كُتاب الكيان

د.محمد طلعت يكتب| دفاع المتهم قبل تحريك الدعوى الجنائية

لا ينكر منصف أهمية الإجراءات السابقة علي تحريك الدعوي الجنائية، ذلك أن الاستدلال مرحلة تمهيدية من الإجراءات سابقة علي مراحل الدعوي الجنائية – التحقيق والمحاكمة – تهدف إلي جمع المعلومات بشأن الجريمة ، حتي يمكن للنيابة العامة من بعدها أن تتخذ قرارها بمدي ملاءمة تحريك الدعوي من عدمه.

مرحلة الإستدلال

هي مرحلة تكوين الدليل وإن كانت لا تتولد عنها أدلة، في الواقع ، مرحلة الاستدلال وإن كانت ليست من مراحل الدعوي الجنائية، إلا أنه لا يمكن أن ننكر أهميتها في تكوين المراحل الأولي للدليل الجنائي، فهي النواة التي تحتضن البذور الأولي للدليل، والذي قد ينمو عبر مراحل الدعوي الجنائية التالية لمرحلة الإستدلال.

 فينمو ويقوي ويجد دلائل أخري في أوراق الدعوي تدعمه، فيضرب وقائع الدعوي في مقتل، وإما أن ينمو وحيدا منفردا، فلا يجد دعائم للإدانة تسانده وتشد من أزره، فَيُقضي عليه فيموت، وبالتالي لا قيمة له في الاثبات .

وقد أكدت محكمتنا العليا ذلك بقولها” إجراءات الإستدلال أيا كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية، بل هي من الإجراءات الأولية التي تسلس لها سابقة تحريكها”.

والسؤال هنا: هل اشترط القانون حضور محامي مع المتهم في مرحلة الإستدلال؟

 التشريع المصري:

 رُغم أن مرحلة الإستدلال هي المرحلة الأولية التي تحتضن الدليل القانوني ، إلا أن المشرع  المصري لم يولي هذه المرحلة الهامة ثمة أهمية، ذلك أنه لم يتطلب أن يحضر محامي مع المتهم في مرحلة الاستدلال.

 فنص في المادة 77 من قانون الاجراءات الجنائية في فقرتها الأخيرة علي ان” للخصوم الحق دائما في اصطحاب وكلائهم في التحقيق” وقد فسر استاذنا الدكتور محمود نجيب حسني هذا النص، بأن حضور المحامي يقتصر علي مرحلة التحقيق، ولا يسري هذا النص علي مرحلة الاستدلال. واكدت ذلك محكمتنا العليا في احد احكامها حين ذهبت الي ان ” إذا منع مأمور الضبط القضائي محامي المتهم من الحضور معه أثناء إدلائه بأقواله، فلا يترتب علي ذلك بطلان المحضر الذي أثبت فيه الأقوال”

فالأمر أصبح بذلك سلطة تقديرية لمامور الضبط القضائي، ان شاء سمح للمحامي بالحضور، وان لم يشأ منعه.

والحقيقة التي لا مراء ولا كذب فيها، أن المشرع المصري لم يوفق في هذة المسألة، وكذلك القضاء من بعده، هل غاب عن المشرع الدور الذي يلعبه المحامي في مرحلة الاستدلال للحفاظ علي الدليل من العبث منذ ولادته، يبدو لنا ان أهمية دور المحامي تبدو اكثر فعالية في مرحلة الاستدلال. سيما أن هذة المرحلة مرحلة تحضيرية للمحاكمة، يراقب خلالها المحامي اجراءات الاستدلال ، وعدم المساس بالضمانات التي قررها القانون للمحتجز.

التشريع الفرنسى:

موقف المشرع الفرنسي من حضور المحامي مع المتهم في مرحلة الاستدلال مختلف  ، لعلني أعترف بان المشرع الفرنسي، احسن صنعا، عندما أدخل تعديلا هاما علي اجراءات الاستدلال، مدعما دور المحامي في هذة المرحلة الخطيرة السابقة علي مرحلة الدعوي حيث نص صراحة في القانون الصادر في 15 يونية 2000 المعدل بالقانون الصادر في 9 مارس 2004 علي انه يجوز للشخص في مرحلة الاستدلال ان يطلب مقابلة محاميه، منذ بداية احتجازه، وبعد انقضاء عشرون ساعة من الاحتجاز ، فإن لم يكن في استطاعته اختيار محامي ، أو اختاره ولم يستطيع التواصل معه، جاز له أن يطلب ندب محاميا بواسطة نقابة المحامين” 

وواقع الامر ان هذا التعديل يخلق التزامات جديده يبررها التدعيم الفعال لضمانة حق الدفاع في مرحلة الاستدلال ، وبالتالي يزيد من فعالية دور المحامي بالنسبه للمتهم.

وبحسب النص، وضع المشرع الفرنسي التزاما اجرائيا علي عاتق مامور الضبط القضائي باخطار المحامي، ونتيجة لذلك يجب علي مامور الضبط ان يخطر المحامي او نقابة المحامين، بوجود متهم لاتخاذ اجراءات الاستدلال.

والحقيقة ان المشرع الفرنسي، لم يقف عند هذا الحد من التعديلات ، بل شغل حق الاستعانة بمحامي في مرحلة الاستدلال مكان القلب، في التعديلات الهامة التي ادخلها علي قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي في تعديلاته الثلاثة منذ عام 2011 ، وقد وسع قانون 27 مايو 2014 من حقوق المشتبه به في مرحلة الاستدلال ، وقد اكمل قانون 3 يونيو 2016 مهام الاستعانة بمحام.

واخيرا، نأمل ان يحذو المشرع المصري حذو نظيره الفرنسي، مبتكرا نصا جديدا بضرورة حضور محامي مع المتهم في مرحلة الاستدلال، حفاظا علي الضمانات الاجرائية للمتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى