كُتاب الكيان

أيمن عطية يكتب: ياسرعرفات.. وما خفي أعظم

يبدو لي أن العقود الخمسة الأخيرة، برز فيها اسمان على رأس قائمة التقدير والاحترام الإنساني من موقع النضال والتفاني من أجل قضية وطنية عادلة، وهنا نفصد ونيلسون مانديلا وياسر عرفات.

قبل الزعيم العربى الفلسطيني ياسر عرفات بل وبعده تضم قائمة النضال من أجل تحرير فلسطين قائمة طويلة من الأسماء.

لكن يبقى أن هذا الرجل وضع لنفسه مكانة شديدة الخصوصية، فهو من لم يبخل بالروح وفي الوقت ذاته من لم يتردد في مد اليد من أجل تسوية سياسية.

وهو من اعتمد تحرير فلسطين كل فلسطين هدفا وهو من وقع على دولة فلسطينية فوق اثنين وعشرين بالمائة فقط من فلسطين التاريخية، وفي كل الأحوال كان شعبه وأمته خلفه دون تخوين له أو اهتزاز ثقة، وهذا ندر أن يتوفر لأحد.

غموض رحيل الزعيم عرفات، زاد من ثقة أهله في أنه كان عقبة أمام مخططات استهدفت القضية، وأن ما بدا منه علنا من خطاب تصالحي لك يكن ابدا إلا حسن قراءة لما يشهده العالم من واقع وتفيرات وامتلاك رائع للمفردات التي يجب أن يخاطب به العالم.

ومن الرأي أنقلكم إلى الحكاية ، وما وقع من ابو عمار اسرده دون تدخل وشهود الوقائع منهم من سيقرأ هذا المقال..

في زيارة للزعيم ياسر عرفات إلى مصر، وفي النادي الدبلوماسي بالقاهرة، سمح بإدخال موفد إحدى وسائل الإعلام اليابانية إليه لإجراء حوار معه، وبعده يسمح لموفد إذاعة صوت العرب وكان ساعتها الزميل شحاتة أبو المجد متعه الله بالصحة والعافية.

ما حدث أن دخل موفد صوت العرب بالدخول أولا وبعد إتمام الحوار سأل ابو عمار عن موعد إذاعة أو نشر الحوار، فأجاب الزميل شحاتة بموعد الإذاعة وحينها أدرك ابو عمار أن التسجيل كان مع صوت العرب فانفعل بشدة طالبا الشريط الذي أجري عليه الحوار.

وقام بتحطيمه بنفسه، وحينها كان الدرس العاكس لجانب من شخصية ياسر عرفات وهو أن ما يقال للشرق الآسيوي من مفردات ليس هو ما يقال عند مخاطبة الجمهور العربي.

وما يقال في الغرب حتما مختلف عما يخاطب به الفلسطينيون أنفسهم، وهذا فهم المفردات السياسة وسيكولوجية الشعوب وليس تناقضا في الخطاب، اللهم إلا كان من سيقرأ هذه الواقعة سيقرأها محاطة بكثير من سوء النية المبيت.

واقعة ثانية كانت في مع بداية الألفية الحالية، وحينها دخلت الي ستوديو هواء إذاعة صوت العرب، فوجدت الكبيرين صبري صبيحة رحمه الله وأمينة صبري متعها الله بالصحة والعافية، ومعهما على تليفونيا الزعيم عرفات.

لن أقف كثيرا عند ما قال في الحوار رغم روعته وروعة العملاقين الذين كانا يحاورانه، لكن سأقف عند طول فترة الحوار، وعند المداعبة التي لم تغب عن حديث الرجل، وعن إدراكه التام مع من يتحدث، وكيف أن البهجة كانت مسيطرة عليه وعلى الاستوديو بكل من فيه، وكيف أن الزملاء من الهندسة الإذاعية ومن المذيعين منهم من دخل الى الاستوديو ليتابع ومنهم من وقف خلف الباب لمتابعة ما يقوله عرفات.. وهذه حالة لا أذكر أني رأيت لها شبيها في حياتي المهنية.

في نوفمبر عام 2004، رحل عرفات، وعلى مدار هذه السنوات السبعة عشر تخرج شهادات عن الرجل ومواقفه، بعضها من رفاق دربه وبعضها من إعلاميين، بعضها من مسؤولين غير عرب وبعضها من مسؤولين عرب، وبعد كل هذا يأتيني استاذ العلوم السياسية والتاريخ المعاصر بجامعة أنسبروك النمساوية د. عادل السيد ليقول إننا لا نعرف عرفات أو لم نعرفه بقدر كاف، ويؤكد حديثه بإحالتي لما كتبه قادة الاشتراكية الديمقراطية في العالم، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران ، ولهذا حديث آخر…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى