تعرف على وصية أم الرسول لابنها المصطفى عليه الصلاة والسلام
ينشر موقع “الكيان”، لقرائه، وصية أم الرسول لابنها المصطفى عليه الصلاة والسلام.
حيث جاء رجل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتى؟ فقال أمك.. قال ثم من قال: أمك.. قال ثم من فقال: أمك قال ثم من: فقال أبوك.. فإذا كانت تلك هى وصية رسول الله عن الأم بشكل عام فماذا عن شعوره هو بأمه وكيف كانت علاقته بها وهو الذى ولد يتيم الأب وتركته أمه ورحلت قبل أن يتم السادسة من عمره.. وكيف كان شعور السيدة آمنة بنت وهب بالحبيب المصطفى.
زهرة قريش
قبل أن تكون أم خير البشر محمد عليه الصلاة والسلام كانت خيرة بنات قريش وزهرتها التى أينما راحت ذهبت العيون معها فهى السيدة آمنة بنت وهب ويعود نسبها لأعزة أهل قريش فأبوها هو وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ولم يكن نسب آمنة لأمها أقل عراقة وأصالة منه لأبيها فأمها هى برة بنت عبد العزى بن قصى بن كلاب أحد بطون قريش وكانت آمنة ابنتهما الوحيدة.
حيث إنهما لم يرزقا بأبناء غيرها، وقد كانت نشأتها فى بيت عمها وهيب بن عبد بن مناف الذى كان من سادة قريش، وقد أكسبتها هذه النشأة مكانة مميزة بين قومها حتى لقبت بزهرة قريش ولم يكن هذا اللقب لنسبها الرفيع فقط، ولكن لما كانت معرفة به بين قومها من شدة الذكاء وطلاقة القول وحسن التصرف؛ لذا فقد كانت أفضل امرأة فى قريش نسبا ومكانة.
فداء عبد الله
لم يكن عبدالله بن عبد المطلب غريبا على آمنة فقد عرفته منذ طفولتها.. كان من أبناء أشرف أسر قريش فضلا عن أن البيت الهاشمى هو الأقرب لأسر آل زهرة لذا فلم يكن بعيدا عنها فى طفولتها وصباها وطالما التقته فى مجامع القبائل وساحة الحرم ولكنها حجبت عنه عندما ظهرت عليها بواكر النضج وهذا ما جعل خيرة فتيان مكة ورجالها يتسارعون إلى باب بنى زهرة أملا فى الفوز بزهرة قريش ولكن عمها لم يقبل واحدا منهم والغريب أن عبدالله بن عبد المطلب لم يكن بين المتقدمين لخطبتها رغم ما له من الرفعة والسمعة والشرف وقبل هذا وذاك فقد كان لها مكانة خاصة فى نفسه والسبب الوحيد الذى منع عبدالله من التقدم لخطبة آمنة هو نذر أبيه بنحر أحد بنيه عند الكعبة.
حيث إن عبد المطلب لم يكن له من الأبناء سوى “الحارث” فأخذت قريش تذله وتسخر منه فنذر أنه إذا كتب له عشرة أبناء سوف ينحر أحدهم عند الكعبة وقد أنعم الله عليه بعشرة أولاد أقرع بين أبنائه أيهما ينحر فوقعت القرعة على عبدالله أصغرهم وأقربهم لقلبه ولأنه كان معروفا بين قومه بالشرف والوفاء على العهود فقال عبد المطلب: اللهم عبدالله أو مائة من الإبل ثم أقرع بينه وبين الإبل فطارت القرعة على الإبل وكانت آمنة تترقب الأخبار فى لهفة حتى آتى الفرج بفدية عبدالله بمائة من الإبل.
البشرى
لم يطل انتظار آمنة لليوم الذى يتقدم لخطبتها عبد الله فبمجرد أن افتدى من الذبح جاء والدها ليخبرها برغبة عبد المطلب تزويجها من ابنه عبدالله فغمر الفرح نفسها وأبلغت والدها بالرضا وكيف لاترضى بأفضل شباب قريش خلقا وخلقا.. الشاب الذى لم تخجل نساء قريش من اعتراض طريقه وخطبته ولكنه لم يرض سوى بآمنة واستغرقت الأفراح ثلاثة أيام وما إن حل موعد رحيل العروس لبيت زوجها حتى نظر عبدالله لآمنة فوجد عينيها تمتلئ بالدموع لأنها ستفارق البيت الذى نشأت فيه فبقى معها فى بيت أبيها ثلاثة أيام ثم أخذها إلى دار زواجهما فى اليوم الرابع وفى أول ليلة لها فى بيت زوجها نامت السيدة آمنة فرأت فى منامها شعاعا من النور كأنه ينبثق من روحها فيضىء الدنيا من حولها وسمعت هاتفا يهتف بها لقد حملت بسيد هذه الأمة.
ألم الفراق
وما هى إلا أيام معدودة لم تتجاوز عند جمهور المؤرخين سوى عشرة أيام ورحل عبدالله تاركا عروسه ليلحق بالقافلة التجارية المسافرة الى غزة والشام ومضى شهر والثانى وعبدالله لم يعد حيث أصيب بمرض شديد أثناء الرحلة وعندما علم عبد المطلب بمرضه أرسل ابنه الحارث لرعاية شقيقه ولكنه حين وصل إليه كان توفى وهكذا أصبحت آمنة أرملة بعد بضعة أشهر من زواجها وقبل ولادة طفلها الوحيد ولم تحتمل العروس الخبر وكادت تموت من فرط الألم والحزن حتى أنزل الله عليها سكينته وشغل تفكيرها بجنينها الذى تحمله ورأت فى منامها أنه سيكون سيد الأمة وكان حمل آمنة هينا لينا لم تشعر فيه بالثقل كما كانت تشعر النساء.
عام الفيل
جاء عام الفيل وسمعت آمنة بقدوم أبرهة فى جيش عظيم لهدم الكعبة وجاءها حماها عبد المطلب يطلب منها أن تتهيأ للخروج من مكة وفى ذاك اليوم عاودتها الرؤية فى صدر ليلة قمرية من ليالى ربيع الأول تخبرها أنها توشك أن تلد وتأمرها أن تقول حين تضعه أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم تسميه محمد ورفضت آمنة أن تخرج من مكة وشق عليها أن تلد ولدها بعيدا عن البلد الحرام وفى غير دار أبيه وكان لديها يقين بأن الله سيحمى بيته وقبل أن تغيب شمس اليوم الذى رفضت فيه الخروج من مكة جاءتها البشرى بهزيمة أبرهة.
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
جاءتها آلام المخاض يوم الثانى عشر من ربيع الأول فى عام الفيل وكانت معها أم عثمان بن العاص وأم عبد الرحمن بن عوف اللتان وصفا لحظة الولادة فقالتا: رأينا نورا أضاء لنا ما بين المشرق والمغرب، وروى أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مقطوع السرة وأقبلت الأم على صغيرها ترضعه ولكن الأحزان لم تتركها فقد جف لبنها بعد أيام ووفدت المرضعات إلى الصغير ولكنهن زهدن فى اليتيم إلى أن جاءتها حليمة بنت أبى ذؤيب السعدى، وأخذت نبى الله لترضعه وأمضى معها لترضعه حتى أنه بدى وهو فى الثانية من عمره وكأنه فى الرابعة من شدة النضرة.
النهاية
لما بلغ رسول الله ست سنوات خرجت به أمه إلى المدينة المنورة لزيارة قبر والده وأخواله بنى عدى وكانت برفقتها حاضنته أم أيمن ونزلت آمنة فى مكان يسمى دار النابغة وأقامت هناك شهرا وعند عودتها مرضت مرضا شديدا فى مكان بين مكة والمدينة يدعى الأبواء وعندما شعرت آمنة بلحظات الاحتضار قالت: “ادنوا منى”فى إشارة لأم أيمن بأن تقرب رسول الله لها وقالت له: يا بنى كل جديد بال.. وكل آت قريب وكل حى ميت”، ثم توفيت ودفنت بالأبواء ورجعت أم أيمن بمحمد إلى مكة وقد روى أن نبى الله مر على قبرها وهو ذاهب لأداء عمرة الحديبية وتذكر رحمتها به وبكى.
ديانة آمنة
اختلفت الآراء حول ديانة والدىّ رسول الله ولا يعلم أحدنا ما بين الرسول وربه فى شأن والديه ولا ما استقر فى قلبيهما قبل الرحيل فكلاهما توفى قبل بعثة النبى ولم تصلهما الدعوة ورأى الفقهاء أنهما كانا على ملة إبراهيم عليه السلام وهى التوحيد أو أن الله تعالى أحياهما للنبى فى آخر عمره فأسلما.
كما استدلوا بحديث أخرجه ابن شاهين وابن عساكر فى كتبهم وهو أن النبى ذهب إلى مقبرة أمه حزينا وعاد مسرورا فسألته عائشة عن السبب فأجاب بأن الله تعالى أحيا له أمه فآمنت به ثم ماتت، وعلق القرطبى أن هذا من فضائل النبى عليه الصلاة والسلام وليس بعيدا على الله فقد جاء فى القرآن إحياء ميت بنى إسرائيل وأيا كان الرأى الصحيح فالمؤكد أن نبى الله نبت طاهر لا يأتى إلا من شجرة مباركة صلوا عليه وسلموا تسليما.