حوادث و قضايا

مارك رامو يكتب: محاولة لضبط المفاهيم (1).. المبادئ الثلاثة للجغرافيا السياسية السيادية

Le Dialogue بالعربي

البوابة نيوز

تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
google news

ماذ تعنى الجغرافيا السياسية السيادية؟ كيف يمكن أن تلهم السيادة عقيدة العلاقات الدولية؟ الهدف هو مواجهة النموذج الحالى القائم على الهيمنة التى لا تطاق، والتى لا تطاق أكثر من أنها تدعى التصرف باسم الأخلاق وهذا بالإضافة إلى النفاق من أجل الوصول للهيمنة.

لن نتظاهر بالرد على مثل هذا الموضوع الواسع بمقال قصير وسنقوم فقط بتحديد الخطوط العريضة لثلاثة مبادئ يمكن أن تكون نقطة البداية لجغرافيا سياسية ذات سيادة؛ فإذا طبقنا هذه المبادئ، لكان بالإمكان تجنب العديد من الحروب الأخيرة. وبعيدًا عن الصراعات نفسها، فإن هذه المبادئ ستجعل من الممكن فرض الاستماع والأخلاق الحقيقية بين الأمم، وليس الأخلاق الحالية للقيادة.

المبدأ الأول: السيادة متبادلة

يجب أن يكون هذا واضحًا، لكن صاحب السيادة الحقيقى يفعل أكثر من مجرد الدفاع عن سيادة أمته كما أنه يحترم الآخرين. إذا لم يطبق لنفسه الاحترام المشروع الذى يدعيه لبلده بمراعاته تجاه الآخرين، فهو مجرد إمبريالى مبتذل.

وفى الحقيقة، فإن مبدأ المعاملة بالمثل لا يعتبر فقط مدونة أخلاقية بل إنه العمود الفقرى للوظيفة العضوية للعالم وللعلاقات الجيوسياسية.

وهنا أستخدم تشبيهًا بيولوجيًا لفهم السيادة ولم تظهر الأمم بالصدفة كما أنها ليست ظاهرة مؤقتة فى التاريخ.. الأمم مثل الخلايا الحية فى علم الأحياء؛ هى توازن بين الانفتاح والانغلاق.. بين التبادلات مع الخارج والحفاظ على النواة الداخلية.

الخلية الحية ليست مخبأ ولا منطقة مفتوحة فلقد وهبت بغشاء، أى فاصل، يفصل بين الخارج والداخل.. غشاء ترشيح يسمح بالتبادل ولكن يجعلها انتقائية؛ فالخلية تعرف ما ترحب به وما ترفضه. وبالفعل الحفاظ على هذا التمييز ضرورى للحفاظ على حياتها حيث تشير السيادة مرة أخرى إلى النزعة الطائفية- إغلاق القبو- والعولمة – وتحريك كل الرياح – وهما شكلا الموت.

ثانيًا، يتم تنظيم الخلايا فى شبكة، كل منها يشغل تخصصًا داخل الجسم؛ فتنظيم الأحياء شبكي، تمامًا مثل تنظيم العالم وهناك نسيج جيوسياسى مشابه للنسيج الخلوي: أى قطع محلى له عواقب عالمية، والخلايا مترابطة.. تخضع الحدود التى تحدد بنية الشبكة لتوازن معقد لا يمكن تعديله بدون عواقب متتالية.

 

كان كلود ليفى شتراوس قد شدد على أن ازدهار الحياة كان مسألة توازن مسافات.. الكثير من القرب بين الحضارات يقتل، كما أن المسافات البعيدة تقتل أيضا. وفى الحقيقة، الاحترام المتبادل للحقوق السيادية ليس مجرد مراعاة أخلاقية لمبدأ المعاملة بالمثل؛ بل هو وعى بتوازن الأمم وحماقة التدخل الأحادي، دون تحليل العواقب المتتالية على النسيج بأكمله.

لقد نشأت تدخلات الولايات المتحدة فى الشرقين الأدنى والأوسط فى العقود الأخيرة من هذا التبسيط الوحشي، من الغباء أو الحسابات، أو مزيج زكى من الاثنين. كما هو الحال فى عالم الحياة، لا يوجد عمل لا لبس فيه ونحن فى مجال علم الأحياء وليس فى مجال العلوم الفيزيائية: أى فعل يولد رد فعل معاكسًا. وسواء فى المسرح العراقى أو الأفغانى أو الليبى أو السوري، عاد هذا الأثر المرتد إلى وجوههم بالكامل، مما أدى إلى وضع أسوأ من السابق.

هذا لا يعنى أننا يجب ألا نتدخل أبدًا فى المسرح الجيوسياسي. لكن فى هذه الحالة، يجب أن ندرك أن انتهاك السيادة لا ينطبق إلا فى حالات استثنائية للغاية. وأن الشاغل المشروع الأول للدولة التى تتدخل يجب أن يكون استعادة السيادة الكاملة والتامة للدولة التى تحتلها فى أسرع وقت ممكن.

ولا شك أن احترام هذه الاستعادة السريعة للسيادة هو المعيار الحقيقى الوحيد الذى يمكن أن يبرر مزايا وصدق التدخل. وإذا كانت الجغرافيا السياسية للولايات المتحدة تستحق النقد بشدة فى العقود الأخيرة، فذلك لأن أقل ما يمكن قوله هو أنها لم تحترم هذا المبدأ بأى حال من الأحوال.

الفيلم الممتاز “المنطقة الخضراء” الذى دار عن احتلال العراق يوضح الأساسيات فى هذا الموضوع؛ فالولايات المتحدة الأمريكية رفضت بل وخربت مقترحات القوى العراقية الداخلية لإعادة إعمار معقول ومنطقى لمؤسسات البلاد!.

ونستكمل فى العدد الأسبوعى المقبل.

معلومات عن الكاتب: 

مارك رامو.. خبير اقتصادى فرنسى ومتخصص فى مجال التكنولوجيا الفائقة له عدة مؤلفات، من بينها كتاب The Tao of Economics “الاستخدام الجيد لاقتصاد السوق” وصدر فى فبراير 2020.. ينضم للحوار بهذا المقال عن الأسس الثلاثة التى تقوم عليها الجغرافيا السياسية.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى