هل القصيدة عند الشاعر نزار قباني أهم من الحبيبة أم لا؟ (5)
آراء حرة
دق جرس جناح الشاعر الكبير نزار قبانى فاسْتَأْذَنَ فى أن يفتح باب جناحه ثم جاء وخلفه جرسون فندق الهليتون يجر عربه شاى عليها مشروبات ساخنة من القهوة والشاي وعليها أيضا زجاجتان من المياه المعدنيه وبعض انواع من الكعك والبسكوت واطباق صغيرة وكؤوس وأكواب نظيفه.
شكر الشاعر الكبير نزار قبانى الجرسون فاستأذن منصرفا بابتسامة ودودة.. أشار إلى فنجان قهوة ساخن لكى اتناوله وكنت قد قلت له عندما أصر على ان اتناول مشروبا أريد فنجان من القهوه الساده.. بعدئذ، أستكملت معه حوارى وكنت قد سألته من قبل عما يقصده من مقولته الشهيرة أن الإنسان يعيش مصادفة ويموت مصادفة؟
صَدَرَتْ عَنْهُ تَنْهِيدَةٌ وقد انخفض صوته وقال بهدوء شديد: الموت لا يحدث بِأَرَادَتِنَا ولو كان بِأَرَادَتِنَا ما مات أحد.. أنا أتعامل معه بموضوعية باعتباره شيئا لابد منه.. شيء قادم.. ولم يخلد أحد في التاريخ.. صدقنى لا يشغلني ولا يشغل بالي كثيرا.. أسمع، طالما أنا أكتب.. أحرك أصابعي.. أنتج.. اخرج كتابا.. فأنا أولد من جديد.
واستكمل: لعلك تعرف ما حدث في الأمسيه الشعرية بمعرض الكتاب التى تمت مؤخرا.. حضرها حوالي سبعه آلاف مستمع.. فى هذة الندوة شعرت أنى أولد من جديد.. هذا ما يحدث دائما في حالات الخلق.. عندما تخلق شيئا على الورق او تلقى قصائدك في مكان عام تتجدد قدرتك على الحياة.. الشعر هو التحدي الكبير للموت.. الموت لا يخاف إلا من الشاعر!.
قلت له وقد علت علامات الدهشة على وجهى وبماذا تقصد من تعبيرك ان الموت لا يخاف الا من الشاعر؟.. أبتسم وقد ارتفع صوته بقوة وهو يقول: نعم.. الموت لا يخاف الا من الشاعر لأن الشعر أكبر من الموت.. زمنيا باق أكثر..أنظر.. شاعر مثل أبو الطيب المتنبي.. هذا شاعر عربي من العصر العباسي، يعد واحدا من أعظم الشعراء العرب على مر العصور وأحد مفاخر الأدب العربي له اكثر.. أَكْثَرَ مِنْ الفِ وَمِائَتَيْنِ عام.. هل تقول أن المتنبي مات.. لا..هو مات بيولوجيا لكن لم يمت فكرا.. كذلك الشعراء فى كل مكان.. وِلْيَمْ شكسبير.. دانتي.. شارل بودلير.. آرثر رامبو.. كلهم باقون.
المتنبي الشاعر تذكره كل يوم.. تلتقط بيتا من أبيات شعره.. أبيات شعره موجودة على موائدنا.. في اجتماعاتنا.. فوق أرصفتنا.. في مكاتبنا.. ولذلك يوجد موت مستحيل.. وهو موت الشعراء وأيضا المشاهير..أما موت الخلايا.. فهو موت كل البشر..يا سيدي القصيده هي الخالدة.
بعد أن التقط أنفاسه وعاد إليه الهدوء بعد انفعاله الشديد سألته: وهل يشغل بال الشاعر الكبير الحياة الآخرة؟.. أجاب بطريقته الشامية الجميله بأنه لا يفكر في الحياة الآخرة، ثم قال وهو يؤكد على كلامه: أنا لا أشغل بالى بها.. صعب…رغم أننى أؤمن بنظرية التناسخ أو التقمص.. دورة الحياة..انتقال الحياة من كائن لكائن.. واحد يموت يطلع كائن آخر.. ربما من جسده.. شجرة تسقط تطلع أغصان جديدة خضراء.. وردة تموت تطلع منها وردة أخرى.. سلسلة من الولادات تنتصر دائما على الموت.. فيها تتجدد الحياة.
سألته وقلت له أعرف أيضا انك ضد الوظيفة أليس هذا صحيحا؟.. ضحك الشاعر الكبير وقد امتلأت ملامح وجهة بهجة من سؤالى.
بإذن الله الأسبوع القادم أكمل حوارى مع نزار قبانى أكبر شاعر عربى كتب شعرا فريدا عن المرأة والحب