ملتقى الإبداع

بليغ بدوي يكتب: الصمت الفصيح



أحيانا لا تريد ان تتكلم أو تفصح عن جرح ما بداخلك، أو تعلن عن رفضك و غضبك عن شيء أذاك، أو تعطى رأيا أو تعليقا عن شيء ما حولك. لا تعرف ماالأسباب التى دفعت لهذا الصمت و الإحجام عن الكلام . تلك حالة من الصمت القاتل و كأنك قد بلعت لسانك و صرت أخرسا . عيناك تتجول بين الأشياء و كأنك في بانوراما ، تعرف كل شيء ، تدرك كل الأحداث و الأشياء التى تجرى من حولك و لكنك لا تريد ان تشارك حديثا أو تعطي تعليقا. تعليقك يتلخص فى نظرة عينيك أو إيمائة بسيطة.
أعتقد إنها حالة من الإكتفاء و التشبع المؤقت الذي يجتاح مشاعرك نتيجة لحالة من الملل و الروتين الحياتى التى تحياها حيث تدور من حولنا أحداث مختلفة و تجمعنا الحياة باناس من طبقات عدة و ثقافات مختلفة ، فتجد أراء ووجهات نظر مخالفة لقناعاتك الشخصية، لذا نلجأ لصمت التجاهل حتى لا ننخرط فى مناقشات لن تجدى نفعًا سوى “الصداع” وفى بعض الأحيان تصل إلى حد الخلاف و المشاحنات. هذا ليس صمتا إختياريا و لكنه “الصمت الفصيح” الذي يقصد آلاف المعانى و آلاف الكلمات .
الصمت أحيانا عقاب معنوي ، يلجأ إليه البعض منا لكي نعاقب أشخاصا بعينهم قد و ثقنا بهم و لكنهم خزلونا, فالصمت هنا تعبير عن التجاهل و كانه يحمل رساله مفادها
” لم أعد أثق فيك، و لم تعد هذا الشخص القريب من قلبي.” و هذا الصمت ربما يكون نقطة بداية لنهاية علاقة أثبت الواقع أنها لم تكن تلك العلاقة التى كنا نحلم بها بل إنها علاقة زائفة تقوم على الخديعة و الوصول إلى مصلحة معينة.
“الصمت الحزين” نوعا من الصمت الذي يصيبك عندما يصدمك حزن عظيم كخسارة حبيب أو فقدان عزيز أو صدمة من خبر سيء لم تتوقعه، فترفض الحديث الخارجي مع الآخرين، و تفضل الحديث الداخلي بينك و بين نفسك، تسترجع و تستدعى كل مامر عليك من احداث سارة تعويضا للفقد و الإفتقاد الذي أصابك و سبب لك الحزن، أو حديثا داخليا تلوم نفسك على ثقة و ضعتها في حبيب و ندما على أحلام بنيتها مع رفيق الهوى بعد ان سقطت الأقنعة و ذهب العشق و هوي.
“الصمت الساخر” أيضا نوعا من الصمت الذي يعبر عن سخريتك من مواقف تمر بك لا تحوذ على رضاك الشخصى ، فتبتسم بسخرية دون التفوه و التلفظ بلفظة واحدة ، و تفضل الصمت متعجبا لما تكتشفه و تلاحظه من طباع البشر و تقلب و جهات نظرهم باختلاف المواقف و المصالح. إنه عالم غريب يصيبك بالصمت من هول الصدمات .
الصمت لغة لا يفهمها سوى المتفهم للطبيعية البشرية. إن الصمت هدوء روحي يقودك إلى حالة من الصفاء الروحي و الذهني الذى يمكنك من التأمل و التفكر و التحليل الذي بدوره يقودك إلى فهم الأشياء بجلاء و الوصول إلى قرارات صائبة فكما قيل ” الصمت أول خطوة للعلم و التعلم” .
الصمت كوجه للهدوء و الصفاء الذهني ساعد الأنبياء إلى الوصول إلى حقيقة الذات الإلهيه ، و قاد العلماء إلى فهم حقيقة الكون و إدراك” النواميس” التى تتحكم فيه .
لذا يجب أن نعلم أنفسنا كيفية الصمت و ندرب أنفسنا أيضا على الصمت و السكون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى