سيناء مقبرة الغزاة| محاولات الغزو والتهجير وهيمنة الأعداء على أرض الفيروز فشلت على مر العصور.. نصر أكتوبر أزال آثار النكسة.. والمزرعة الصينية تحولت إلى مقبرة جماعية لجنود العدو
تعتبر سيناء هي شريان الحياة بالنسبة لمصر كونها المنطقة التي تربطها بقارة أسيا وعلى مر التاريخ كانت سيناء بوابة الغزاة وأيضا منفذ لتمدد واتساع رقعة الدولة المصرية فمنها وسع رمسيس الثاني رقعة دولته وانطلقت عبرها الجيوش لمعركة قادش التاريخية، ومنها أيضا غزا مصر الإغريق والأشوريون ومنها خرج الناصر صلاح الدين لملاقاة الصلبيين.
ولم ولن يغض الغزاة أعينهم عن مصر وعن سيناء حتى وقتنا هذا، حيث برزت أحداث طوفان الأقصى ليرفع خلالها رايات التهديد لسيناء في مخطط صهيوني كشفه الرئيس عبد الفتاح السيسي وخرج ملايين المصريين إلى الشوارع لتأييد موقفه الوطني الذي فضح الشرور الكامنة في نفوس المحتل وإرادته تصفية القضية الفلسطينية قضية العروبة جمعاء وتحويل سيناء إلى حلبة صراع وهو الأمر الذي جعل المجتمع المصري جيشا وشعبا وقيادة سياسية أن يقف بقلب رجل واحد للتصدي لهذا المخطط الغاشم.
وكانت سيناء هي حلبة الحروب بين مصر والاحتلال الصهيوني منذ عام 48 وقت تأسيس دولة الكيان وقرار الشعوب العربية بخوض حرب ضروس ضد الصهاينة المحتلين فمنذ الــ 48 شهدت سيناء معارك إبان العدوان الثلاثي ومعارك عدة إبان نكسة 67 ومعارك أخرى خلال حرب أكتوبر عام 1973 وفي كل تلك المعارك سطرت سيناء أسمى آيات الصمود والنضال المصري ودفاع المصريين عن وطنهم ووحدة أراضيهم، وتستعرض “البوابة” في هذا الملف تضحيات ونضالات المصريين التي احتضنتها أرض الفيروز…
العدوان الثلاثي ومعركة أم القطف
تعتبر معارك العدوان الثلاثي بين مصر والقوات الإسرائيلية على أرض سيناء هي الحرب الثانية بعد حرب 48 وتعد واحدة من أهم الأحداث العالمية التي ساهمت في تحديد مستقبل التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وقد خاضت فيها قوات العدو الإسرائيلي معارك عنيفة أمام القوات المصرية انتهت باستيلاء الاولى على أبو عجيلة وبير الحسنة وجبل لبني وبئر الحمة، واستغلت الفرصة كذلك لإحكام الخناق في أم قطف وأم شيحان بالاستيلاء على منطقة سد الروافعة ولكن بعد معارك خسرت فيها كثيرًا، وانتهت بتراجع القوات المصرية إلى العريش لتسيطر القوات الإسرائيلية بذلك على الطرق الثلاث التي تتحكم في جنوب سيناء. وفي ممر متلا ظلت قوات المظلات الإسرائيلية تقاتل لمدة سبع ساعات، وحاولت احتلال الممر بإرسال كتيبة مدرعة ولكن القوات المصرية حاصرتها وكبدتها خسائر فادحة، وبعد قتال عنيف استولت القوات الإسرائيلية على الممر في معركة وصفها موشيه ديان بأنها لم تخض وحدة مقاتلة مثلها من قبل.
أصدرت رئاسة الأركان الإسرائيلية تعليماتها بتأجيل الهجوم على «أم قطف» انتظارًا للضربة الجوية الأنجلو-فرنسية المخطط لها حتى لاتتعرض القوات الإسرائيلية لخسائر يمكن تفاديها بعد الضربة، فضلًا عن إضفاء صورة العملية الانتقامية على تحركاتها قبل تلك الضربة وإبعاد شبهة الحرب، ولكن خلافًا لتلك التعليمات قامت القيادة الجنوبية الإسرائيلية منتصف ليلة 29/30 أكتوبر بإصدار أوامرها إلى اللواء 10 مشاة بالاستيلاء على موقع «أم قطف» -الذي كان يشكل بجانب موقع «أم شيحان» عائقًا أمام تقدم القوات الإسرائيلية نحو القطاع الأوسط من سيناء- استغلالًا لعنصر المفاجأة.
ولكن فشل الهجوم الإسرائيلي على أم قطف، ونجح قائد اللواء 6 مشاة المصري الذي كلف بالدفاع عن تلك المنطقة بكتائبه غير المكتملة العدد أو العتاد في صد الهجمات المتتالية للقوات الإسرائيلية، بل ونجحت قواته في تنفيذ هجوم مضاد، وبالرغم من التفاف القوات الإسرائيلية حولها (من الشرق باللواء 10 مشاة، ومن الغرب باللواء 7 مدرع، ومن الجنوب الشرقي باللواء 37 ميكانيكي، ومن الجنوب الغربي باللواء 4 مشاة) لكنها لم تنجح في اختراق الدفاعات المصرية، وقُتل خلال المعارك قائد اللواء 37 ميكانيكي، وعلى إثر ذلك الفشل قام قائد القيادة الجنوبية بتغيير قائد اللواء 10 مشاة، وظلت القوات المصرية صامدة في أم قطف دون إمدادات تُمني القوات الإسرائيلية بخسائر فادحة حتى وصلت إليها أوامر القائد العام بالانسحاب شأنها شأن جميع القوات المصرية في سيناء.
ونجحت قوات اللواء 6 مشاة المصري في إخلاء أغلب أفرادها وتعطيل معداتها الثقيلة دون أن تشعر بها القوات الإسرائيلية، وعندما عاودت القوات الإسرائيلية ظهر يوم 2 نوفمبر الهجوم من الشرق والغرب بسريتي دبابات بعد تمهيد مدفعي وجوي، اشتبكت القوات الإسرائيلية مع بعضها في المواقع الخالية ودمرت 8 دبابات إسرائيلية. ذكر موشى ديان تعليقًا في مذكراته عن «معركة أم قطف» بقوله «إنها المكان الذي قاتل فيه المصريون على أفضل وجه، بينما قاتل الإسرائيليون على أسوأ صورة.»
حرب 67
تُعرف أيضا في كل من سوريا والأردن باسم نكسة حزيران وفي مصر باسم نكسة 67 وهي الحرب التي نشبت بين إسرائيل وكل من العراق ومصر وسوريا والأردن بين 5 حزيران/يونيو 1967 والعاشر من الشهر نفسه، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي؛ وقد أدت الحرب إلى مقتل 15،000 – 25،000 شخص في الدول العربية مقابل 800 في إسرائيل، وتدمير 70 – 80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2 – 5% في إسرائيل، إلى جانب تفاوت مشابه في عدد الجرحى والأسرى؛ كما كان من نتائجها صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 وانعقاد قمة اللاءات الثلاثة العربيّة في الخرطوم وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس وكذلك تهجير معظم مدني محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
لم تنته تبعات حرب 1967 حتى اليوم، إذ لا تَزال إسرائيل تحتلّ الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها، وكان من تبعاتها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973 وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي ينصّ على العودة لما قبل حدود الحرب لقاء اعتراف العرب بإسرائيل، والسلام معها؛ رغم أن دول عربيّة عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسيّة أو اقتصادية.
نصر أكتوبر والمزرعة الصينية
خامس الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948 (حرب فلسطين) وحرب 1956 (حرب السويس) وحرب 1967 (حرب الستة أيام) وحرب الاستنزاف (1967-1970) والبعض يطلق عليها الحرب الرابعة على اعتبار أن حرب الاستنزاف لم تكن مواجهات مباشرة ومستمرة بين مصر وإسرائيل بل كانت غارات وعمليات عسكرية متفرقة بين الطرفين.
وكانت إسرائيل في الحرب الثالثة (حرب 1967) قد احتلت شبه جزيرة سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا، بالإضافة إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني وقطاع غزة الخاضع آنذاك لحكم عسكري مصري بدأت الحرب يوم السبت 6 أكتوبر بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة.
وقد ساهمت في الحرب بعض الدول العربية سواء بالدعم العسكري أو الاقتصادي، ومن أبرز معاركها معركة المزرعة الصينية التي كان فيها استخدام المصريين عنصر المفاجأة مهما، مما أمكنهم من الاستيلاء على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال الأيام الأولى من الحرب هذه الخطة، التي تمت بالتنسيق مع سوريا والتي كان يطلق عليها اسم عملية بدر، فأصبح القتال مع إسرائيل على جبهتين، مما يمكّن السوريين من استعادة هضبة الجولان وغزو إسرائيل عبر غور الأردن، حيث أنه ليس من الحكمة عبور صحراء سيناء الضخمة لمهاجمة إسرائيل مما يعتبر من المستحيل عزم المصريين على استعادة الأراضي التي فقدت خلال حرب 1967على هذا النحو، فقد أعطوا أولوية لاستعادة الضفة الشرقية لقناة السويس، عمل شبكة واسعة للدفاع مكونة من صواريخ ماليوتكا المضادة للدبابات وسام 6 المضادة للطائرات، وجعل الاقتراب من الجبهة صعب في وجه الجيش الإسرائيلي.
كانت ردة الفعل الإسرائيلية أمام المفاجئة المصرية بطيئة. ففي 8 أكتوبر 1973، أمر الجنرال شموئيل جونين، قائد الجبهة الجنوبية، بشن هجمات واسعة النطاق ضد الدفاعات المصرية الجديدة على الضفة الشرقية للقناة كانت القوات المصرية على أهبة الاستعداد، وبالتالي أصبحت تشكيلات الدبابات الإسرائيلية هدفا سهلا للصواريخ بعيدة المدى المصرية وسرعان ما تم صد الهجوم مما كبد الإسرائيليين خسائر فادحة نتيجة الإحباط والحيرة بسبب فشله في اختراق خطوط القوات المصرية، أمر جونين، بوقف فوري لجميع الهجمات صب هذا في مصلحة المصريين، لكسب الوقت لحلفائهم السوريين بتعطيل الدبابات إسرائيلية في معركة دفاع ثابت (صد الهجوم بدون محاولة كسب أرض.
كان جونين، لا يزال يعاني من عدم قدرته على كسر الخطوط المصرية وفشله في إنقاذ المشاة المحاصرين على خط بارليف، مواصلا إضاعة الوقت في اجتماعات عقيمة دون وضع خطة جديدة في 10 أكتوبر، تم استبداله بالجنرال حاييم بارليف، بارليف تم استدعاؤه إلى الجبهة ثانيا تاركًا موقعه كوزير للصناعة والتجارة والعمل بناء على طلب شخصي ومباشر من جولدا مائير، التي كانت على علم بالإحباط الذي أصاب جونين، مما استدعى استبداله في محاولة لمنع انخفاض الروح المعنوية.
تحرير طابا
عقب حرب أكتوبر عقدت في 1979 اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، والتي بموجبها بدأت إسرائيل انسحابها من سيناء، وفي أواخر عام 1981 الذي كان يتم خلاله تنفيذ المرحلة الأخيرة من مراحل هذا الانسحاب، سعى الجانب الإسرائيلي إلى افتعال أزمة تعرقل هذه المرحلة، وتمثل ذلك بإثارة مشكلات حول وضع 14 علامة حدودية أهمها العلامة (91) في طابا، الأمر الذي أدّى لإبرام اتفاق في 25 أبريل 1982 والخاص بالإجراء المؤقت لحل مسائل الحدود، والذي نص على عدم إقامة إسرائيل لأي إنشاءات وحظر ممارسة مظاهر السيادة، وأن الفصل النهائي في مسائل وضع علامات الحدود المختلف عليها يجب أن يتم وفقًا لأحكام المادة السابعة من معاهدة السلام المبرمة بين البلدين، والتي تنص على حل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات، وأنه إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات بالمفاوضات فتحل عن طريق التوفيق أو تحال إلى التحكيم.
وبعد 3 أشهر من هذا الاتفاق افتتحت إسرائيل فندق سونستا وقرية سياحية وأدخلت قوات حرس الحدود فقامت الحكومة المصرية بالرد عن طريق تشكيل اللجنة القومية للدفاع عن طابا أو اللجنة القومية العليا لطابا، وتشكلت بالخارجية المصرية لجنة لإعداد مشارطة التحكيم، وعقب قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي بالموافقة على التحكيم، تم توقيع اتفاقية المشارطة بمشاركة شمعون بيريز في 11 سبتمبر 1986، والتي قبلتها إسرائيل بضغط من الولايات المتحدة وهدفت مصر من تلك المشارطة إلى إلزام الجانب الإسرائيلي بتحكيم وفقًا لجدول زمني محدد بدقة، وحصر مهمة هيئة التحكيم في تثبيت مواقع العلامات الـ14 المتنازع عليها.
وفي 29 سبتمبر 1988 تم الإعلان عن حكم هيئة التحكيم في جنيف بسويسرا في النزاع حول طابا، وجاء الحكم في صالح مصر مؤكدًا أن طابا مصرية، وفي 19 مارس 1989 كان الاحتفال التاريخي برفع علم مصر معلنًا السيادة على طابا وإثبات حق مصر في أرضها.