أمم إفريقيا – موريتانيا.. مرابطون ومهاجرون
المرابطون لقبهم، ومن المهاجرين تكون فريقهم لتتواجد موريتانيا على خريطة إفريقيا لكرة القدم.
“إن الخمول الذي تعاني منه كرة القدم الموريتانية ليس قدرا محتوما حتى نستسلم له، ولكنه مرض يحتاج إلى علاج”. أحمد ولد يحيى في 29 يوليو 2011 عند فوزه برئاسة الاتحاد الموريتاني.
من تصريحات أحمد ولد يحيى ستفهم ماضي الكرة الموريتانية، ومنه ستفسر ما آلت إليه الآن من تطور هائل.
رغم تأسيس الاتحاد الموريتاني لكرة القدم عام 1961، لكن الانتصار احتاج الانتظار 19 عاما ليتحقق 1980، ومنذ ذلك الحين وحتى وصول ولد يحيى، لم يكن لموريتانيا ما قد يذكره تاريخ كرة القدم.
في عام 2015 كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز حاضرا في مباراة كأس السوبر الموريتاني، وتزامن اللقاء مع عيد الاستقلال الموريتاني، ليقرر الرئيس إنهاء اللقاء في الدقيقة الـ65 والاحتكام لركلات الترجيح.
عبد العزيز نفسه ترأس حفل في عام 2019 لجمع التبرعات لصالح منتخب موريتانيا لكرة القدم. الآن أصبح لكرة القدم في موريتانيا قيمتها.
ثم جاء أحمد ولد يحيى..
تفوق المنتخب الموريتاني على ليبيريا والسنغال، ليتأهل إلى كأس أمم إفريقيا للمحليين في 2014. مشاركة هي الأولى قاريا للمرابطين في تاريخهم الكروي. ورغم الخروج المبكر من الدور الأول، لكنها أكسبتهم الثقة والأمل في تحقيق المزيد مستقبلا.
مدرب مغمور بخطة واضحة
وكانت الخطوة الثانية هي المدرب. أحمد ولد يحيى قرر استقدام كورنتينز مارتينز، مدرب فرنسي مغمور بطموحات كبيرة وخطة واضحة المعالم، فتم التعاقد معه في عام 2014.
ومع مارتينز تعاقد ولد يحيى مع الإسباني باكو فورتيس في منصب المدير الفني للاتحاد الموريتاني، وكان دوره هو وضع خطة بعيدة المدى لاكتشاف المواهب الكروية داخل وخارج موريتانيا.
كورنتينز مارتينز لم يكن لاعبا مشهورا، لكنه شارك مع المنتخب الفرنسي في يورو 1996 ضمن 17 مباراة دولية مع الديوك، لكنه كمدرب لم يتول تدريب فرقا كبيرة، فكانت محطاته السابقة مع كويمبر فريق الهواة الفرنسي، ثم مع فريق بريست كمدرب مؤقت لأكثر من مرة.
حقيقة، الأمر كان مستحيلا على موريتانيا وقتها أن تقنع اسما كبيرا بتدريبها. منتخب صغير يحتل المركز الأخير في تصنيف فيفا (203) ولم يسبق له تحقيق أي نجاح، وهنا يكون الحل الأمثل هو استقدام مدرب شاب، لكن بطموح كبير وإمكانيات مبشرة للنجاح.
المحاولة الأولى.. تصفيات أمم إفريقيا 2015
لأول مرة تجاوز المنتخب الموريتاني المرحلة الأولى في التصفيات، لكنهم ودعوا الحلم في المرحلة الثانية على يد أوغندا.
المحاولة الثانية.. تصفيات أمم إفريقيا 2017
لم تتوقف طموحات مارتينز عند عبور المرحلة الأولى في التصفيات بالمحاولة الأولى، فقرر المحاولة مرة أخرى في النسخة التالية، وبالفعل حدث التحسن.
تجاوزت موريتانيا المرحلة الأولى، واستمر القتال محققين انتصارا تاريخيا على جنوب إفريقيا في المرحلة الثانية، لكن الفوز لم يكن كافيا بعد فوز بالغ الصعوبة لأسود الكاميرون عليهم، لتحتل موريتانيا المركز الثاني في المجموعة وتودع التصفيات.
المحاولة الثالثة.. أمم إفريقيا للمحليين وكأس العالم
استمر التطور. موريتانيا كررت التأهل إلى كأس الأمم الإفريقية للمحليين، وعلى الجانب الآخر وصلت إلى المرحلة الثانية من تصفيات كأس العالم. لكن الأمر لم يحن بعد للتقدم أكثر من ذلك، فخسروا بصعوبة من تونس بأربعة أهداف مقابل هدفين في مجموع المباراتين وودعوا تصفيات المونديال.
منتخب موريتانيا وبتطوره حصل على جائزة أفضل منتخب إفريقي لعام 2018 من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، فيما أصبح أحمد ولد يحيى هو أفضل رئيس اتحاد محلي في إفريقيا لنفس العام.
المحاولة الرابعة.. أخيرا تحقق المجد
ربما تظن أن لولا زيادة عدد منتخبات أمم إفريقيا إلى 24 منتخبا لما تأهلت موريتانيا إلى العرس الإفريقي الماضي عام 2019، لكن حقيقة الأمر أن موريتانيا كانت أول المتأهلين للبطولة عن مجموعتها، قبل أن تخسر لقاء الجولة الأخيرة لتحتل في النهاية المركز الثاني خلف أنجولا.
الاستعانة بالمهاجرين
اللعب لمنتخب الوطن يجب أن يكون للمواطن الأصيل الذي ينتمي لبلاده انتماء الدم وليس الورق فقط حتى لو لم تعش فيها لكن جدورك ستبقى مرتبطة بها، وبتلك الفكرة استعانت موريتانيا للنهوض بحالها الكروي.
يقولون بأن منتخبات الخليج استعانت بالتجنيس لصنع جزء من تاريخها الكروي، لكن لـ موريتانيا الدولة غير الغنية مقارنة بالخليج، تجربة مشابهة مع بعض الاختلافات.
موريتانيا التي ربما تصدر شعبها للخارج على هيئة عاملين، لكن لا تستقبل الأجانب على أرضها، ومع ذلك فبعض أفراد منتخب موريتانيا الحالي موريتانيين لم يعيشوا أبدا في موريتانيا وقضوا حياتهم في الخارج. كل يستغل السلاح الذي يمتلكه من أجل نجاح بلاده.
إن كانت مهمة كورنتينز مارتينز قد تمت على أكمل وجه من الشق الفني في تطوير المنتخب الموريتاني، فمهمة باكو فورتيس لم تكن أقل أهمية أبدا. فورتيس هو الرجل الإسباني الذي وصل مع كورنتينز مارتينز ليكون مديرا فنيا للاتحاد الموريتاني كما ذكرنا سابقا.
مهمة فورتيس كانت هي محاولة استغلال مواهب الكرة الموريتانية، سواء الداخلية أو الخارجية، وهذا ما تحقق بالفعل.
أداما با، وعبدول با، وسالي سار، وهارونا أبو ديمبا، وديادي ديارا، وخاسا كامارا، وإبراهيما كوليبالي، وسليماني أني. كلها أسماء للاعبين موريتانيين ولدوا أو هاجروا صغارا ونشأوا في الخارج، وبسبب فورتيس مستغلا تطور نتائج الفريق، أقنعهم باللعب لموريتانيا، فتجد أن مبارياتهم الدولية الأولى كلهم خلال السنوات القليلة الماضية في ولاية كورنتينز مارتنز وفورتيس.
عام 2004 وقت إنشاء أكاديمية أسباير صاحبة الفضل في طفرة قطر الرياضية، كانت موريتانيا في الترتيب الـ175 عالميا، وفي المقابل قطر في الترتيب الـ66 عالميا.
ثم في نوفمبر 2021، كانت موريتانيا في الترتيب الـ103 عالميا، وقطر في الترتيب الـ51 عالميا.
أما الآن، فأصبحت موريتانيا بالمركز الـ110، فيما قطر أصبحت بالمركز الـ49.
الإنجاز هنا هو التقدم من كونك منتخب خارج التصنيف تماما إلى المصنف الـ103 أحيانا ثم الـ110 حاليا، والتأهل لأمم إفريقيا المقبلة للمرة الثالثة في التاريخ كأول مجموعة في المرة الأولى وليس اعتمادا على زيادة عدد منتخبات البطولة.
-عمر جاساما مواليد تور الفرنسية ويملك الجنسيتين الفرنسية والموريتانية، لكنه اختار اللعب لموريتانيا في النهاية عام 2023 وبعمر 28 عاما.
-بكاري كمارا مواليد أولنيه سو بوا الفرنسية ويملك الجنسية الفرنسية أيضا، ولعب الآن لموريتانيا بداية من 2022.
-باباكار نياسي مواليد داكار ولم يكتف بحمل الجنسية السنغالية، بل لعب لمنتخب السنغال للشباب قبل التحول لتمثيل موريتانيا عام 2022.
-لامين با مواليد فيلبانت الفرنسية ويلعب لمنتخب موريتانيا منذ عام 2022.
-علي عبيد مواليد الرياض في السعودية وبين أقدم لاعبي موريتانيا منذ عام 2015.
-سليمان دوكوراد مواليد مويدن الفرنسية، ويحمل الجنسية السنغالية، لكنه يلعب لموريتانيا منذ عام 2021.
-سليماني آني مواليد مدينة أورليان الفرنسية ويحمل الجنسيتين الفرنسية والموريتانية. ويلعب لموريتانيا منذ عام 2019.
-بابي إبنو با مواليد سانت لويز السنغالية، لكنه يلعب لموريتانيا منذ عام 2021.
-أبو بكر كمارا مواليد مدينة جونيس الفرنسية، ويحمل الجنسية الفرنسية قبل أن يتحول لتمثيل موريتانيا منذ عام 2021.
دولة عربية.. إفريقية
بالتأكيد موريتانيا دولة عربية، ومن المؤكد أيضا أنها تشارك في كأس الأمم الإفريقية لأنها أحد دول القارة، لكن هذا ليس المغزى من العنوان الجانبي السابق.
موريتانيا تقع في شمال غرب إفريقيا على شاطئ المحيط الأطلسي، يحدها من الشمال المغرب والجزائر، ومن الجنوب السنغال، ومن الشرق والجنوب مالي. هي النقطة الحدودية الأخيرة لشمال إفريقيا، ونقطة البداية لغربها. وهي الرابط بين عرب إفريقيا وباقي القارة.
واستفادة من الجانب الجغرافي، فربما تجد في اللاعب الموريتاني ما لن تراه في باقي منتخبات القارة.
هناك ستجد اللاعب سريع قوي بدنيا بحكم انتماءه إلى غرب إفريقيا كما حال السنغال ومالي، وستجد لديه من الذكاء والانضباط الخططي بحكم انتماءه لشمال إفريقيا، كما هو حال مصر والجزائر وتونس والمغرب وليبيا.