قصه قصيرة| المُعَلم
يكتبها: عماد زعيتر
بصعوبه بالغه اجتاز مهند المرحله الابتدائية ، وقد اشتهر بين أقرانه بالمستوى السىء ، فهو لايراجع دروسه ولايكترث بحديث أمه عن الاجتهاد .
أبت نفسه أن تنتشي بالتفوق والتميز عن أقرانه . فكان يمضى الكثير من يومه ملتحفاً بكسله وأحياناً بألعابه يلهو .
وفى الفصل الدراسى الثانى وفد مدرس جديد للغة العربيه كان يمازح الطلاب ويحنو عليهم ويتناول شرح مادته العلميه بأسلوب سهل يفهمه الجميع وكثيراً ما اعتاد توجيه الاسئله ليقف على مستوي تلاميذه .
ويوماً وجه سؤال لمهند فتعالت صيحات زملائه بالضحك ، وماكان من مهند الا انه تمتم بكلمات غير مفهومه ، فازداد تهكم زملائه ولمعت عيونهم ضاحكه مرة أخرى ، فأشفق أستاذه عليه وناداه فاقترب منه مهند فقال الاستاذ وقد انحنى عليه قليلا وحدثه بصوت منخفض :
أريدك فى قاعة المعلمين بعد انتهاء اليوم الدراسى ، صعد مهند السلم وتوجه الى القاعة فتبسم له معلمه وسلم عليه بحراره وأعطاه ورقه مدون فيها بيت شعر ، وطلب منه أن يحفظه جيداً وعاد مهند الى بيته وألقى بحقيبته وتبعها جسده على الفراش بعد أن قابل الحاح أمه ليأكل بالرفض التام ، أغمض عينيه ولكن ضحكات زملائه كانت تؤرق مضجعه ،
وكانت تمتمته بالكلمات المبهمه حين سأله أستاذه قد نالت كثيراً من ثقته بنفسه وعبثاً حاول أن ينام فلم يطرق النوم جفونه ، فأراد أن يتخطى همومه فقام وأعد ألعابه ثم قذفها فى أرجاء الغرفه واضطربت نفسه ولكن ماهدأ من روعه تحية معلمه له بحراره وتبسمه فى وجهه ، فطابت سريرته وتمددت السكينه في فؤاده وتذكر بيت الشعر الذي كلفه أستاذه بحفظه ، فقام وأخذ الورقه من طيات ملابسه التى القاها على الأرض فور قدومه ، وحاول جاهداً أن يحفظ بيت الشعر حتى أتم حفظه بصعوبه ،
ثم قام وتناول طعامه وفى اليوم التالى ارتاد الفصل معلم اللغه العربيه فهدأت ثائرة الطلاب وجلسوا فى صمت واستدار المعلم الى السبوره وكتب بيت شعر وظل يتناول بالشرح ، المعانى الجماليه والمفردات والصور الخياليه للشاعر ، ثم أزال ما كتبه وقال من حفظ هذا البيت فقام مهند ليجيب فاذ بضحكات الامس الساخره منه تراود خياله ،
ولكنه سريعا ماتجاوزها وردد بثقه بيت الشعر وتظاهر المعلم بالاعجاب والاندهاش وبقية الطلاب فى ذهول أهذا الذى بالأمس كنا منه نسخر ، طلب المعلم من الطلاب أن يصفقوا لمهند فجلس منتشياً ، وشى من الزهو يملأ نفسه وزملائه يصوبون نظراتهم له وعاد إلى بيته بعد أن انتهى من يومه الدراسى السعيد واستقبلته أمه فقد عاد بوجه غير الذى عاد به أمس وطلب من أمه الطعام فأكل بنهم . تملكت والدته الدهشه من قطرات البهجه التى افترشت صفحات وجهه ، والسعاده البالغه التي كانت تبحر في قوارب عينيه ،
أسئله كثيره دارت بخلدها عن تقلب أحواله ، حتى انتهى مهند من طعامه وبادرته بسؤال عن سر سعادته اليوم عكس ما كان عليه بالامس فقال : أحزننى تصرف زملائى البارحه واليوم أسعدنى ما رأيت منهم . قالت والدته : ليتك توضح لى الامر ؟ فقال ياأمى سافعل ولكن فى وقت لاحق فلدى الكثير من الواجبات .
وفى اليوم التالى فى الصباح عند باب المدرسه التقى بمعلمه الذى حياه بابتسامه هادئه وأخرج ورقه من كتاب بيديه وقال هذه الورقه كتبتها لك امس فيها إعراب جمله فعليه وانتظرتك أن تاتينى فى القاعه لتاخذها ولكنك لم تأتي فقال مهند وهل طلبت منى أن أذهب اليك حقاً . فقال المعلم : لم أطلب منك ولكن عليك أن تاتينى كل يوم حتى تجد انك لم تعد بحاجه لذلك .
انزوى مهند بعيدا بعد أن شكر أستاذه وودعه وظل يقرأ الورقه ويحفظ ما فيها ويتلفت حوله وينظر هل يراه أحد . حيا المعلم طلابه وبدأ فى شرح قواعد النحو وينتاب مهند قلق يكسوه فرح فرغ المعلم من جملته المكتوبه فى ورقة مهند وسأل عن اعرابها ودون تردد أجاب مهند واجاد ، واصطنع المعلم الاعجاب بتلميذه وزملائه كحال الامس بين الدهشه والاعجاب ، تصفيق حاد تلقائى من الطلاب قبل أن يطلب منهم المعلم ، بدأ الكثير من زملائه فى التودد إليه وتسابقوا إلى رفقته بعدما رغبوا عن صحبته وتجاهلوه زمناً .
انتهى اليوم الدراسى وعاد الى بيته منتشياً يرى ألعابه ولا يكترث لها ، رتب غرفته على عكس ما اعتاد رغبه عاصفه تجتاح كيانه نحو التفوق ، يذاكر كافة دروسه بنهم ويستدرك ما فاته ، حتى اللغات الاجنبيه التى كان ينفر من تعلمها تغيير للافضل أبهر كل معلميه . توهج نجمه بين جميع أقرانه بعدما عاش معتماً لايراه أحد . شراره أطلقها عمداً أستاذه بحيلة بسيطه أضائت جنبات حياته . فخلع عن ذاته جلباب الكسل ونفض غبار الخمول وأيقظ بداخله مارد الاجتهاد من سباته العميق .
كان يمتلك المقومات ولكنه بالغ زمناً فى تجاهلها ، حتى أثمرت على يد أستاذه بمواقف متكرره ورقه يعطيها له خلسه ، يزداد بها بريقه وتنتشى بها روحه ويصول فى أروقة الفصل لا يُشق لكلماته الرنانه غبار .
كان يُفحم كل معلميه ببراعة ردوده وبريق أجوبته . فى مضمار التفوق صار يعدو وحده .
وكلما طاردته نظرات الانبهار فى عيون رفقاء الدراسه ، استغلظت ارادته واستوت علي سوقها عزيمته ، وركضت بقوه أفكاره نحو الغد الذي ينشده . افتقده أستاذه أيام فلم يعد يأتيه فى قاعته .فسأله عن ذلك فقال :
الان اكتفيت وأكمل الطريق وحده نحو القمه .