كُتاب الكيان

د. خالد عاشور يكتب| العلة والمعلول في بيان حقيقة “الزغلول”!

هل تعلمون أين المشكلة؟

المشكلة أن لدينا جيلًا من “الإعلاميين” تسللوا إلى الشاشة والميكروفون في غفلة من الزمن وتسيدوا المشهد وأصبحوا يشكلون “المعيار” و”الميزان” الذي توزن به أمور الإعلام في مصر.

غير أن هذا الجيل الذي سرق الشاشة والميكروفون لم يكن مؤهلًا التأهيل الكافي لكي يتصدى للناس، ولم يكن على مستوى المقعد المؤثر الذي يجلس عليه.

وأول عناصر التأهيل الذي أقصده هو صقل الإعلامي بثقافة واسعة. ووعاء هذه الثقافة هي اللغة الراقية، التي تبعد عن الإسفاف والتدني والسوقية.

لا أقصد هنا اللغة الفصحى تحديدًا، وإنما حتى لو تحدث الإعلامي بالمستوى العامي من لغته، فإن عاميته تكون عامية مهذبة راقية منتقاة، مما يطلق عليه “عامية المثقفين”، على نمط عامية الشيخ الشعراوي ويحيي حقي.

ولو ذهبنا للمجال الرياضي الذي هو موضوع حديثنا، فيرحم الله زمنًا كنا نستمتع فيه بتعليق الراحل محمد لطيف بلغة راقية تمزج بين الفصحى والعامية، وتصك جملًا بليغة خالدة، مثل جملة: “الكورة جوان” التي هي مثال لما يسمى بلاغة الإيجاز.

ورحم الله محمود بكر الذي تحفظ عنه الأجيال جملته الشهيرة ذات اللغة البليغة الراقية: “عدالة السماء تنزل على أرض باليرمو”.

وقُل مثل ذلك وأكثر في تعليق ميمي الشربيني، الخفيف الظل، وفي كتابات نجيب المستكاوي، التي هي نماذج خالدة في فن المقال الصحفي، كُتب بلغة جزْلة رصينة نتعلم منها حتى الآن.

أرأيتم أين المشكلة؟

المشكلة في اللغة التي انحطتْ فانحط مستوى التعليق والقول والخُلُق جميعًا.

وإن تعجبْ فعجبٌ خروج مُعلق “الفانلة” مدافعًا عن مقولته السوقية المُسفة، قائلًا في إحدى البرامج التليفزيونية التي تغزو البيوت في ساعات السمر الليلية:

“هو فين المشكلة؟ هو انا لما اقول سعد “زغلول” فيها حاجة أو لما أقول فاتن “حمامة” فيها حاجة؟ “

هل رأيتم انحطاطًا أكثر من ذلك؟

ولابد أن أختم هنا بواقعة حدثت لي شخصيًا تتصل بالتعليق الكروي، لعلها تكون كاشفة لمكمن الخلل:

جاء لي ابني مرة وهو لما يزل صغيرًا في التاسعة من عمره أو أكثر قليلًا، وقال لي: “هو يعني إيه يا بابا : أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني”.

فتركت ما في يدي من ذهول المفاجأة: ابن التاسعة من عمره يحفظ بيت شعر لم أدرسه أنا إلا في الجامعة، والتفتُّ إليه قائلًا:

أين سمعت هذا الشعر؟

فقال لي سمعت المعلق التونسي عصام الشوالي وهو يعلق على مباراة كرة القدم بين ريال مدريد ومدربها زين الدين زيدان، وبايرن ميونخ ومدربها كارلو أنشيلوتي، الذي كان مدربًا لزيدان عندما كان الأخير لاعبًأ في ريال مدريد، فعلَّق الشوالي قائلًا:

“ولسان حال أنشيلوتي مع زيدان الآن كما قال الشاعر:

أعلمه الرماية كل يوم / فلما اشتد ساعده رماني.

وكم علمته نظم القوافي  / فلما قال قافية هجاني.

يامن تتحدثون عن الريادة المسلوبة: أرأيتم أين المشكلة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى