ديفيد سفوركادا يكتب: الوطنية.. مفهوم يعنى حب الوطن وليس كراهيته!
Le Dialogue بالعربي
أعترف أننى أجد صعوبة فى فهم بعض الأشياء، لطالما اعتقدت أنه عندما تصف نفسك بأنك وطنى، فهذا يعنى أنك تحب هذا البلد فى داخلك، ولطالما اعتقدت أن هذا الحب يجب أن يكون أقوى من أى توجه سياسى يختلف عن توجه رئيس الدولة الحالى. لطالما طبقت دائمًا هذه القاعدة على نفسى: «إن فرنسا دائمًا حرة ومستقلة».
عندما قمت بالخدمة فى سن ١٨، كان ذلك تحت رئاسة فرانسوا ميتران الذى لم يكن بصراحة هو الشخص المفضل لى ولكن لم أكن قد فعلت ذلك من أجله بل كان ذلك من أجل خدمة فرنسا وقد فعلت ذلك وفقًا للأوامر القانونية والشرعية لرئيس منتخب بالاقتراع العام.
وعندما تركت الخدمة الفعلية، كان الرئيس قد تغير وقد أصبح الرئيس هو جاك شيراك، الذى لم يكن أيضا هو الشخص المفضل لى.. جاك العظيم، لقد أطعته أيضًا وكان ذلك طبيعيًا فقد كان هو القائد المنتخب ديمقراطيًا للجيوش.
ولم أتفق مع أى من السياسات الداخلية لأى منهما ولم يكن لدى نفس الرؤية تجاه أوروبا مثلهما ولكن فى كل مرة تتعرض فيها مصالح فرنسا للتهديد أو أن الدفاع عن قيمها كان على المحك، لم يخطر ببالى مطلقًا أن أضع معارضتى السياسية فى الميزان وأن أبتهج بالضربات التى يتم توجيهها لبلدى بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل أعدائها أو معارضيها.
ومنذ عام ٢٠٠٠ ومنذ عودتى إلى الحياة المدنية، قررت الانخراط من أجل قضية بلدى بطريقة مختلفة.. دخلت السياسة إلى جانب تييرى شوفات داخل فرنسا ولم تتغير أفكارى: أن أخدم فرنسا والشعب الفرنسى بمبادئ وقيم لن أتراجع عنها. لكن أن أرى بلدى يتعرض للهجوم، وأن أرى قيمه أيضا مهددة، فهنا بلدى ستأتى أولًا وليس الأفكار السياسية التى أومن بها مهما كانت عادلة أو مهما أدافع عنها.
وسواء كان ذلك على أرض الوطن مع تلك الاعتداءات البغيضة التى أدمت قلوبنا أو كانت دولية سواء فى قتال جنودنا أو فى الاعتداء على مصالحنا الثقافية والاقتصادية وعلى الرغم من السياسات البغيضة المتبعة من قبل الرئيسين ساركوزى وهولاند، فقد بقيت إلى جانب فرنسا والفرنسيين.
منذ عام ٢٠١٧ ومع انتخاب إيمانويل ماكرون، لم تتغير أفكارى السياسية. أنا مازلت بونابرتيًا ولا أخفى هذا الأمر وراء أى مسمى. أعتنق هذه الفكرة المؤكدة عن فرنسا والتى تجعلنى معارضًا للرئيس الحالى الذى يقوم على الصعيدين الوطنى والدولى بتفكيك أمتنا الجميلة. أثبتت سياسته «فى نفس الوقت» أنها كارثية على كل من الوحدة الوطنية والتأثير الدولى.
أزمة السترات الصفراء… إدارة أزمة الكورونا وإصلاح المعاشات وغزو أوكرانيا والسياسات الأفريقية والسياسات الأوروبية والفرانكوفونية.. هناك العديد من النقاط التى تجعلنى أعارض إيمانويل ماكرون. ومع ذلك وعلى عكس الآخرين الذين فى كثير من الأحيان يصفون أنفسهم بأنهم وطنيون، فأنا لا أبتهج عندما تتعرض فرنسا للإذلال أو السخرية أوالهجوم المباشر أو غير المباشر من قبل أعدائها أوخصومها وحتى حلفائها فى الوقت الحالى.
وفى الحقيقة، كراهيتى للسياسة الرئاسية لا تجعلنى من المعجبين بفلاديمير بوتين أو من المعجبين بالانقلابيين فى الساحل أو من أتباع ترامب أو حتى من المعجبين بالليبراليين الجدد المحافظين فى بعض البلدان الأوروبية. على سبيل المثال، خلال قضية بولانسكى، قال الكثيرون إنه يجب فصل «شخصية الرجل» عن «شخصية الفنان».
إن الأمر ينطبق أيضا على بلدنا فيجب أن نفصل فرنسا عن رئيسها ولكن عندما يتعرض الرئيس للهجوم، فعليك أن تكون قادرًا على توحيد الصفوف للدفاع عنه.. هذا ما فعله كبار السن فى عام ١٩١٤ وهذا ما فعله كل أعضاء فرنسا الحرة منذ عام ١٩٤٠. وبمجرد زوال الخطر، لا شيء يمنعنا من استئناف القتال السياسى والتحضير للانتخابات المقبلة والتى آمل أن تكون مفيدة لبلدنا وتمكنها من إعادة الارتباط بسياسة حقيقية ذات سيادة كاملة ونفوذ دولى.
معلومات عن الكاتب:
ديفيد سافوركادا.. ضابط سابق فى البحرية الفرنسية، ومدرب فى عدة جهات أمنية خاصة، وعضو فى العديد من الجمعيات الوطنية. يشغل حاليًا منصب الأمين العام لمركز الدراسات والأبحاث حول البونابرتية ورئيس حركة «النداء من أجل الشعب».. يطرح رؤيته لمفهوم «الوطنية» وما اعتراه من سلبيات فى فرنسا حسبما يعتقد.