بليغ بدوي يكتب: أفكار شيطانية
هناك ألاف الأشياء التى تهاجم سكون عقلى و ترغمه على التفكير حتى فقد عقلى السيطرة على هدوئه المعهود، تارة يصدر عقلي أحكاما رائعة و تارة آخرى يثور و يتمرد و يرفض التفكير بهدوء و كأنه اعلن الحرب على الصواب أو بمعنى أدق رفض اللهث وراء الأشياء.
قررت أنا الآخر الثورة و العصيان على ذلك الإنسان الذى إحتل عقلى و كيانى ،ففضلت اللامبالاة معلنا عهدا جديدا من الحياة. بدأت أندم علي سنوات العمر الضائعة التي قضيتها في جدية العمل و تحقيق الذات ملتزما بمباديء و حدود . ندمت على سنوات عمرى التى قضيتها فى عملى، أحقق نجاحا و أطمع فى نجاحا أكبر ، فأقدم على تحديا آخر و أنجح، فيزداد شغفى بالنجاح و التحدى.كنت أستلقى فى فراشي و عقلى مستيقظا فى رأسى يعد خطة الغد، كنت أستيقظ فى الصباح و كأن شيئا بداخلى يأن فى وجعا، كنت لا أعرف ماسبب هذا الألم الموجع بداخلى و ما مصدره؟
الآن عرفت أنه عقلى الذى شاب قبل أن يشيب شعر رأسي، وقبل أن تتألم عظام جسمى، كنت أنتحر و لكنى كنت أجهل معنى الإنتحار، كنت أعتقد أن الشباب سيدوم ولم أفهم معنى “إدخر من شبابك لشيخوختك” ، فكنت كأسد يلتهم كل مايقابله، ولكنني كنت افوقه نهما. كنت لا أشبع أبدا، سيجارتى لم تفارق أصابعى مطلقا، و دخانها كان شكواى لهواء الغرفة لأنى لم أعتاد الشكوى لإحد. قهوتى كانت قيثارتى؛تجعلنى أنتشى و أكمل الإنتحار.
فجأة ادركت أن اللامبالاة فن يجيده الأصحاء. بدأت أنظر حولى لأجد أن الأصحاء يعشقون اللامبالاة، و نجاحهم غير مقرونا بالعمل و التميز و الإجتهاد، فهم يحددون هدفهم و يدخرون جهدهم و يستخدمون استراتيجيات اللامبالاة بإتقان شديد للوصول الى هدفهم، من أنواع تلك الإسترتيجيات عدم المبالاة بالقيم و المباديء و الأخلاق، فلهم أن يكذبوا وأن ينافقوا و أن يخونوا و أن يضحوا بالصداقة و ان يغتالوا المنافس ماديا و معنويا من أجل الوصول إلى هدفهم. ايضا فهم يجيدون فن التشخيص بحرفية شديدة. فهم يتقنون دور المسكين و دور الضحية و دور المتدين حتى يكتسبون عطف و تعاطف من حولهم ليصلون إلى هدفهم. و مزيدا من التفصيل فهم يقبلون الرشاوى ولايبالون بالدين و كانهم لا يعرفون من اسماء الله الحسنى إلا إسمه جل جلاله “الغفور” و يتناسون انه جل جلاله “الرقيب”
مما يدعو للغرابة و الدهشة ان معظم تلك النوعية من اللامبالين انهم أقل إصابة بالأمراض العصرية المزمنة، وضغطهم تحت السيطرة، و سكرهم لا يرتفع أو ينخفض فهم يحبون السكون و الإستقرار، و قلبهم ينبض فى هدوء و كأنه لايبالى بتوترات الحياة، ولماذا يضطرب؟ و صاحبه لا يهوى الحروب و الصراعات. لذلك قررت ألا أبالى و أن أثور على ذلك الإنسان المزعج بداخلي. قررت أن تقسو و ألا أبالي.
مهلا …مهلا …مهلا. ..فلقد أرسل لى عقلى رسالة تقول:” إهدء أيها الإنسان، فموت الضمير تاريخا بلا عنوان، فحياة الأحرار أغنية الطرقات للصبيان،
و حياة النذل معابة فى كل الأديان، فكن ذلك الإنسان الذي أنت عليه الآن و لتحترق كل قصور العبث البشري و مخالفة الفطرة الربانية، فلتذهب كل الأفكار الشيطانية الي الجحيم، و تبقي راية العقل مرفوعة لا تنكس ابدا.
ماذا تنفعك كل مكاسب الدنيا و قد خسرت نفسك و قيمك و إحترامك لذاتك.