كُتاب الكيان

“صوت العرب من القاهرة”من نادية توفيق إلى لمياء محمود

بقلم ؛ د.خالد عاشور

إذا كانت الإذاعية القديرة نادية توفيق هي “أول” صوت إذاعي نسائي يهتف عبر الأثير: “صوت العرب من القاهرة” عام 1953 فإن لمياء محمود هي “أحق”من قال هذا الشعار، مع اختلاف الأزمنة وحجم التأثير الذي أحدثه هذا “الصوت”؛ بين عام انطلاق هذه الإذاعة سنة 1953 والعام الذي التحقت فيهلمياء بها سنة 1984.

وأقول إن لمياء هي “أحق” من قال: صوت العرب من القاهرة؛ لأنني لم أجد في أجيال هذه الإذاعة العريقة مَن أصدق إخلاصًا وحبًا لها وغيرةً عليها من لمياء محمود: 

لمياء هي التي وثقت تاريخ صوت العرب ودوره السياسي والشعبي أكاديميًا من خلال رسالتيها للماجستير والدكتوراه في كلية الإعلام جامعة القاهرة، فنقلت صوت العرب من المستوى الإذاعي الجماهيري والشعبي إلى المستوى الإذاعي الأكاديمي. وهي – بعد ذلك – مَن أخرجت الإذاعي الكبير أحمد سعيد من عزلته، وأعادته إلى ميكروفون الإذاعة لأول مرة، واستنطقته ليروي قصة صوت العرب، وهو ميراث إذاعي لا يقدر بثمن تحويه مكتبة الإذاعة. ولقد حاولت لمياء مع رموز هذه الإذاعة العريقة الآخرين لتستفيد من خبراتهم للأجيال الجديدة، وتوثق شهاداتهم على عصر من العمل الإذاعي، فعلت ذلك مع البعض واعتذر آخرون.

ولمياء هي مَن أعادت لصوت العرب رونقها وجماهيريتها عندما تولت رئاسة هذه الشبكة، تشهد بذلك إحصاءات نسب الاستماع التي تَصدر عن الهيئة الوطنية للإعلام، فعلت ذلك رغم حدة المنافسة مع وسائل إعلامية أخرى مثل التليفزيون،والإعلام الجديد الذي يعرف بوسائل التواصل. 

ولمياء هي مَن أعادت لصوت العرب طابعها العربي من خلال حرصها على تمثيل كل الأقطار العربية على هواء هذه الإذاعة التي كان حجم تأثيرها في الخارج أكبر من الداخل كما هو معروف؛ فعلت ذلك رغم قلة الإمكانيات التي تتيح لصوت العرب وأبنائه السفر والتواصل مع الأشقاء؛ فعلت ذلك اعتمادًا على شبكة علاقاتها المتشعبة من المحيط إلى الخليج، حبًا في شخصها أولًا وفي صوت العرب ثانيًا.

ولمياء هي نموذج في العمل تتعلم منه قيمًا كثيرة لعل أهمها في نظري: أن العمل في حدود المتاح ولو كان قليلًا، هو المطلوب منك فقط، فمن خلاله تستطيع أن تشق نافذة ضوء في العتمة، فحين كنا نشكو إليها انقلاب المعايير وتَحكُّم المعايير غير المهنية في المشهد الإعلامي وتصدر أنصاف المواهب، كانت تجيب علينا من خلال العمل والعمل فقط في حدود الإمكانيات المتاحة، فعلى المرء أن يسعى وأن يؤدي ما عليه، أما باقي الحِسْبة فاتركها لله، وهي بهذا تطبق سنة نبوية شريفة يجسدها الحديث الصحيح: “إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”.

ولمياء هي وهي وهي وهي …..

أما لمياء محمود الإنسانة فحدث ولا حرج: 

لقد تركنا أنا وأبناء جيلي صوت العرب بعد بضع سنوات فيها وانتقلنا إلى أماكن أخرى للعمل، وبقيت علاقتنا بصوت العرب هي الأقوى والأبقى، بفضل لمياء محمود، وبفضل حرصها على اختلاق المناسبة تلو المناسبة لتُجمّعنا من خلالها وتربط بين أجيال صوت العرب برباط المحبة والود.  

نسافر عبر الزمان والمكان في بقاع الأرض وتبقى الصلة الوحيدة الممتدة بلا انقطاع هي صلتنا بصوت العرب بسبب لمياء محمود. 

وإني لأعجب من هذه السيدة التي هي قاسم مشترك في كل مناسبة لأبناء صوت العرب حزنًا وفرحًا، فإذا أصاب أحدَهم أو أحد أفراد عائلته مكروه، فلابد أنك ستجد لمياء محمود أول الحاضرين وآخر المنصرفين، بل إني عجبت عندما ذهبنا نشيع جنازة أحد الزملاء ونشق طرق المقابر الوعرة يومًا فإذا بنا نجد لمياء قد سبقتنا إلى هذا الواجب الذي عجز دونه الرجال، فهي بحق “صاحبة واجب” كما يقال، ولها في عنق كل واحد فينا واجبات لا نستطيع ردها. تفعل ذلك – وأنا أشهد – لا رياءً ولا لطلب سمعة وإنما بحب شديد وإخلاص، هي له أهل. 

أما لمياء محمود “المذيعة” فأيضًا حدث ولا حرج، ويكفي أن أقول إنني وأبناء جيلي كنا نتلهف على العمل مع لمياء حتى نتعلم كيف تُقرأ نشرة الأخبار، وكيف يكون الضبط الصحيح لمخارج الأصوات، وكيف يكون تحري الصواب اللغوي، فإذا أردت أن تتعرف على “المذيع” بمواصفاته القياسية فاستمع إلى لمياء محمود.

الآن تترك لمياء محمود مقعدها كرئيسة لصوت العرب لتلتقط أنفاسها قليلًا بعد رحلة، كلها عطاء وحب وإخلاص لهذا المكان الذي تعلمنا فيه جميعًا معنى “إذاعة وتليفزيون”، وتواصل عطائها الإذاعي من خلال رئاستها للجنة الدائمة للإذاعة باتحاد الإذاعات العربية. 

عيد ميلاد سعيد يا دكتورة لمياء، وتقبلي مني هذه الكلمات التي أعرف أنها قليلة في حقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى