خالد محيي الدين.. «فارس الديمقراطية والقائد الوطني»
سياسة
قيادات حزب التجمع عن خالد محيي الدين:
– محمد سعيد: تعلمنا منه التعامل مع الجميع بروح طيبة مهما كان الخلاف فى الرأي
– عاطف المغاورى: أثرى الحياة السياسية المصرية.. وتعلمنا منه أدب الاختلاف العضو الوحيد من أعضاء مجلس الثورة الذي استمر حتى رحيله يمارس دوره السياسي
– عماد فؤاد: سيرته تظل دائما مصدر إلهام لكل وطنى مخلص
– مارسيل سمير: مدرسة في الإنسانية والسياسة
تحل اليوم الخميس ١٧ أغسطس ٢٠٢٣ الذكرى الـ١٠١ لميلاد خالد محيي الدين، عضو مجلس قيادة ثورة يوليو ١٩٥٢، ومؤسس حزب التجمع، والذي رحل عن دنيانا فى ٦ مايو عام ٢٠١٨.
«البوابة» التقت عددًا من قيادات الحزب ليتحدثوا عن قيمة وقامة خالد محيي الدين.
“قمة في التواضع”
يقول محمد سعيد الأمين العام لحزب التجمع، إن الزعيم خالد محيي الدين كان مثالًا حيًا للتواضع والرقى فى التعامل، واستطاع بأسلوبه الفريد أن يجمع بين تيارات سياسية مختلفة لتنصهر جميعها فى بوتقة التجمع وهو الحزب الذى أبدع فى إنشائه وأعطاه كل وقته واهتمامه. وقد تعلمت منه أن أتعامل مع الجميع بروح طيبة مهما اختلفنا فى الرأى، حتى نصل إلى القرار الذى يحقق مصلحة الوطن والحزب.
وأضاف الأمين العام للتجمع فى تصريحات خاصة لـ”البوابة”، يكفى أن خالد محي الدين هو أول رئيس لحزب طبق الديمقراطية التي يؤمن بها إيمانًا مطلقًا على نفسه في عام ٢٠٠٣، عندما كان حزب التجمع يعقد مؤتمره الخامس، حيث تقول اللائحة: إن كل القيادات التي تستمر لفترتين في موقعها تترك الموقع، وأردنا نحن أعضاء المؤتمر من الشباب خصيصًا أن نغير هذه المادة، وأن نعطي خالد محي الدين استمرارية في رئاسة الحزب، وكاد المؤتمر أن يحصل على هذه الموافقة بالأغلبية الكادحة، ولكن “محي الدين” تدخل وقال: يجب أن نحترم اللائحة، والذي يكن لي أى قدر من الإحترام والحب، يصوت على هذه المادة ولا يقوم بتغييرها.
وتابع “سعيد”: “لم نملك جميعًا إلا أن نصفق لخالد محي الدين ونهتف له، لأنه فضل إعمال المادة الديمقراطية على منصب رئاسة الحزب، ورغم الأغلبية الكبيرة التي كانت داخل المؤتمر التي تطالب بأن خالد محي الدين هو أفضل من يقود هذا الحزب. وأشار محمد سعيد، إلى أن خالد محي الدين هو أول رئيس حزب في مصر، منذ نشأة الأحزاب يتنازل عن رئاسة الحزب، برغبته، وإيمانًا منه بديمقراطية تداول السلطة.. هذه واحدة، والثانية أنه عند تأسيس الحزب عام ١٩٧٦، حيث كان التجمع يتكون من العديد من الفصائل (الماركسية، والناصرية، التيار الديني المستنير.. إلخ)، وأجمع الجميع على أن خالد محي الدين أفضل من يستطيع قيادة كل هذه التيارات المختلفة فى أيديولوجيتها فاختاروه “مقررًا للحزب”، حيث كان وقتها يُطلق على المسئول الأول داخل الحزب صفة “مقرر الحزب”.
“صاحب تجربة فريدة”
يقول النائب عاطف المغاورى، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع بمجلس النواب، إن خالد محيي الدين أثرى الحياة السياسية ما بعد عام ١٩٥٢ خاصة فى السنوات الأولى من الثورة، اختلف فى بعض التوجهات، لكنه لم ينقلب على الثورة، وصار مؤيدا حتى بعد نفيه، وهنا أدب الاختلاف والالتزام والثوابت.
وأوضح المغاورى، فى تصريح خاص لـ«البوابة»، أنه عندما عاد خالد محيي الدين فى عام ١٩٥٦، أصدرت وقتها الثورة جريدة «المساء»، حيث كان هو من تولى إدارة تحريرها، وأيضا خاض فى تنظيمات الثورة، وكان نائبا شعبيا لم يتولأى موقع تنفيذى وإنما تولى مواقع سياسية بحكم الانتخاب عن الدائرة أو فى التنظيمات السياسية أو البرلمانية، وهو ما يسجل ويقال فى خالد محيي الدين أنه أثرى الحياة السياسية بفكره وتقدمه وانخراطه وعلاقته بالقوى الاشتراكية، ومجلس السلام العالمى.
وأشار رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع بمجلس النواب، إلى أن خالد محى الدين كان صاحب تجربة فريدة ألا وهى أنه كان هو العضو الوحيد من أعضاء مجلس الثورة الذى استمر حتى رحيله، يمارس دوره السياسى بين الجماهير، وحينما لاحت فرصة تأسيس حزب يضم كل من اليساريين واليسار المصرى كان حينها خالد محيي الدين فى المقدمة.
وأضاف النائب عاطف المغاورى: «أسس خالد محيي الدين حزب التجمع من القيادات والتيارات السياسية التى اجتمعت فيما بينها على أن خير من يقود هذا التجمع هو خالد محيي الدين كواجهة سياسية، ومحل اتفاق، حيث كان هو أكبر ترجمة لصيغة التجمع ولكل تياراته، والشخصيات التى ساهمت فى صيغة التجمع فى ١٠ أبريل عام ١٩٧٦، وخاض خالد محيي الدين عبر التجمع كافة المعارك، وتحمل إسقاطه فى الانتخابات فى دائرة كفر شكر، وأيضا حينما حدثت زيارة الرئيس السادات للقدس، حمل التجمع المعارضة، ورفض التطبيع مع الكيان الصهيونى، ودفع «التجمع» ثمنا لكل ذلك. وأردف المغاورى: «تحمل حزب التجمع بقيادة خالد محيي الدين عبء المواجهة والمعركة فى مواجهة سياسات الانفتاح، ولذلك يسجل للتجمع أنه المدافع عن الثقافة الوطنية، ومواجهة التطبيع، ورغم الحملات الشرسة التى كانت توجه للتجمع وقياداته التى كانت ممثلة فى خالد محيي الدين، فقد كان لديه أدب الاختلاف، ولا يتلفظ لفظا يسيء لمن أساء إليه، هذا هو الدرس الأول الذى تعلمناه من خالد محى الدين.
وتابع: «تعلمنا منه أدب الاختلاف، وعندما نختلف لا نهدم البناء، وحينما يكون الأمر خاصا بهوية مصر فنتجاوز اختلافنا ومعارضتنا للحكم، وندعم الدولة المصرية، وكافة مؤسساتها الأمنية والعسكرية، والحفاظ على أمن وسلامة البلاد له الأولوية الأولى فى ظل أى موقف من المواقف التى نختلف فيها مع الحكومة أو خلافه».
واختتم النائب حديثه: «تعلمنا من خالد محى الدين القبول بالآخر وعدم الفجر فى الخلاف.. وهذه النقطة نؤكد عليها، ولا تعامل من يختلف معك سياسيا بأنك تسىء له، مبررا ذلك بأنه قد أساء إليك فأنت دائما تحكمك مبادئ وقيم وهذه القيم هى ما أفضل ما تفضل به خالد محى الدين».
“شارك فى ثورة ٣٠ يونيو”
ويقول عماد فؤاد، مساعد رئيس حزب التجمع، إنه رغم رحيل القائد والمعلم خالد محيي الدين عن دنيانا قبل ٥ سنوات، لكن سيرته ستظل دائما مصدر إلهام لكل وطنى مخلص، وليس من قبيل المصادفة أن تنعيه رئاسة الجمهورية بكلمات تشير إلى هذا المعنى، وأن يؤكد بيانها الصادر بعد ساعات من وفاته أن: «مصر ستبقى ممتنة لإسهاماته الوطنية وسيرته الخالدة، التى ستظل محفورة فى تاريخ الوطن بحروف من نور لتحتفظ بمكانتها فى ذاكرة العمل السياسى المصرى بكل تقدير واحترام»، وعندما تقدم الرئيس عبدالفتاح السيسى مشيعى جنازته العسكرية أكد أيضا أن مصر تقدر كل من أعطى لها بإخلاص وتجرد، وإن اختلف مع سياسات الأنظمة الحاكمة.
ولفت مساعد رئيس حزب التجمع، فى تصريح خاص لـ«البوابة»، إلى أن الحزب يمارس دوره فى الحياة السياسية منذ عام ١٩٧٦ حتى الآن، ولم يغب عن قادته وأعضائه يوما تعاليم مؤسسه خالد محيى الدين، ومن أبرزها: أن معارضة النظام لا تعنى السعى لتدمير الوطن، مشيرا إلى أن ما شهدته مصر مع بدايات الألفية الثالثة، عندما تصاعدت حدة التدخلات الأجنبية فى دعم نشاط بعض القوى السياسية للمطالبة بالديمقراطية، وقتها قال محيي الدين كلمته الأخيرة كرئيس للحزب فى المؤتمر العام الخامس فى ديسمبر ٢٠٠٣: «نود أن نعلن على الملأ أن قضية توسيع الإطار الديمقراطى بالنسبة لنا هى قضية مصرية – مصرية، وقد نتفق أو نختلف حول مداها، لكننا نتفق ونختلف كمصريين، دون أن نسمح بأى تدخل أجنبى فى هذا الشأن».
وأوضح، أنه بعد أن وضع المبدأ العام برفض التدخل الأجنبى فى الشأن المصرى، استمر فى كلمته بصورة واضحة ومباشرة، وقال: «ونحن نعلن وبأعلى صوتنا أننا لن نسمح للأمريكيين بأن يتدخلوا فى شأننا بحجة الدفاع عن الديمقراطية فى وطننا، مدركين أنهم آخر من يمتلك الحق فى ذلك، خاصة بعد ما شهدنا ممارستهم المعادية لحقوق الإنسان سواء فى العراق أو فلسطين.. فالذين يساندون الجرائم الصهيونية ضد الشعب العربى الفلسطينى، والذين يستخدمون الفيتو لحماية هذه الجرائم تأكيدا لاستمرارية العدوان الصهيونى، والذين قاموا بغزو همجى للعراق حيث يمارسون الآن القتل للمواطنين الأبرياء، ويمارسون اغتيال ثروات ومقدرات وسيادة وطن بأكمله، والذين يدمرون مصداقية الأمم المتحدة، ويفرضون بسطوة القوة العسكرية والاقتصادية إرادة آمرة على المنظمة الدولية.. هؤلاء هم آخر من يملك الحق فى الحديث عن الديمقراطية».
ويتذكر مساعد رئيس حزب التجمع، أحد أهم الدروس التى تلقاها من الراحل خالد محيي الدين، قائلا: «فى سنوات دراستى الجامعية كلفنى التجمع برئاسة وفد طلاب الحزب المشاركين فى مسابقة علمية للطلاب العرب بجامعة ناصر الأممية فى ليبيا، وانتهز النظام الليبى فرصة وجود ما يزيد على ٦٠٠ طالب عربى، ونظموا مسيرة لمكتب الأمم المتحدة بالعاصمة طرابلس، للمطالبة برفع الحصار الدولى المفروض على ليبيا على خلفية اتهام النظام الليبى بالتورط فى قضية لوكيربى، وخلال المسيرة هتف الطلاب ضد كل الحكام العرب، وفور أن بدأ التطاول على الرئيس الراحل حسنى مبارك».
وتابع: «اتجهت نحو من يقود المظاهرة، وطالبته بالتوقف عن ذلك، ولم يستجب مما دفعنى للتشابك، وبمجرد عودتنا للقاهرة تقدم أحد أعضاء وفد التجمع بمذكرة بالواقعة، ومطالبا بفصلى من الحزب لأننى أحرجت شبابه بدفاعى عن الرئيس مبارك رغم أننى معارض، وردا على المطلب أشاد محيي الدين بموقفى وقال: نحن معارضون فى الداخل، أما فى الخارج فكلنا مصريون، ولا يجب أن نسمح لأحد بالتطاول على مصر ورئيسها حتى وإن كنا نعارضه». ويكشف فؤاد، عن آخر أدوار خالد محيى الدين الوطنية قبل رحيله بسنوات قليلة، من خلال الرسالة التى وجهها للرئيس عبد الفتاح السيسى يوم ٢ يوليو ٢٠١٣ بصفته قائدا للجيش، بعد يومين فقط من ثورة ٣٠ يونيو، وجاء نصها كالتالى: «السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسى.. القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى.. تحية طيبة وبعد.. فى هذه الظروف الصعبة والحاسمة التى تمر بها البلاد، وبعد ثورة الشعب المتجددة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والسعادة التى أشعر بها مع كل شعب مصر ببيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى أكد استمرار انحياز القوات المسلحة للشعب وحده».
وتابع: «وجدت من واجبى كعضو فى مجلس قيادة ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، أن أتوجه إليكم كقائد للقوات المسلحة وممثلا لثورة الشعب والجيش وإلى الشعب المصرى بالبيان المرفق مساهمة منى فى هذا الحدث التاريخى العظيم، بعد أن حالت ظروفى الصحية دون أن أكون وسط المحتشدين فى ميدان التحرير.. وإلى الأمام من أجل تحقيق أهداف الثورة فى «عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية».. و«النصر للثورة والثوار».
وأكد أنها كانت هذه الرسالة يوم الثلاثاء ٢ يوليو ٢٠١٣، وكان البيان الذى أشار إليه خالد محيي الدين فى رسالته قد صدر آنذاك عن حزب التجمع، ومن خلاله وجه بصفته زعيم الحزب التحية لضباط وجنود القوات المسلحة والمجلس الأعلى لها، وللفريق عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة، لانحيازهم للشعب المصرى ومطالبه المشروعة التى رفعتها الملايين المحتشدة منذ ٣٠ يونيو فى كل ميادين ومدن وقرى مصر.
ويختتم فؤاد قائلا: «شارك خالد محيى الدين فى ثورة يوليو ١٩٥٢ قبل أن يتم عامه الثلاثين، وشارك وبروح وعزيمة الثائر فى ثورة يونيو ٢٠١٣، بعد أن تجاوز سنه التسعين».
مدرسة الإنسانية والعمل السياسى
من جانبها، قالت النائبة مارسيل سمير، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ممثلة حزب التجمع، إن خالد محيي الدين مدرسة الإنسانية والعمل السياسى، وله بصمة واضحة فى الحياة السياسية المصرية، فهو رمز للتضحيات من أجل الحفاظ على الوطن.
وأضافت مارسيل سمير فى تصريح خاص، لـ«البوابة»: «خلال قراءة مواقف خالد محيي الدين في مجلس الشعب نجد نموذجا للمعارضة الموضوعية المنضبطة، فلم يكن يحتد على أحد، وكان يقابل الخلاف فى القاعة بمنتهى الهدوء، ومواقفه الوطنية والسياسية واضحة تصب فى مصلحة الوطن، وعند مناقشة القوانين أو الموازنة العامة يتضح جدا الاجتهاد الجماعى للارتقاء بالتشريع والتحليل الجيد للبيان المالى، وهذه المواقف تستحق الدراسة المفصلة لأنها تجربة هامة، ويستفيد منها كل الشباب الراغبين فى الاشتباك مع العمل السياسى وقضايا الوطن».
وأردفت النائبة: «عندما ترك الزعيم خالد محيي الدين موقع رئيس الحزب، لم يتوقف عن مساندة الوطن وحمايته، فعندما انتصرت إرادة الشعب المصرى وأطاح بالجماعة الإرهابية فى ثورة ٣٠ يونيو وجه حينها التحية لضباط وجنود القوات المسلحة والمجلس الأعلى لها وللفريق عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة حينها، لانحيازهم للشعب المصرى ومطالبه المشروعة». واختتمت: «مواقف خالد محيي الدين ضد جماعة الإخوان وتحذيره الدائم من خطورة تلك الجماعة اتضح بشدة عندما وصلوا للسلطة»، مضيفة: «تعلمنا منه الكثير، وكنت من المحظوظين من الشباب بالحزب بلقائه عند انضمامى للحزب، ولا أنسى كيف كان مرحبا ومبتسما وسعيدا بنا نحن الشباب».