غضب الطبيعة العابر للقارات .. الفيضانات تبتلع آسيا
لا تكاد تقف أنباء الفيضانات والأعاصير المدمرة حول العالم، بدءًا من بلدان أميركا الشمالية مرورا بالشرق الأوسط، وإلى جنوب شرق آسيا، كما لو أن غضب الطبيعة بات عابرا للقارات.
في منطقة الشرق الأوسط، مثلا، شهد العراق وتحديدا مدينة أربيل وضواحيها، شمالي البلاد، سيولا مدمرة، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية.
وفي الولايات المتحدة، أدت الأعاصير والفيضانات لسقوط نحو 100 قتيل في 6 ولايات، في وسط أالبلاد وجنوبها، فضلا عن مئات الجرحى وآلاف المشردين وتدمير مئات المنازل والمباني، وخسائر مادية جسيمة بمليارات الدولارات.
وتضررت المرافق العامة والخاصة وشبكات الكهرباء والمواصلات والبنى التحتية، في كارثة وصفها الرئيس الأميركي، جو بايدن بـ”مأساة تفوق التصور”.
أما في آسيا، فلقي أكثر من 375 شخصا في الفيلبين مصرعهم، من جراء إعصار “راي” الأشد الذي يضرب البلاد هذه السنة، وفق آخر حصيلة رسمية صدرت الاثنين.
في غضون ذلك، تسعى فرق الإغاثة والإنقاذ في الفلبين جاهدة لتوزيع المياه والمواد الغذائية والدوائية في الجزر والمناطق المنكوبة .
وأظهرت إحصاءات الشرطة الفلبينية، أن نحو 500 شخصا على الأقل أصيبوا، وفقد 56 آخرون، بعد أن اجتاح الإعصار المناطق الجنوبية والوسطى من الأرخبيل.
وضرب الإعصار مصحوبا برياح بلغت سرعتها 195 كلم في الساعة وسط الفيليبين وجنوبها، يومي الخميس والجمعة، وأدى لاقتلاع أسقف المنازل، ودمر أبراج اتصالات، وأسقط أعمدة كهرباء، كما اقتلع أشجارا .
وأظهرت صور جوية نشرها الجيش الفلبيني دمارا هائلا في المناطق المتضررة، واضطر أكثر من 300 ألف شخص إلى ترك منازلهم.
ويضرب الفيليبين، إحدى أكثر الدول هشاشة في مواجهة تداعيات التغير المناخي، سنويا نحو 20 إعصارا تشيع الدمار في المساكن والمرافق العامة، وتقضي على محاصيل وبنى تحتية في مناطق تعاني أصلا الفقر والعوز .
أما في جارتها ماليزيا، فقد تم إجلاء أكثر من 22 ألف شخص، يوم الأحد، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها البلاد منذ 7 سنوات، وفقا للأرقام الحكومية، خاصة في 8 ولايات من البلاد.
وتسببت الأمطار الغزيرة المنهمرة منذ الجمعة في ماليزيا المعرضة للعواصف الموسمية نهاية العام، بفيضان أنهار وغمر المناطق الحضرية الآهلة، مما أدى لاضطراب حركة المرور في الطرق الرئيسية.
وأعرب رئيس الوزراء الماليزي، إسماعيل صبري يعقوب، عن دهشته لرؤية سيلانغور، أغنى ولاية في البلاد والمحيطة بالعاصمة كوالالمبور، مغمورة بالفيضانات، مما أجبر آلاف من سكانها على مغادرة منازلهم.
وتمت تعبئة أكثر من 66 ألف فرد من عناصر الشرطة والجيش وإدارة الإطفاء في مختلف أنحاء البلاد، للمساعدة في إنقاذ من تقطعت بهم السبل بسبب الفيضانات ونقلهم إلى ملاجئ آمنة .
وكانت ماليزيا قد شهدت أسوأ فيضانات في تاريخها عام 2014، أجبرت نحو 120 ألف شخص على مغادرة منازلهم.
ويحذر علماء وخبراء مناخيون وبيئيون منذ سنوات، من أن الأعاصير والفيضانات تزداد عنفا، مع تفاقم الاحتباس الحراري.
وفي هذا الإطار، يقول تحسين الموسوي، الخبير المائي والزراعي، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”، إن هذه الكوارث؛ من فيضانات ومواسم جفاف، ناجمة عن تداعيات وتراكمات التغيرات المناخية السلبية على مدى العقود الماضية.
والتي باتت تتصاعد نذرها بشكل غير مسبوق لحد الانفجار، وهذا ما يفسر درجات التدمير العالية التي تمتاز بها أعاصير وفيضانات هذه الآونة الأخيرة في الكثير من الدول”.
ويتابع الموسوي “من العراق في منطقتنا العربية وعلى امتداد العالم ثمة تصاعد مقلق في الفيضانات والأعاصير العنيفة، والتي تحدث سنويا تقريبا في العديد من دول العالم، لكن الملاحظ طيلة السنوات الماضية، ولا سيما هذا العام، أنها تبدو متطرفة جدا وقوية.
بحيث أنها تخلف دمارا واسعا وأضرارا هائلة في الأرواح والمرافق العامة والخاصة، ولا يقتصر الأمر على بلدان نامية كالفيلبين مثلا فقط، بل حتى أكثر دول العالم تطورا مثل كندا والولايات المتحدة الأميركية، لأنها تعاني أيضا تعاني تحت وطأة هذه الكوارث المناخية”.
من جهته، يقول الخبير المناخي، دارا حسن، “تلعب جملة عوامل متداخلة؛ وخاصة الجغرافية منها، دورا حاسما في تشكيل خارطة الدول الأكثر تضررا وتعرضا للفيضانات والأعاصير الهائجة، فمثلا البلدان الشاطئية التي تمتاز بسواحلها الطويلة، أو الدول الجزر أو المكونة من أرخبيل جزر.
وعادة ما تكون أكثر عرضة بالطبع لمثل هذه الظواهر المتطرفة، بحسب ما نلاحظ في الفيلبين وغيرها من دول في جنوب شرق آسيا وفي منطقة البحر الكاريبي مثلا”.
لكن عوامل التغير المناخي والاحتباس الحراري وتدمير التوازن البيئي، كما يشرح حسن بالقول “تبقى هي العوامل الحاسمة المتسببة في زيادة وتيرة عنف وقوة مختلف الظواهر الطبيعية من أعاصير وسيول وفيضانات وحرائق، ومن يدفع الثمن في المحصلة نحن البشر ولنجني بذلك ما زرعناه عبر إسهامنا في تدمير الطبيعة، وتلويثها واستنزاف مواردها وخيراتها بنهم وجشع”.