كُتاب الكيان

ياسر القواس يكتب: شرح جرائم القتل (الجزء الأول)

– يبذل المجتمع الإنساني في مختلف العصور، جهودًا فعالة لمكافحة الإجرام بكل الوسائل نظرًا ﻷن الجريمة تصيب مصلحة مشتركة، فهي وإن كانت تلحق الضرر بالمجني عليه فإنها أيضًا تهدد أمن المجتمع.


– إن جريمة القتل والإصابة الخطأ تتشابه مع جريمة القتل العمد في أن محل كلًا منهما إنسانًا حي.


– أولًا قبل التحدث عن جرائم القتل، وإن شاء الله سوف يستغرق الحديث عدة مقالات كان هذا الجزء الأول، فإنه يجب أن نبدأ بدايتا ببيان القصد الجنائي للجريمة :- القصد الجنائي هو ركن من أركان الجريمة التي تتطلب قصدا جنائيًا، ومن ثم فإذا دان الحكم المتهم بجريمة من هذه الجرائم، فإنه يجب أن يبين في أسبابه توافر هذا القصد، فلا يكفى إثبات السلوك الإجرامي والنتيجة ورابطة السببية، بل يلزم إثبات توافر الركن المعنوي المتطلب للعقاب، فعلى سبيل المثال قبل حديثنا:-


– أتحدث كمقدمة حديث عن القصد الجنائي في جريمة القتل العمد:-
«لما كانت جناية القتل العمد تتميز قانونًا عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص وهو أن يقصد الجاني من ارابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه وكان هذا العنصر، ذو طابع خاص، يختلف عن القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم، وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني، ويضمره في نفسه، فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية، أو بالشروع فيها يجب أن يعني بالتحدث عن هذا الركن إستقلالًا، واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه، وتكشف عنه».
– ومن التطبيقات العملية لمحكمة النقض المصرية:-
” إن القانون يتطلب فى جناية القتل العمد توافر قصد القتل وهو قصد خاص يستلزم فوق أن يكون القاتل أتى فعلاً من شأنه إحداث الموت ، أن ينتوى إزهاق روح المجنى عليه ولايجزىء عن هذه النية الخاصة أن يصدر الفعل الجنائى فى جناية القتل عن مجرد العمد أو بإستعمال سلاح قاتل بطبيعته ، ومن الواجب أن يتحدث الحكم عن هذه النية الخاصة وأن يستظهر توافرها من العناصر التى تكتشف قيامها فى نفس القاتل .
{ نقض 5/12/1955 ، 17/10/1955 – مجموعة أحكام النقض العدد 4 السنة 6 ص 1439 ، 1234}
– إنه لما كانت جريمة القتل العمد تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدى على النفس بعنصر خاص هو إنتواء الجانى ، وهو يرتكب الفعل الجنائى ، قتل المجنى عليه وإزهاق روحه ، ولما كان لهذا العنصر طابع خاص يختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم ، لما كان ذلك من الواجب أن يعنى الحكم بالإدانة فى هذه الجريمة ، عناية خاصة بإستظهار هذا العنصر وإيراد الأدلة التى تثبت توافره .
{ نقض 6/3/1950، 17/1/1950 – مجموعة أحكام النقض السنة الأولى ص 389، 259}
” كانت هذه نبذة مختصرة وفكرة عامة ، متحدثاً بداية الحديث ، وكان هذا الجزء الأول ، ويدفعنا الأمر نحو التحدث عن القصد الجنائى فى الجرائم الجنائية ”
– القصد الجنائى :- ليست الجريمة ظاهرة مادية خالصة قوامها الفعل وآثاره ، ولكنها كذلك كيان نفسى ، ومن ثم إستقر فى القانون الجنائي الحديث ذلك المبدأ الذي يقضى بأن ماديات الجريمة لاتنشىء مسؤلية ولاتستوجب عقاباً مالم تتوافر إلى جانبها العناصر النفسية التى يتطلبها كيان الجريمة ، وتجتمع هذه العناصر فى ركن يختص بها ويحمل إسم { الركن المعنوى للجريمة }
– والقصد الجنائى مكانه فى الركن المعنوى للجريمة ، ومن ثم كانت له طبيعته ، فإذا قلنا إن الإرادة هى جوهر الركن المعنوى فإننا نقول أيضاً إن الإرادة هى جوهر القصد الجنائى .
– الإرادة هى سبب الفعل ، فلاقيام للفعل فى نظر القانون مالم يكن صادرا عن إرادة ، والإرادة بعد ذلك تسيطر على الفعل وتضفى الصفة الإرادية على جميع أجزائه ، وعلى هذا النحو ، فإن الدور الأول للإرادة دور سبى باعتبارها منشئ الفعل ، والدور الثانى للإرادة هو السيطرة على الفعل .
{ الركن المعنوى فى الجريمة }
– المقصود بالركن المعنوى :- يقصد بالركن المعنوى للجريمة هو مدى إتجاه إرادة الجانى إلى ارتكاب الجريمة ، ولكى يتحدد ذلك يلزم التعرف على مدى علم الشخص الجانى بعناصر الجريمة المختلفة ، وبهذا فإن الركن المعنوى يعبر عن موقف الجانى من الناحية النفسية إزاء الجريمة ، فلا يكفى أن يصدر الفعل عن الجانى ، بل يلزم تحديد شكل الركن المعنوى لها.
– صور الركن المعنوى للجريمة :- الجريمة إما أن تكون عمدية أو تكون غير عمدية ، فى النوع الأول من الجرائم يتخذ القصد الجنائى شكل الركن المعنوى ، أما فى النوع الثاني من تلك الجرائم فإن الخطأ غير العمدى يشكل الركن المعنوى ، فالرأى الراجح فى الفقه أن الأصل فى التجريم هو العمد ، وأن تجريم الخطأ غير العمدى يشكل خروجاً على هذا الأصل ومن ثم يتعين أن يرد به النص صراحةً حتى يعاقب عليه .
– فالقصد الجنائى :- هو إتجاه إرادة الجانى عن علم إلى القيام بالنشاط والنتيجة ، فالعلم والإرادة هما قوام القصد الجنائى ، العلم بالنشاط والنتيجة واتجاه إرادة الجانى إلى تحقيق النشاط والنتيجة .


– عناصر القصد الجنائى :- يتكون القصد الجنائى من العلم والإرادة ، فالعلم بالنتيجة التى يحتمل أن تترتب على الفعل والعلم بالظروف والوقائع التى تعطى هذا الفعل دلالته الإجرامية ، فبتوافر هذا العلم إلى جانب إرادة الفعل يتوافر القصد الجنائى ، فمن الواضح أن ارتكاب الفعل الإرادى فى الجرائم العمدية يقترن بالعلم بطبيعة هذا الفعل ومقدار خطورته وبالظروف التى تحيط به كما يصاحبه الإلمام بالآثار التى يحتمل أن تترتب عليه ، وهذا العلم مصحوباً بإرادة الفعل { فمن تتجه إرادته إلى إطلاق النار وهو عالم بخطورة فعله ، متوقع أن تكون وفاة أحد الأشخاص نتيجة لهذا الفعل ، تعد خطورة على حياة الغير ، وجرأته على أوامر القانون ونواهيه ، واضحاً وضوحاً غير متوقف على إثبات أن إرادته قد اتجهت على وجه التخصيص إلى إحداث الوفاة ، فالقصد الجنائى :-

هو إرادة الإعتداء على الحقوق التى يكفل الشارع صيانتها وحمايتها ، وبحيث أن يعلم الجانى أن من نتائج ارتكابه للفعل مخالفة القانون ، فالقصد الجنائى بعنصريه ، يتمثل فى إرادة مخالفة القانون ، أى إرادة عصيان أوامر الشارع ونواهيه ، وهذه الإرادة تتوافر إذا تعمد الجانى ارتكاب فعله وهو يعلم باقترانه بالوقائع التى تحدد دلالته الإجرامية وبتوقع النتيجة التى يتمثل فيها الإعتداء على الحق الذي يحميه القانون ، فالجانى يسأل مسؤلية عمدية عن النتائج الحتمية لفعله .


– صور القصد الجنائى :- يتخذ القصد الجنائى صوراً مختلفة بحسب الجانب الذي ننظر إليه منه ، هذه الصور هى :-
– الأمر الأول { القصد العام والقصد الخاص }
1- القصد الجنائى العام :- هو العلم والإرادة ، العلم بالنشاط والنتيجة وإرادة تحقيق كلاً منهما ، فالجريمة لاتكون عمدية إلا إذا إتخذ شكل الركن المعنوى فيها صورة القصد الجنائى العام .
2- القصد الجنائى الخاص :- يقصد به إتجاه نية الجانى إلى تحقيق غاية معينة من وراء ارتكاب الجريمة ، هذا النوع من القصد إن هو فى حقيقته إلا باعث معين يتوافر لدى الجانى ، والأصل يستلزم المشرع وجود هذا النوع من القصد لوقوعها ، ومايميز القصد الجنائى الخاص عن القصد الجنائى العام ، هو أن نية الجانى فى القصد الجنائى الخاص تتجه إلى غاية أخرى لاتدخل فى أركان الجريمة ، أما فى القصد الجنائى العام فإن نية الجانى تنصرف إلى أركان الجريمة ، فقد يتطلب القانون أن يتوافر في بعض الجرائم إلى جانب القصد الجنائي العام ، توافر القصد الجنائي الخاص ، وهو مايسمى “بالباعث الخاص ”
– التطبيقات العملية لمحكمة النقض المصرية :-
{ لما كان ذلك ، وكانت جناية القتل العمد تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدى على النفس بعنصر خاص وهو أن يقصد الجانى من ارتكاب الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه وهذا العنصر ، ذو طابع خاص ويختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم وهو بطبيعته ، أمر يبطنه الجانى ويضمره فى نفسه }
الطعن رقم 16938 لسنة 86 ق ، جلسة 5/1/2017
– لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بانتفاء القصد الجنائي في حقه وجهله بقانون الجهاز المصرفي والنقد واطرحه في رد سائغ . لما كان ذلك ، وكانت الجريمة – حمل حال سفره من البلاد أوراق نقد أجنبي جاوزت قيمتها عشرة آلاف دولار أمريكي – التي دين الطاعن بها من الجرائم العمدية ، ولم يستلزم القانون لهذه الجريمة قصدًا خاصًا بل يكفي لقيامها توافر القصد الجنائي العام والذي يقتضي تعمد اقتراف الفعل المادي وتعمد النتيجة المترتبة على هذا الفعل ، وكان ما أثبته الحكم عن واقعة الدعوى وفي رده على ذلك الدفع كافيًا في الدلالة على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن ، فإن ما يثيره في خصوص انتفاء هذا القصد لديه بدعوى الجهل بالواقعة – محل التجريم – لا يعدو أن يكون مجرد إعتقاد خاطئ بمشروعية الواقعة وعدم فهمه للقانون وهو في حقيقته دفع بالإعتذار بالجهل بالقانون وهو ما لا يقبل منه .
الطعن رقم ٢٢١٣٨ لسنة ٨٨ قضائيةالدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٩/٠٦/١٨
– لما كان القصد الجنائى فى الجريمة التي دين الطاعن بها يقتضى علم الجانى وقت ارتكاب الجريمة علماً يقيناً بتوافر أركانها ، فإذا مانازع المتهم فى توافر القصد ، كان لزاماً على المحكمة إستظهاره إستظهار كافياً ، كما أنه من المقرر أن جريمة الحيازة بقصد الترويج تستلزم – فضلاً عن القصد الجنائى العام – قصدًا خاصًا هو نية دفع العملة المقلدة إلى التداول ، مما يتعين معه على الحكم إستظهاره صراحة وإيراد الدليل على توافره متى كان محل منازعة من المتهم ، لما كان ذلك ، وكان الطاعن قد أنكر التهمة المسندة إليه برمتها ونازع فى القصد الجنائى بشقيه في حقه ، وكان القدر الذي أورده الحكم – فيما سلف بيانه – فى سبيل التدليل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن لا يكفى لتوافره ولايسوغ به الإستدلال عليه ، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً فضلاً عن القصور في التسبيب بالفساد فى الإستدلال مما يتعين معه نقضه والإعادة .
{ الطعن رقم 25570 – لسنة 67 ق – تاريخ الجلسة 20/2/2007 – رقم الصفحة 168 }

– من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لايدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية .
{ الطعن 12671 لسنة 70 ق بتاريخ 20/4/2008 }

– الأمر الثانى، والصورة الثانية من صور القصد الجنائى ، وهو { القصد المحدود والقصد غير المحدود } ، وللحديث بقية إن شاء الله فى المقال القادم بعنوان سلسة شرح جرائم القتل ” الجزء الثاني ” .

للمزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى