أيمن أبو عمر: تعددت صور الإعجاز في هذا الكتاب العزيز وهذه صوره
قال الدكتور أيمن أبو عمر ، وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة ، إن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي أيد الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولقد تعددت صور الإعجاز في هذا الكتاب العزيز ما بين إعجاز بياني وإعجاز غيبي وإعجاز تشريعي وإعجاز علمي، وغير ذلك من صور الإعجاز التي لا تنتهي ولن تنتهي .
واستشهد خلال كلمته بالمؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، بقول الإمام السيوطي رحمه الله: اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن الكريم وذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلها حكمةٌ وصوابٌ، ولكنهم على الرغم من ذلك ما بلغوا في بيان وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره .
وأضاف وكيل وزارة الأوقاف في كلمته التي ألقاها نائبا عن وزير الأوقاف:”لعلكم تتفقون معي أن الإعجاز البياني في القرآن الكريم هو أول صورة من صور الإعجاز التي أدركتها عقول البشر، فمنذ أولِّ يوم تلقت فيه أسماع النبي الكريم أنوار الوحي الإلهي الشريف ثم ساقه صلى الله عليه وسلم إلى الناس بلسان عربي مبين أدهشت آياته عقولهم ، وأخذت معانيه بقلوبهم وانحنت له رؤوسهم وهاماتهم”.
وتابع : وقد تحداهم الله عز وجل وهم أهل البلاغة والفصاحة وتحدى معهم الإنس والجن جميعا على أن يأتوا بحديث مثله فعجزوا ، وعجز الناس على مر الأزمنة من بعدهم عن القيام بحق هذا التحدي، يقول جل شأنه : (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)، وقد كان لهذه الصورة من الإعجاز أثرها البالغ في قلوب السامعين سواء المقرُّ منهم والجاحد، من آمن منهم ومن لم يؤمن، وهكذا القرآن الكريم إذا خالطت ألفاظه الأسماعَ استبشرت به النفوس وانشرحت له الصدور، ووجد القلب من آثاره لذة وحلاوة وروعة وجلالاً ومهابة ليست لغيره من الكلام مهما بلغت فصاحته.
وأوضح أبو عمر، أنه ليس أدل على ذلك التأثير من كلام نردده جميعا حينما نتحدث عن وصف القرآن وبلاغته، مع أن هذا الكلام شهادةُ رجل لم يؤمن ولم يسلم، بل كان من أعداء دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الوليد بن المغيرة حينما عُرض عليه أن يطعن في القرآن، فقال: وماذا أقول بعد ما سمعت! إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه. والحق ما شهدت به الأعادي!
وأكد أنه لا شك فيه أن الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وجه خاص من وجوه الإعجاز الذي لا يقل أهمية وتأثيرا عن الإعجاز البياني خاصة في عصرنا الذي وُسِم بأنه عصر العلم، والذي أصبح فيه الإقناعُ العلمي المؤيد بالحجة والبرهان والدليل صمامَ أمان لبعض العقول من الزيغ والضلال! وطريقاً رشيدا للقلوب الحائرة التي ضلت عن الهداية والأمان.
واستكمل أن ذلك من خلال استنباطِ الحقائق العلمية المقررة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وإلقاءِ الضوء عليها، وبيانِ الإعجاز في عنصر الزمان الذي تحدث فيه النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم عن هذه الظواهر قبل الكشف عنها بمئات السنين وفي وقت لم يمتلك أهله تلك الأدوات المعرفية التي تؤهلهم للوصول إلى هذه الاكتشافات مما يمتلكه الناس في عصرنا؛ ليتحقق في هذا قول الله عز وجل: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).
ولقد فطن لذلك علماء أجلاء قبل مئات السنين، يقول الإمام الفخر الرازي المتوفى سنة ٦٠٦ هجرية: إن المتقدمين إذا ذكروا وجها في تفسير الآية فذلك لا يمنع المتأخرين من استنباط وجه آخر في تفسيرها.
واستكمل أنه تأكيد على هذا المعنى الذي ذكره هذا الإمام العلم تعالوا بنا لقول الله عز وجل: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء)، فكيف تلقى الناس في عصر النبوة هذه الآية، وكيف فهموا قول الله عز وجل: (يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) لعل قلوبَهم تلقتها وعقولَهم تلقفتها من جانب الإعجاز البياني والوقوفِ عند تفسير الضِّيق الذي تتحدث عنه الآية على أنه ضيق نفسي، وهذا فهم مقبول.
واستطرد كلمته :” لكن عندما يثبت العلم الحديث أن الأكسجين يتناقص في طبقات الجو كلما صعدنا لأعلى، وعند ذلك يشعر الإنسان بضيق في الصدر وصعوبة في التنفس الطبيعي درجة بعد درجة، حتى يصل الضيق إلى أشد مراحله وهي مرحلة الحرج التي لا يستطيع الأكسجين وبعدها أن ينفُذ إلى الدم، لابد لنا أن نقر بهذه الحقيقة العلمية في هذه الآية، وأن نظهر الإعجاز العلمي فيها إلى الناس جنبا إلى جنب مع الإعجاز البلاغي في تشبيه هذه الحالة المعنوية بحالة حسية لم تكن معلومة للبشر وقت نزول القرآن ولم تتضح حقيقتُها إلا في عصرنا هذا”.
وأكد إن ما يقال عن الإعجاز في القرآن الكريم يقال عن الإعجاز في السنة النبوية المطهرة أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، و الله عز وجل يقول عن نبيه: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي)، وفي قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص حينما أمسك عن الكتابة وقد نهته قريش عن ذلك، قالوا له: تكتبُ كل شيء تسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب وفي الرضا، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، أشار النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه، وقال له؛ “اكتب يا عبدالله فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق”.