كُتاب الكيان

د. عمرو ناصف يكتب: ليبيا .. كل ماهو غريب

.. بعد حراك سياسى كبير ، وصراعات عسكرية ميليشية ، وبعدما عانت أراضيها كل أنواع العنف والإرهاب والأزمات لأكثر من أحد عشر عاماً ، وبعد أكبر عدد من المفاوضات التى إجتازتها على أراضيها تارة وعلى أراضى دول الجوار تارة أخرى ، ومع كم غير عادى من الوساطات العربية والأجنبية ، وبأكبر عدد من قرارات مجلس الأمن المعطلة دون تنفيذ ، تخرج علينا الجماهيرية بما هو جديدة من إجراءات وقرارات لاندرك ماهيتها بعد ، ولا نعلم إلى أين ستفضى بالأوضاع ، لتعود ليبيا من جديد إلى حال المبتدأ ، بحكومة عليها نفس علامات إستفهام (حكومة السراج) السابقة ، بنفس المرجعيات ، بنفس التساؤلات ، بنفس الإتهامات ، ولكن باسم جديد ( حكومة باش أغا ) .

.. فبعد تأجيل الإنتخابات الرئاسية فى ديسمبر من العام الماضى تحت دعوى عدم إستقرار الأوضاع السياسية والأمنية ، ودون أسباب واضحة مقنعة تذكر ، اللهم إلا ليظل المعنى فى بطن الشاعر يسعى إلى أن تنطبق (المادة ١٢) من قانون الإنتخابات على رئيس الحكومة الحالي (عبدالحميد الدبيبة) من حيث ضرورة إنقضاء ثلاثة أشهر على ترك مرشح الرئاسة لمنصبه الذى يعمل به ، فهو لم تنقض عليه المدة منذ إعلانه ترك الحكومة بعد ، ومن ثم يستطيع هو الترشح ، وهو بالأخص ، وربما الفوز .

.. وبعد رفض أوراق ترشح (سيف القذافى) لكونه مطلوباً أمام المحكمة الدولية ، ودون أى حكم قضائي بات ونهائي – وهو إجراء لاينفصل بالطبع عن البند السابق – خوفاً من قاعدته الشعبية القبلية العريضة ، والتى قد تهدد شعبية بعض المرشحين المحتملين ، ومن ثم تؤهل (القذافى) للفوز في الإنتخاباتات ، وهى نتيجة لاترجوها بعض المؤسسات الدولية والمبعوثون من وراءها ، ولا تأملها دول المطامع التى زجت بليبيا إلى ذلك المصير ، وأغرقتها بالمرتزقة ، وإستنسخت مع (حكومة السراج) المعاهدات والإتفاقيات الواهية التى تضمن وجودها على أرض البترول الغزير والإحتياطى النقدى الوفير ، ونشرت شركاتها الأمنية المرتزقة فى كل أرجاء البلاد لتحقيق ذلك .

.. ويأتى رفض (الدبيبة) إجراء أى إنتخاب لحكومة بديلة ، وإصراره على تسليم حكومتة لرئيس فورى يتم إنتقاءه من رجال الدولة ويتم دعمه من مجلس النواب دليلاً فورياً لايقبل التشكيك على رغبته – وقد تكون رغبة آخرين – فى ضمان سيطرة أحد أتباعه وأتباع (حكومة السراج) الغابرة على الحكومة حال خسارته إنتخابات الرئاسة أو ضمان الإثنين معاً ، ليخرج علينا بالأمس مجلس النواب الليبى الموثوق به وبرئيسه وأعضاءه ليضفى على المشهد ماهو أشد غرابة من كل ما سبق ، ليوافق – وبالإجماع – على وزير داخلية حكومة الوفاق السراجية السابقة (فتحى باش أغا) رئيساً للحكومة الجديدة , والذى لفظه الشارع الليبي من قبل متهماً إياه بأصوله التركية وتوجهاته الموالية للعثمانى ومن يدعمه من تنظيمات إرهابية دينية متطرفة ، ليزداد المشهد تعقيداً ، ويعود بالأذهان إلى ماقبل خط (سرت-الجفرة) الأحمر .

.. ويعود المجهول ليفرض كلمته على كل من نهل أو أدلى بدلوه أو حتى تابع من قريب أو بعيد الوضع فى البلاد ، ويعود المواطن الليبى البسيط والسياسى المحنك والناشط الحر يأكل بعضهم بعضاً من جديد ، آملين فى إستقرار بلادهم ، منهم من يعول على كفة الشرق الليبى بقيادة (اللواء خليفة حفتر) أن تعيد التوازن إلى ميزان القوى السياسية ، ومنهم من يجد الأمان والطمأنينة فى وجود (اللجنة العسكرية ٥ + ٥ ) كشريك أساسى منتقى بعناية ليحافظ على مقدرات الشعب والوطن ، ومنهم من يجد الأمل لازال حياً فى مجلس النواب وعقيلته ، ومنهم من ينظر نظرة أمل وإستشراف إلى دول الجوار المهمومين بهم ليبيا وحالها ، بينما لايسع الجميع إلا الإنتظار بالأمل الأكبر فى الله عز وجل أن يتخير لتلك الأرض الطيبة و لذلك الشعب المقاتل من يأخذ بيده ويد بلاده إلى بر الأمان على صوت دعوات العالم العربي أجمع عسى الله أن يبعث علي ليبيا ذلك الفارس اللامع درعه من ذلك المجهول المظلم ويصطحبها إلى طيب العيش ، ورحب الأمن ، ورغد الإستقرار .
..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى