محمد سويد يكتب: “وثيقة ملكية الدولة “.. لماذا يكتفي المستثمرين بالمشاهدة عن بعد !
لم يقرأ بعد ترمومتر رأس المال و قرون استشعار كبار المستثمرين تحولا جزرياً في مناخ الاستثمار المصري، يدعوهم لمزيد من المغامرة واقتحام السوق الراكدة، برغم الدعوات المتكررة والوعود المغرية، التي تبناها خطاب الحكومة خلال الفترة الأخيرة.
فعادة ما يكون التاريخ المرضي لصاحب الشكوى سبيل الطبيب لتشخيص حالته الآنية، وفي الطب النفسي نجد أن التجارب السلبية تشكل سلوك المريض، ولا تخرج هذه المقاربة عما يجب أن تقوم به وثيقة سياسات ملكية الدولة، لبحث ما آلت إليه حالة الانكماش التي شهدها القطاع الخاص في كثير من الأنشطة الصناعية والتجارية.
ولا تخرج الإجابة عن الخطوط العريضة لدراسات جدوى الأنشطة الاقتصادية، التي تكتب شهادة ميلاد المشروع أو وفاته، برصد ومدى استقرار النظام السياسي والاقتصادي، و الحالة العامة للسوق، وطبيعة المنافسة، والمدد الزمنية لاستقرار نظم المحاسبة الضريبية والقوانين الحاكمة والمؤثرة في النشاط الاقتصادى برمته، حمائية ومتخصصة..إلخ ، ولا تغفل دراسة الجدوى عوامل الفشل والتجارب السابقة وصولا إلى إمكانية التخارج في الوقت المناسب.
وعادة ما يفرح المستثمرون بالتوجهات الرئاسية والتصريحات الحكومية الداعية لانخراطهم في الاستثمار و إقامة المشروعات، وضخ المزيد من رؤوس أموالهم، لكن فرحتهم لا يترجمها إلى واقع عملي ملموس على أرض الواقع، إلا ما يشهدوه بأعينهم من إجراءات، بل وربما ينتظر الكثير منهم أن يرى تجارب حقيقية أسفرت عنها تلك الدعوات.
هذا هو حال المستثمر، مهما بلغت وطنيته، ينكمش كلما استشعر الخطر، يبقى صموده في الأزمات مرهونا بما يحققه أو سيحققه من أرباح، حالية كانت أو مستقبلية ، ويتأثر بالتجارب السلبية أكثر من تأثره بالتجارب الناجحة – وهذه طبيعة بشرية- .
ولعل ما مرت به مصر منذ 25 يناير 2011 كاشفا لأبعاد الصورة، حين اضطرت القوات المسلحة للدخول بقوة في النشاط الاقتصادي، لسد الفجوة التي أعقبت هروب المستثمرين ورؤوس الأموال، واستمر الغياب واقعا نتيجة لعدم قدرة القطاع الخاص على المنافسة أمام الشركات الحكومية.
صحيح أن الدولة المصرية لجأت لزيادة الإنفاق العام، والاستثمار العام في مرحلة معينة، وجّهت خلالها نصف الاستثمارات العامة لقطاع البنية التحتية والتعليم والصحة، وهي مجالات لا يعتقد أن القطاع الخاص قادر عليها في وقت زمني قصير، لكن يبقى سوء إدارة الحكومة الذي تحدث عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، العدو الأكبر لكل المشروعات التى أُنجِزت !
ولعل طرح مجلس الوزراء لوثيقة سياسة ملكية الدولة، في هذا التوقيت-ولو أنه متأخراً- إدراكاً لحجم المشكلة، بإقرار تخارج الحكومة من أنشطة اقتصادية بعينها، وتجميد أو تقليص حجم أعمالها في أنشطة أخرى لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص الذي يستوعب ما يقرب من 75% من قوة العمل، ويسهم بنحو %78 من الناتج المحلي، كما ترتفع هذه المساهمة لتصل الى أكثر من 90 % في بعض الأنشطة، مثل الزراعة والصناعة التحويلية والتشييد والبناء والتجارة الداخلية والسياحة والمعلومات والأنشطة العقارية والخدمات الاجتماعية،
وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، وغياب تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، يستطيع القطاع الخاص -المستثمر المحلى – أن يحدث توازناً حقيقياً في السوق، إذا ما خضعت الأنشطة التي يساهم فيها لقواعد المنافسة العادلة، وترجمت بنود هذه الوثيقة إلى دستور عمل يتسم بالشفافية والإفصاح ولا يعرف البيروقراطية القاتلة.
كاتب وصحافي مصري