارة الإفريقية 

علي مدى المائة عام الماضية تربعت الولايات المتحدة الأمريكية على عرش الاقتصاد الدولي وبالتبعية تربعت عملتها المتمثلة في الدولار علي عرش العملات الدولية حسب قانون العولمة الاقتصادية الذي سمح عقب الحرب العالمية الثانية باكتساب الدولار مكانةً أقوى من العملات الاحتياطية السابقة.

لكن العقوبات الأميركية على روسيا والتي بلغت أكثر من 14 ألف عقوبة مع شركاءها الاوروبيون، جعلت بعض الدول وخاصة دول القارة الافريقية، تشعر بالقلق من الاعتماد الكبير على العملة الأميركية، وقد جمدت واشنطن جزء كبير من احتياطيات موسكو بالدولار، ما أحدث مفهوما جديدا بأنه يمكن استخدام الدولار كسلاح في الحروب، لذلك تفكر بعض الدول الأخرى في استخدام العملات المحلية كبديل للدولار، أو استخدام عملات بديلة كاليوان الصيني، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة رفع من سعر صرف الدولار، وبالتالي رفع كلفة استخدامه في التسويات التجارية بالنسبة للدول الناشئة، مما دفع البعض إلى التحول إلى عملات أخرى في التسويات التجارية.

وحسب قوة الاقتصاد الصيني والذي يتوقع له أن يتصدر اقتصاد العالم فيخلال العشر سنوات المقبلة، بناتج إجمالي 30.634 تريليون دولار متخطيا أمريكا والتي يتوقع لها 23.376 تريليون دولار.

ويواجه الدولار منافسة قوية في الفترة الأخيرة من اليوان الصيني الذي رفع من حصته في التسويات التجارية الدولية، أو من قبل البنوك المركزية التي تسابقت على شراء الذهب واضافته للاحتياطي الأجنبي، حيث تراجعت هيمنة الدولار خاصة في ضوء الأزمة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا واستخدم العملة الأميركية بكثافة في العقوبات السياسية ضد الدول بسبب التحولات الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي يشهدها العالم، وقد حافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري لإفريقيا، فعلى مدى 10 سنوات، بلغ إجمالي التجارة الثنائية 1.8 تريليون يوانبما يعادل 263.3 مليار دولار في عام 2022، وتفوقت بكين على واشنطن في عام 2009 لتصبح أكبر شريك تجاري لدول إفريقيا، ووقعت اتفاقيات تجارة ثنائية مع أكثر من 42 دولة من القارة، واتجهت لإصدار سندات “الباندا” باليوان وأنشأت العديد من أفرع بنوكها في مختلف دول القارة، وروجت لـ “اليوان” للتجارة الدولية كوسيلة لحماية نفسها خلال فترة التوترات الجيوسياسية المتزايدة مع الولايات المتحدة ورغم أن اليوان يشكل أقل 4% من عملات الاحتياطيات العالمية، ولكنه شهد أسرع معدل نمو لأي عملة منذ عام 2016.

وبدأت قمة “بريكس” الاخيرة بجنوب افريقيا، رحلة التخلي عن الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية العالمية، وتمثل تلك الخطوة أولى مراحل نهاية التعامل بالدولار الأمريكي الذي يهيمن على الاقتصاد العالمي منذ عقود طويلة، حيث تتطلع العديد من دول العالم إلى الانضمام لـ”بريكس” للاستفادة من الوضع الاقتصادي والسياسي الجديد في العالم، كالأسواق والاستثمارات الجديدة.

وباتت الكرة الأرضية علي أعتاب عالم متعدد الأقطاب، حيث تقدمت عشرات الدول بطلبات رسمية للانضمام إلى مجموعة بريكس، ومع العودة للتاريخ نري أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اتجهت الدول المنتصرة فيها، إلى تقسيم الغنيمة ورسم صورة جديدة للعالم فى ظل اختلاف موازين القوى، وكانت أمريكا الأقوى عسكريا واقتصاديا، فوقعت مع 43 دولة اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944، لتطوير النظام النقدى الدولى الجديد، وجعلت فيها الدولار هو المعيار النقدى الدولى لكل عملات العالم، بعد أن كان الذهب هو الغطاء النقدى لكل هذه العملات، وتعهدت واشنطن وقتها بأنها ستمتلك غطاء من الذهب، يوازى ما تطبعه من دولارات، وتثبيت قيمة الدولار أمام الذهب بما يعادل 35 دولارا للأوقية، أى أن من يسلم أمريكا 35 دولارا تسلمه أمريكا أوقية ذهب، بينما باقى العملات يتم تقييمها بالدولار، وليس بالذهب مباشرة، وهنا سبب تسمية الدولار بالعملة الصعبة، فهو العملة الوحيدة التى يمكن استبدالها بالذهب، واكتسب ثقة دولية لاطمئنان العالم لوجود تغطيته من الذهب فى أمريكا، صاحبة أكبر رصيد من الذهب حينها، حيث كانت تمتلك 75% من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وجمعت الدول فى خزائنها أكبر قدر من الدولارات، على أمل تحويله لقيمته من الذهب، فى أى وقت أرادوا، واستمر الوضع على هذا الحال حتى مساء الأحد 15 أغسطس عام 1971 حيث خرج الرئيس الأمريكى وقتها ريتشارد ميلهاوس نيكسون، وهو الرئيس السابع والثلاثون لأمريكا، بعد اجتماعات سرية فى كامب ديفيد مع رئيس الاحتياطى الفيدرالى ووزير الخزانة ومستشارين فى البيت الأبيض، ليصدم شعوب وحكومات العالم جميعا، ويعلن بشكل مفاجئ، أن بلاده لن تسلم حاملى الدولار، ما يقابله من ذهب، وهو ما سمى بـ صدمة نيكسون، ليكتشف العالم، أن الولايات المتحدة كانت تطبع الدولارات بلا حساب، وأن ما طبعته كان أكثر بكثير من الذهب الذى تملكه، وأنها اشترت خيرات الشعوب، وامتلكت ثروات العالم بحفنة من أوراق خضراء لا غطاء ذهبى لها.. ولم تتمكن أى دولة من الإعتراض ورفض هذا النظام النقدى الجديد، لأن هذا كان معناه حينها أن كل ما خزنته هذه الدول من مليارات الدولارات فى بنوكها سيصبح ورقا بلا قيمة، وهى نتيجة أكثر كارثية مما أعلنه الرئيس الأمريكي.

وأعلن نيكسون، حينها تعويم الدولار لينزل فى السوق تحت المضاربة، وسعره يحدده العرض والطلب، ولن تكون له قيمة ثابتة كما كان سابقا، خلافا لاتفاقية بريتون وودز التى جعلت قيمة محددة للدولار مقابل الذهب، وبذلك أصبحت واشنطن قادرة على التلاعب بقيمة الدولار، ومن ثم التلاعب بقيمة عملات الدول الأخرى المرتبطة به، عبر تحكمها فى كمية الدولارات التى تطبعها وتطرحها فى السوق النقدية.. وقال نيكسون كلمته الشهيرة: يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها، ويجب أن يلعبوها كما وضعناها.. وبذلك صارت أمريكا تشترى ما تريده من ثروات الشعوب دون أن تخسر شيئا، لتحقق الرفاهية للشعب الأمريكى بلا تعب ولا حروب.

والآن وبعد سنوات طوال من من صدمة نيكسون للعالم، يبحث عدد من دول العالم، آليات التحرر من الدولار الأمريكي، وبدأت سيطرة العملة الأمريكية كعملة احتياط رئيسية فى العالَم تهتز حيث تبحث الصين وروسيا والاتحاد الأوروبى وفنزويلا والبرازيل ودول أخري، عن طرق جديدة للتخلى عَن الدولار لمصلَحة عملات أخرى كاليوان الصينى واليورو.. وحتى حلفاء الولايات المتحدة فى الغرب، بدأوا يظهرون فقدان الصبر تجاه حروبها التجارية، وعقوباتها الإقتصادية لعدد من الدول، والتى تمس مصالحهم.

وخلال النصف الأول من هذا العام الماضي، وقعت الصين عقودا جديدة لمشاريع في أفريقيا بقيمة 28.4 مليار دولار، بارتفاع 7.64% على أساس سنوي، بينما أنجزت أعمالا بقيمة 16.5 مليار دولار، بانخفاض 10% على أساس سنوي، وتعد الصين من بين أكبر المقرضين للقارة الأفريقية، وتركت استثمارات بكين في افريقيا اثرا إيجابيا من حيث تطوير البنية التحتية والمشروعات التنموية، وخلال السنوات الأخيرة، تزايد الدعم المالى الصينى لافريقيا من حيث حجم القروض المقدمة والاستثمارات المنفذة وتقديم المساعدات التجارية والإنمائية.

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى