الرئيسيةملتقى الإبداع

“نوبل” للأدب تتحرر من قيود العنصرية وتنتصر لمعاناة اللاجئين

جاء فوز الروائي عبد الرزاق جرنة بجائزة نوبيل للأدب لعام 2021 بمثابة انتصار جديد يحققه العالم ضد العنصرية و توثيق لمعاناة حقيقية يعشها اللاجئن حول العالم

وبررت لجنة التحكيم هذا الاختيار بأن صاحب رواية “باراديس”، يتميز بسرد للأحداث “يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات”.

 وكان الروائي قد قال في مقابلة تعود إلى 2016 “أريد بكل بساطة أن أكتب بطريقة تكون أقرب ما يكون إلى الحقيقة وأن أقول ’ما فيه نُبل‘”.

ومن بين الفائزين الـ 117 في فئة الآدب منذ بدء منح جوائز نوبل، بلغ عدد الأوروبيين أو الأمريكيين الشماليين 95، اي أكثر من 80 في المئة، وفي مقدمتهم عميد الأدب العربي نجيب محفوظ.

وكان أعضاء لجنة التحكيم يؤكدون باستمرار أن الجنسيات لا تهمهم. ولكن بعد فضيحة ضمن موجة “مي تو” هزت الأكاديمية عام 2018 مما أدى إلى تأجيل نادر لجوائز نوبل، أعلن عن تجديد نهجها من خلال التوجه نحو مزيد من التنوع في الأنواع والقارات.

وقال رئيس لجنة نوبل أندرس أولسون في خريف عام 2019 “في السابق، كان لدينا منظور للأدب يتركز على أوروبا، أما الآن فننظر في كل أنحاء العالم”. ومنذ ذلك الحين، تم احترام المواصفات جزئيا، إذ فازت بالجائزة امرأتان هما الروائية البولندية أولغا توكارتشوك بأثر رجعي عن عام 2018 ، والشاعرة الأمريكية غير المعروفة لويز غلوك العام الفائت، فيما حصل عليها رجل واحد هو النمسوي بيتر هاندكه.

ومنذ فوز الصيني مو يان عام 2012، لم يُتوج سوى كتاب من أوروبا أو أمريكا الشمالية، وتجلت جرأة الاختيار بالأحرى في النوع، كمنح الجائزة للمغني والشاعر والملحن بوب ديلان عام 2016.

قضايا الهجرة والاستعمار

ويتميز الروائي عبد الرزاق جرنة المولود في زنجبار والمقيم في بريطانيا بأعماله التي تغوص في آثار الاستعمار والهجرة على الهوية. وقد كوفئ بالجائزة الأدبية الأرقى تقديرا لسرده “المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات”، بحسب لجنة التحكيم التي أشادت بـ”تمسكه بالحقيقة وإحجامه عن التبسيط”.

وكان الروائي قد قال في مقابلة أجريت معه في فرانكفورت سنة 2016 “أريد بكل بساطة أن أكتب بطريقة تكون أقرب ما يكون إلى الحقيقة وأن أقول ’ما فيه نُبل‘”. وجرنة هو أول كاتب أفريقي ينال نوبل الآداب منذ 2003. وقد ظن الأمر “مزحة” عندما أبلغ بفوزه بالجائزة. وفي مقابلة مع مؤسسة نوبل، دعا أوروبا إلى اعتبار اللاجئين الوافدين إليها من أفريقيا بمثابة ثروة، مشددا على أن هؤلاء “لا يأتون فارغي الأيدي”.

ولجأ جرنة المولود في زنجبار، الأرخبيل الواقع قبالة سواحل أفريقيا الشرقية وبات جزءا من تنزانيا، إلى بريطانيا في نهاية الستينيات بعد بضع سنوات من الاستقلال في وقت كان عرب المنطقة يتعرضون للاضطهاد. ولم يتسن له أن يعود إلى زنجبار سوى في 1984.

وفي مقال نشرته صحيفة “ذي غارديان” البريطانية سنة 2004، كشف عبد الرزاق جرنة أنه بدأ يكتب في الحادية والعشرين من العمر، بعد بضع سنوات من استقراره في بريطانيا. وأخبر أنه وقع في شباك الكتابة، بحسب تعبيره، من دون أن يكون قد خطّط لذلك، موضحا “بدأت أكتب بلامبالاة وبشيء من الخوف من دون أي تصوّر مدفوعا برغبة في الإفصاح عن المزيد”. ونشر منذ 1987 عشر روايات، فضلا عن قصص قصيرة. وهو يكتب بالإنكليزية حتى لو كانت السواحلية لغته الأم.

رواياته الثلاث الأولى

وتتطرق رواياته الثلاث الأولى “ميموري أوف ديبارتر” (1987) و”بيلغريمز واي” (1988) و”دوتي” (1990) إلى تجارب المهاجرين في المجتمع البريطاني المعاصر”. كما تميز خصوصا بروايته الرابعة “بارادايس” التي تجري أحداثها في شرق أفريقيا خلال الحرب العالمية الأولى. ورشّحت الرواية لجائزة “بوكر” الأدبية البريطانية العريقة. أما “أدماييرينغ سايلنس” (1996)، فهي تروي قصة شاب يغادر زنجبار ويهاجر إلى بريطانيا حيث يتزوّج ويزاول التدريس. وتؤثّر فيه سفرة إلى بلده بعد عشرين عاما من مغادرته إلى حد كبير وتلقي بظلالها على زواجه.

ورأى الأكاديمي لوك برونو أن أعمال جرنة “تطغى عليها مسائل الهوية والهجرة وهي مقولبة بموروثات الاستعمار والاستعباد”. وكتب على موقع المعهد الثقافي البريطاني أن “روايات جرنة تقوم كلها على الآثار المدمّرة للهجرة إلى بيئة جغرافية واجتماعية جديدة على هوية شخصياتها”.

وتروي “باي ذي سي” (2001) الحائزة جائزة أدبية فرنسية سنة 2007 قصّة صالح عمر وهو طالب لجوء مسلم متقدم في السنّ يعيش في مدينة ساحلية في إنكلترا.

بدوره، كتب الأديب الفرنسي الذي ينحدر من جيبوتي عبد الرحمن وابري سنة 2010  في “لو موند ديبلوماتيك” أن “روايات جرنة المتجذرة في التاريخ الاستعماري للشرق الأفريقي والعابقة بالأساطير السواحلية المطعّمة بلغة ساحرة تبحر بين القصص الإرشادية والتعايش مع آلام المنفى والاستكشاف الذاتي والتأمل في حالة البشر”. وقد نشرت روايته الأخيرة في العام 2020 تحت عنوان “آفترلايفز” ويتطرق فيها إلى الاستعمار الألماني لأفريقيا.

ويعيش عبد الرزاق جرنة في برايتون في جنوب شرق إنكلترا وقد درس الأدب في جامعة كينت حتى تقاعده منذ فترة قصيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى