جنوب الصحراء الكبرى.. المنطقة الأكثر تأثرًا بالنزاعات على مستوى العالم
سياسة
تعد منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا هي المنطقة الأكثر تأثرا بالصراعات على مستوى العالم في عام ٢٠٢٣، مع وجود أكثر من ست مناطق صراع، وفقا لمسح النزاعات المسلحة لعام ٢٠٢٣ الذي أجراه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وواصلت المنطقة هذا الوضع المؤسف مع تركز الصراع في أربع ساحات متجاورة – الساحل، وحوض بحيرة تشاد، ومنطقة البحيرات الكبرى، وشرق أفريقيا، حسبما أفاد مركز الأبحاث. مناطق الصراع الأخرى هي جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق. وتشير الدراسة إلى أن “معظم الصراعات لها عناصر داخلية وإقليمية ودولية” تساهم في “استعصائها على الحل”.
إن ما أطلق عليه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية “التطورات الملحوظة” في العام الماضي تم الإبلاغ عنه من ستة بلدان. وهي السودان وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي ومنطقة الساحل. وتشمل هذه الأحداث اندلاع الصراع في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في أبريل ٢٠٢٣، والذي اجتاح الخرطوم والمراكز الحضرية الأخرى والمناطق الطرفية، مع آثار إقليمية حرجة؛ وإنهاء الحرب الأهلية التي دامت عامين في إثيوبيا بتوقيع اتفاق السلام بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في نوفمبر ٢٠٢٢؛ وتجدد التوترات بين الدولتين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا؛ وكذلك نهاية عملية برخان الفرنسية وانسحابها من مالي وبوركينا فاسو؛ والانسحاب المعلن لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وسط انجراف أوسع نطاقا نحو الاستبداد العسكري في مختلف أنحاء منطقة الساحل (حيث كانت النيجر أحدث دولة تشهد انقلابا عسكريا).
وبقيت مستويات العنف الإجمالية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى “دون تغيير على نطاق واسع” مع “تزايد العنف الإرهابي بشكل ملحوظ، خاصة في الصومال ومنطقة الساحل”.
لقد تطورت الجماعات المتطرفة في المنطقة، وأصبحت أكثر محلية وتشابكًا مع الصراعات المجتمعية والعرقية. لقد ضعفت علاقاتهم الدولية بتنظيمي (داعش) والقاعدة، ويبدو أن الروابط بين الجماعات المتمردة تقتصر الآن على التعاون الإقليمي.
أما بالنسبة لشمال أفريقيا، فقد وجد المعهد أن الصراع في ليبيا لا يزال في طريق مسدود، مع انقسام البلاد بين حكومات متنافسة، وكان الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية سببًا في تفاقم الضعف الشديد الذي تعاني منه المنطقة في مواجهة تغير المناخ، الأمر الذي أدى إلى خلق أزمة كبرى تتعلق بانعدام الأمن الغذائي، وخاصة في البلدان التي تعتمد على الاستيراد، وخاصة في شمال أفريقيا. وحذر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية من أن قدرة المنطقة على معالجة هذه الأزمات المتعددة ستكون لها آثار مهمة على ديناميكيات الأمن الإقليمي وكذلك أمن الطاقة العالمي.
شدة الصراع العالمي آخذة في الارتفاع
على الصعيد العالمي، وجد مسح النزاعات المسلحة الذي أجراه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لعام ٢٠٢٣ أن شدة النزاعات المسلحة آخذة في الارتفاع، والتي تميزت بارتفاع بنسبة ٢٨٪ في أحداث العنف وزيادة بنسبة ١٤٪ في الوفيات المرتبطة بها.
وتتعزز هذه الاتجاهات من خلال النفوذ المتزايد للجماعات المسلحة غير التابعة للدولة كأطراف صراع وجهات فاعلة سياسية على خلفية تراجع شرعية الدولة وتراجع نفوذها. ووفقًا لتقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يعيش ٢٠٠ مليون شخص في مناطق تسيطر عليها هذه الجهات الفاعلة بدرجات متفاوتة في جميع أنحاء العالم. كما أصبحت الجماعات المسلحة من غير الدول أكثر عولمة وسط الدعم الدولي من دول ثالثة وغيرها من الجماعات المسلحة من غير الدول، والحضور والشبكات والعمليات الإقليمية أو العالمية بشكل متزايد.
وقد أدت هذه العوامل إلى ارتفاع حدة الصراعات المسلحة العالمية، مما يجعل الصراعات مثل الصراع في أوكرانيا أطول أمدا في طبيعتها. وينعكس هذا الاتجاه المستعصي في تزايد طول الصراعات، التي تقدر حاليا بنحو ٣٠ عاما في المتوسط مقارنة بأقل من ٢٠ عاما في أوائل التسعينيات، وفقا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
ويضيف تأثير القوى غير الغربية، بما في ذلك روسيا والصين وإيران ودول الخليج وتركيا، إلى الاتجاه المستمر للتراجع الديمقراطي المرتبط بتقلص النفوذ الغربي، ويؤدي إلى التجزئة الجيوسياسية في الجنوب العالمي.
أفاد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن العدد المتزايد من الصراعات أدى إلى استنزاف التمويل والموارد الدولية لمعالجة الأزمات الإنسانية المتصاعدة وقضايا التنمية.
وبالنظر إلى المستقبل، أشار المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى أن الجمود الدبلوماسي والجمود العسكري في أوكرانيا يشيران إلى صراع محتمل طويل الأمد. إن جدوى واستدامة إعادة إعمار البلاد سوف ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحصول كييف على ضمانات أمنية تضمن سلامة أراضي أوكرانيا المستقبلية ضد العدوان الخارجي.
إن الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس في غزة، والتي اندلعت بسبب هجمات حماس في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، تمثل واحدة من أكثر المراحل حدة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية منذ بدايات القضية، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. لقد اشتدت التوترات والقتال بالفعل في الفترة قيد الاستعراض، ولا سيما في الضفة الغربية، على خلفية سياسات القبضة الحديدية في الأراضي، وفي أعقاب الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي أجرته حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، والذي أدى إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي والسياسي.