ألكسندر عون يكتب: ابن بطوطة.. ماركو بولو المسلم.. رحالة وأشهر مستكشف فى العالم العربى

تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق

قصصه خلقت نوعًا جديدًا من الأدب ويعتبر ابن بطوطة شخصية غير معروفة فى الغرب ومع ذلك فهو بالفعل الرحالة وأشهر مستكشف فى العالم العربى وكرس حياته كلها للترحال وأراد أن يُظهر تفرد العالم الإسلامى من خلال إجراء مسح منهجى لكل مقاطعة من مقاطعاته من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط، عبر جنوب أفريقيا والشرق الأقصى بين عامى ١٣٢٥ و١٣٥٥. ولدت قصصه نوعًا جديدًا من الأدب ألا وهو أدب الرحلة. شخصية ابن بطوطة شأنها شأن شخصية ماركو بولو تبلور كل الأساطير والجدل الذى حام حول صحة المعلومات حول تجواله المزعوم.

الرحالة

ولد ابن بطوطة عام ١٣٠٤ فى طنجة ودرس الشريعة الإسلامية وقام بأول رحلة حج إلى مكة عام ١٣٢٥ عن عمر يناهز ٢١ عامًا. سار على شريط ساحل البحرالمتوسط مرورا بالجزائر العاصمة والإسكندرية. حاول الوصول إلى مكة عن طريق البحر الأحمر ولكن بسبب عدم الاستقرار السياسى فى ذلك الوقت قرر البقاء فى فلسطين وسوريا. فى النهاية انضم إلى قافلة من الحجاج فى دمشق نقلته إلى المدينة ومكة المكرمة.

ومع انتهاء مناسك الحج عام ١٣٢٦ انتقل إلى العراق وبلاد فارس ثم عاد إلى مكة ليقيم هناك لمدة عامين. فى عام ١٣٣٠، قام برحلته الثانية إلى خليج عدن وسواحل تنزانيا الحالية. مر بمقديشو ومومباسا قبل الالتفاف على الخليج الفارسى للعودة للبقاء فى مكة. قام برحلته الثالثة عام ١٣٣٢، والتى مر خلالها بسوريا وفلسطين، قبل أن يعود إلى الأناضول ومدينة القسطنطينية.

قرر الذهاب إلى الهند عن طريق مسح طرق آسيا الوسطى من تركستان وأفغانستان. وصل إلى نيودلهى عام ١٣٣٤. أقام هناك لمدة ٨ سنوات وعمل قاضيًا. ثم كلفه رئيسه بالذهاب إلى الصين. وأثناء السفر جنحت السفينة أثناء العبور فى جنوب غرب الهند واغتنم الفرصة للسفر بين جزر المالديف وسريلانكا (سيلان).

ثم عاد إلى البحر مرة أخرى عام ١٣٤٥ ليصل إلى بورما وجنوب شرق الصين. يقال إنه ذهب إلى أبعد من بكين لكن هذه المعلومات موضع خلاف من قبل معاصريه. قرر ابن بطوطة العودة مرة أخيرة إلى مكة قبل العودة إلى بلده الأصلى المغرب. فى الطريق واجه صراعات البدو فى تونس مما اضطره الى الرسو فى سردينيا لفترة قصيرة.

عاد أخيرًا إلى فاس عام ١٣٤٩، بعد ٢٤ عامًا من الترحال. لكنه قرر العودة إلى إسبانيا لاستكشاف مدينة غرناطة. فى رحلته الأخيرة قبل أن يعود إلى طنجة مسقط رأسه قام بالسفر عبر السودان ومالى. قطع ابن بطوطة ما يقرب من ١٢٠ ألف كيلومتر فى أقل من ٣٠ عامًا.

فى عام ١٣٥٦ قام العالم الأندلسى الشاب ابن الجوزى بتكليف من ملك المغرب بتدوين كل مغامرات ابن بطوطة. تُرجمت قصصه إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية منذ القرن التاسع عشر أى بعد ٥ قرون من ملحمة رائعة.

بفضل معرفته باللغة العربية والدين الإسلامى وبفضل قدرته على التكيف أقام ابن بطوطة علاقات جيدة مع الحكام المحليين وخلال رحلاته العديدة التقى بقوافل وسفن تجارية سهلت سفره.

المسلم

يحتل الإسلام مكانة مركزية فى عمله اذ تلتقى رحلاته العديدة فى العالم الإسلامى حول هدف واحد: رغم الانقسامات العقائدية العديدة عبر الزمن أراد ابن بطوطة إثبات أن الدين الإسلامى وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة فى إطار منظومة القيم التى يدعو لها.

بسبب معرفته الدينية والقانونية بالإسلام استقبل فى كثير من الدول كضيف مرموق وعمل قاضيا وسفيرا ومستشارا لعدد من الحكام المحليين.

تؤكد رحلاته العديدة بعيدًا عن وطنه على مركزية الإسلام وانتشاره فى كل البلاد التى سافر إليه إذ لم ينظر إليه أبدا على أنه غريب أو وافد وقد اشتهر بأنه خبير فى الإسلام الأمر الذى سمح له بالسفر بحرية.

التقى بالسكان المسيحيين فى فلسطين وسوريا اثناء خضوعهما للحكم الاسلامى كما التقى بالسكان غير المسلمين فى الصين. كان يتبع المذهب المالكى وسرعان ما انجذب إلى التعاليم الصوفية بعد تواصله مع سكان بلاد فارس وآسيا الوسطى والهند بصفة خاصة تجمع الصوفية بين الممارسات الصوفية للإسلام من خلال طقوس التنشئة والارتقاء الروحى فى مجموعات صغيرة. هذا الميل لهذا الفرع من الإسلام لم يمنعه من تكرار أداء فريضة الحج.

يساعدنا الوصف المطول للقصور والمقدسات وأماكن العبادة على التعرف على السياق السياسى والدينى للعالم الإسلامى فى القرن الرابع عشر. ومع ذلك ونظرًا لوفرة المعلومات قد تبدو قصصه غير مفهومة للقارئ العادى.

الجغرافى والعالم فى الأنثروبيولوجي

ابن بطوطة عالم اجتماع أكثر من مجرد رحالة مغامر يصف كل ما يراه ويسجل كل ما يسمعه ذلك انه يهتم بدراسة السلوك البشرى وأنماط الحكم المختلفة.

وفى الحقيقة، تعتبر قصصه منجما للمعلومات فى زمن القرن الرابع عشر فهو يصور بالتفصيل تجارة الأحجار الكريمة والجلود البرية فى آسيا الوسطى ويقدم صورة للعبودية فى الدول العربية وتجارة التوابل فى الهند. يصور عادات التشيع خاصة فى سوريا مع الممارسات الجنائزية وطقوس الصوفية فى بلاد فارس. يحب أن يتناول مكانة النساء عند دراسة اى مجتمع فقد كان غضبه الدور السيادى الذى تلعبه المرأة فى جزر المالديف. كما يحدثنا عن استخدامات الحمام الزاجل فى الشرق وكلاب الزلاجات فى آسيا الوسطى.

يصور ويحلل عادات وتقليد المجتمعات القبلية. فهو أكثر من مجرد شاهد عيان على ذلك الوقت وتخبرنا قصصه عن عظمة وانحطاط الممالك التى قام بزيارتها وعن روعة هذه الأراضى البعيدة وكرم ضيافتها. المعلومات عن حياته الخاصة قليلة.

وبالرغم من ذلك يشك بعض المؤرخين فى صحة أوصافه وأسفاره. ذلك أنه عندما عاد من ملحمته عام ١٣٥٦ قام بنسخ قصصه من الذاكرة بدقة مذهلة ومدهشة. فالأوصاف الدقيقة لسوريا أو فلسطين أو الأماكن المقدسة مشابهة لتلك التى قدمها ابن جبير رحالة القرن الثانى عشر. كما إن رحلته الاستكشافية الى الصين موضع جدل أكثر من أى وقت مضى إذ يعتقد أنه ربما استند إلى كتابات الرحالة الذين سبقوه فى القرن السابق عليه.

وأخيرا.. تبقى الحقيقة أن ابن بطوطة شأنه شأن ماركو بولو فى الغرب يسحر ويغذى كل أساطير الرحالة والمستكشفين؛ اذ تأخذنا قصصه فى رحلة عبر العالم الإسلامى العريض فى القرن الرابع عشر.

معلومات عن الكاتب: 

ألكسندر عون صحفى فرنسى من أصل لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يكتب عن ابن بطوطة ورحلاته حول العالم.