خطيب المسجد الحرام: تحقيق الوحدة والمساواة بين المسلمين من دلالات الحج ومقاصده
بوابة العرب
أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري أن من دلالات الحج ومقاصده: تحقيق الوحدة والمساواة بين المسلمين؛ فهذا الاجتماع المهيب للقادمين من كل فج عميق، على اختلاف الألسنة والألوان والأوصاف، وتباين العادات والتقاليد والأعراف، يعد من أعظم معالم الوحدة والاتفاق، ونبذ الفرقة والافتراق.
جاء ذلك في خطبة صلاة العيد بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، حيث أدى المصلون الصلاة وسط أجواء روحانية وإيمانية.
وأوصى الدوسري، في خطبته، المسلمين بتقوى الله؛ فإنها أقوى وأولى وأعدل، وهي خير اللباس في الوجود وأجمل، فما أحسنها من زينة لمن كان يعمل، وهي الذخر يوم القيامة والزاد المؤمل.
وخاطب ضيوف الرحمن، في خطبة عيد الأضحى المبارك بالقول: حجاج بيت الله الحرام، هنيئا لكم يا من لبيتم النداء، فأتيتم من كل فج عميق، وفارقتم الأهل والأوطان شوقا إلى البيت العتيق، وأداء لركن من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره العظام، مرددين بلسان الحال والمقال: لبيك اللهم لبيك.
وأضاف: لقد من الله عليكم بالوقوف على صعيد عرفة، والمبيت بمزدلفة، والإفاضة إلى منى، وها نحن نرفل وإياكم في هذا اليوم العظيم؛ الذي عظمه رب كريم، فرفع قدره، وأبان فضله، وشرف ذكره، وسماه يوم الحج الأكبر؛ لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج، من رمي للجمرات ونحر وحلق وطواف وسعي، فعن عبدالله بن قرط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر». وجعل الله هذا اليوم عيدا للمسلمين، فهنيئا لكم يا حجاج بيت الله الحرام، وهنيئا لأمة الإسلام في هذا اليوم الأغر، بحلول عيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والخير والبركات، فتقبل الله حجكم، وشكر سعيكم، وأعطاكم سؤلكم، وأتم لكم نسككم.
ودعا الدكتور الدوسري حجاج بيت الله الحرام، بلزوم المبيت بمنى أيام التشريق، والإكثار فيها من ذكر الله وتكبيره امتثالا لأمر الله تعالى، واتباع سنة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، واقتفاء أثر السلف الصالح.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن من عظات هذا الموسم ودلالاته، وأجل مقاصده وتجلياته أنه تأصيل للتوحيد وتخليص للقلوب والأفعال والأقوال من كل شائبة للشرك والتنديد، ولذلك كان أول شعار الحج هو التلبية.
وأردف: ومن عظات الحج ومقاصده: تجديد العهد بهدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما وتقديما واقتداء، وتحقيقا للأصل الثاني من الشهادتين، فعن جابر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»، فالحج موسم للاتباع، وتجفيف لمنابع الإحداث والغلو والابتداع؛ فقد أنزل الله تعالى في يوم عرفة: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
وواصل يقول: ومن عظات الحج ومقاصده: تجديد العهد بأركان الإسلام؛ فعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم».
ومضى يقول فبدأ صلى الله عليه وسلم بالتقوى التي تتجلى في الحج قولا وعملا، ثم ثنى بعمود الدين؛ فمن مقاصد الحج إقامة الصلاة، وقد قال إبراهيم عليه السلام حين ترك أهله عند البيت: {ربنا ليقيموا الصلاة}، ثم ذكر الصيام، وعلاقته بالحج ظاهرة؛ فأحد الخيارات في الفدية الصيام، وعدل جزاء الصيد الصيام، وبديل الهدي الصيام، ومن لم يقف بعرفة شارك أهل الموقف بالصيام، وأما الزكاة؛ فإن الحج دورة للبذل والعطاء، ومدرسة للصدقة والسخاء، فهو ساحة لاجتماع الأغنياء والفقراء، فيواسى الفقير، ويعان من انقطع به السبيل، وتقضى حوائج السائلين، ثم ذكر حق ولاة الأمر، فقال: «وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم»، ففي الأركان الأولى تحقيق للمصالح الدينية، وفي الوصية الثانية تحقيق للمصالح الدنيوية، وبينهما تكامل وتلازم وتلاحم.
وتابع: اجتمعت قلوب المسلمين على رب واحد، ورسول واحد، وكتاب واحد، وقبلة واحدة، وشعائر واحدة، وتلبية واحدة: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد».
كما أنه من عظات هذا الموسم ومذكراته: حفظ حقوق الإنسان، وقد أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال في خطبة يوم النحر: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا».
وأضاف يقول من عظات هذا الموسم ودلالاته: إكرام الإسلام للمرأة وحفظ حقوقها، فجعلها درة مصونة، ولؤلؤة مكنونة، تجلى ذلك في اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة في حجة الوادع، فقال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا». ومن جلائل العظات والدلالات: أنه موسم أخلاقي يسمو فيه المسلم، ويترفع عن مساوئ الأخلاق، وهذا من أوائل ما يلتفت إليه من عزم الحج لله؛ قال سبحانه وتعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن عيد الأضحى هو يوم التضحية والفداء، يوم الفرح والصفاء، يوم المكافأة من رب السماء، فالأضحية شعيرة إسلامية، وملة إبراهيمية، وسنة محمدية، فعن أنس رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، فذبح الأضاحي هو من أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى يوم النحر، ويكره ترك الأضحية لمن قدر عليها، كما أن ذبحها أفضل من التصدق بثمنها، وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة والبقرة عن سبعة.
وبين أن للأضحية شروطا: أن تبلغ الأضحية السن المعتبر شرعا، وأن تكون سالمة من العيوب، وأن تذبح بعد الفراغ من صلاة العيد، وينتهي وقتها بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر، فضحوا تقبل الله ضحاياكم، وطيبوا بها نفسا، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاد الله علينا وعليكم هذه الأيام بأحسن الأحوال.
وحث الدكتور ياسر الدوسري حجاج بيت الله، بحمد الله وشكره على امتنانه بتيسير أدائكم للحج في أمن وأمان، في ربوع البلد الحرام، وفي ظل خدمات جليلة، وجهود عظيمة، وفق الله لها هذه الدولة المباركة؛ المملكة العربية السعودية التي سخرت كل إمكاناتها لخدمة ضيوف الرحمن، ووفرت كل السبل لتسهيل أدائهم المناسك في راحة وسكينة واطمئنان، وذلك بقيادة حكيمة ومتابعة حثيثة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.