صناع التاريخكُتاب الكيان

من القرامطة إلى جهيمان |”دماء في حجر الكعبة “

يرويها| عماد زعيتر

على مر تاريخها تعرضت الكعبة المشرفة -أطهر بقاع الارض وأعظم المقدسات في الاسلام – لإنتهاكات وتعديات من أعداء الإسلام وكان أولهم أبرهة فى واقعة الفيل – انتقم الله منهم شر إنتقام- لكن بنو الإنسان لم يعتبروا وتوالت الإنتهاكات.

الانتهاكات على مر التاريخ كانت متفرقه ، ففي سنة ٣١٧ هجريه أبو طاهر القرمطي ملك البحرين هجم بجيشه يوم ٨ ذى الحجة على مكه واستباح حرمتها يوم التروية ، دخل بجيشه المسجد الحرام وقتلوا الحجيج وهم بملابس الإحرام حاول بعض الحجاج الفرار، لكن القرامطه أدركوهم في شعاب مكه وقتلوهم ، تعلق بعض الحجاج بأستار الكعبه لتكف عنهم ايدي القتله فحصدت السيوف الهائجه أرواحهم .

٣٠ ألف حاج قتلوا

قدر المؤرخون أن عدد الحجاج الذين قتلوا علي يد القرامطه ب ٣٠ ألف حاج ، ولم تسلم بئر زمزم من فجورهم فأخذوا من جثث الحجيج ورموها في بئر زمزم حتي ردموها أبو طاهر يصرخ أين الحجارة من سجيل ؟

وقف أبو طاهر في صحن الكعبة وصرخ بأعلى صوته أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل ، نهب القرامطه محتويات الكعبه من الداخل وأرادوا سرقة مقام ابراهيم لكنّ السدنه أخفوه ،أمر أبو طاهر أتباعه بخلع كسوة الكعبه فنزعوها وقسمها على أصحابه صعد أحد جنوده لسطح الكعبة ليخلع الميزاب فسقط ميتاً ، أمر اتباعه بخلع باب الكعبه فضربوا عليه بالمطارق حتى خلعوه ، وصرخ مستهزءً للمره الثانيه أين رب البيت أليس للبيت رب يحميه ؟.

القرامطة يسرقون الحجر الأسود

القرامطة يسرقون الحجر الاسود أيام عصيبة شهدتها مكه وقد عاث القرامطة فيها فساداً وملأوا شعابها برائحة الموت نهبوا وسرقوا ولم تسلم النساء الحرائر من فجورهم وحين قرر قائدهم الرجوع بجيشه إستلوا الحجر الاسود وحملوه معهم فتبعهم أمير مكه المُعين من قِبل الخليفه العباسي وعرض عليهم المال في مقابل استرجاع الحجر فرفض أبو طاهر ودارت بينهم حرب ، قُتل فيها أمير مكه وكثير من جيشه وبعض أهله .

بنى القرامطه بيت كبير في القطيف ووضعوا فيه الحجر وأمروا الناس بالحج لهذا البيت فأمتنعوا فقتلوا منهم الآلآف .

مكة بلا حج لسنوات عجاف توقف الحج لمدة عشر سنين للخوف الذي داهم الناس من تكرار المذبحه . ذكر المؤرخون أن قوام جيش القرامطه على أقصي تقدير كان ٢٧٠٠ مقاتل لكنهم استطاعوا أن يفرضوا إتاوة على الخليفه العباسي الذي دبّ الضعف في أرجاء مملكته ، مؤسس القرامطه هو أبو حمدان الاشعث القُرمطي مجوسي تظاهر بالاسلام ، انضم للشيعه الاسماعليه ثم انقلب عليهم ، مات أبو طاهر القُرمطي أشهر قُواد القرامطه بمرض الجدري سنة ٣٣٢ هجريه وضعفت دولته من بعده . بدأت الناس من جديد تمارس شعيرة الحج ، و الحجر لم يكن في موضعه وبعد مرور ٢٢ سنه أعاد القرامطه الحجر ، بعض الروايات بررت ردهم للحجر بأن الخليفه الفاطمي هددهم بالحرب ، وروايه أخرى تؤكد بأن الخليفه العباسي افتداه بالمال .

وبذلك انتهت محنه من أكبر عواصف التاريخ الاسلامي التي شهدت أرض مكة على قسوتها .

جهيمان يحاصر الكعبة

وباختلاف الزمان تعرضت الكعبه لمحنه جديده وتحديداً سنة ١٤٠٠ هجريه غرة محرم الموافق ٢٠ نوفمبر ١٩٧٩ جهيمان يحاصر الكعبة ويتخذ المصلين رهائن بداية الاحداث كانت بعد صلاة الفجر ،

وقف جهيمان العتيبي يطالب بالبيعه لمحمد بن عبدالله القحطاني كخليفه للمسلمين ، زعماً منه أن القحطاني هو المهدي المنتظر ، قد أنشا جهيمان قبل سنوات جماعة سماها السلفية المحتسبة دعت للزهد والتقشف والالتزام بما جاء في النصوص ، أشرف على الجماعه في بداية عهدها الشيخ أبوبكر الجزائري ، الذي لمس فيهم بعد فتره تطرف فكرهم وفساد عقيدتهم فسرعان ماتركهم وحذر منهم .

أسلحة في توابيت الموتى كان بحوزتهم سلاح أدخلوه للحرم في توابيت خشبيه ليتوهم الأمن أن بها جثامين لموتى سيُصلى عليهم صلاة الجنازه . وبسرعه تم توزيع السلاح على أتباع جهيمان ، وكان عددهم ٢٠٠ فرد من ١٢ دوله وكانوا قناصة مدربين ، ألقى أحدهم ويُدعى خالد اليامي عبر مكبرات الحرم خطبة تناول فيها بالنقد الاذع آل سعود ، ودعا أهل مكة وما حولها لمبايعة المهدي .

سيطر المسلحون في خلال ساعه على الحرم المكي ، بعدما أغلقوا أبواب الحرم ونوافذه وحصنوا أنفسهم ، وكانت خطتهم التي أعدوها مُحكمة وسرت الأمور كما أرادوا في البداية . أسرعت قوات الأمن السعوديه الى الحرم فتصدي لهم المسلحون . لم يكن الأمن السعودي متهيأ للامر وتعامل بحذر حرصاً على سلامة الرهائن من المصلين . تجدد الاشتباك في اليوم التالي وسقط قتلى من الجانبين ، أضرم المسلحون النار في السجاد وتصاعد الدخان بكثافة ، وانعدمت الرؤية واختبىء المسلحون خلف الأعمدة ، ثم انهالوا علي قوات الامن وأمطروهم بالرصاص فسقط ضحايا من الجانبين .

وكأن الكعبه كانت على موعد مع الدماء فى الاشهر الحرم . انتشرت قوات الامن والكتائب المسلحه وفرضت طوقاً أمنياً حول الحرم ، حدثت أكثر من محاوله من جانب القوات السعوديه لاستعادة الحرم ، وفي كل مرة يتصدي لهم جهيمان وأتباعه ويسقط المزيد من الضحايا . عدد كبير من المصلين نجحوا في التسلل من المسعي ، ومناطق أخرى وبعضهم اضطر أن يبايع القحطاني ، وبعضهم أخلي جهيمان سبيله لوجود اطفال أو نساء معه ، كان عدد الرهائن من المصلين قرابة ٥٠ ألف وكانوا من جنسيات مختلفه فصارت قضية رأى عام عالمي .

” علماء المملكة يقرون بالمواجهة الناريه ” كان ولي العهد الامير فهد بن عبد العزيز يحضر القمه العربيه في تونس فتصدى الملك خالد الذي كان يعاني من وعكه صحية للأمر ، وحصل علي فتوي من ٣٢ عالم من كبار العلماء بالسماح باستخدام القوه ، وإدخال أسلحه للحرم لانهاء الحصار . حدثت مناوشات متكرره بين الامن السعودي والمسلحين الذي غرر بيهم العتيبي فانتشرت رائحة الموت في الحرم المهدي الذي انتظروه في قائمة القتلى وكان من ضمن القتلى القحطاني الذي أثر موته في أتباعه ، فبدأو يستفيقوا من وهمهم ويرجعوا عن غيهم وعادوا بالسؤال على أنفسهم ، كيف يموت المهدي ومن سيملأ الارض عدلاً ؟.

بدأت الهزيمه النفسيه تهز كيانهم خاصة مع نفاذ الاكل والذخيره ، وقد تم قطع المياه والكهرباء عن الحرم لشل حركة المسلحين ، وحلّق الطيران بالقرب من الحرم لرصد حركاتهم ، وقد استخدم الأمن السعودي الاسلحه الثقيلة لاجبار اتباع جهيمان للتخلي عن مواقعهم ودحرهم بعيداً عن المآذن .Enter

سحب الدخان تشهد

سحب الدخان تشهد باحتدام المعركة كان الدخان المنبعث من الحرم تشاهده كل أحياء مكه . بعد خمسة أيام من القتال ترك المسلحون ساحة الكعبه ، ونزلوا لطابق تحت الارض به عشرات الغرف وتحصنوا فيها ، تم تحرير الرهائن واعلنت السلطات السعوديه سيطرتها علي الحرم ، ولكن عدم بث شعائر الصلوات أبقى الخوف مختبئا في ضلوع أهل مكة .

آنذاك كانت العلاقات بين القاهره والرياض تشهد توتراً كبيراً على أثر اتفاقية كامب ديفيد لكن الرئيس السادات أرسل فرقة من ” الكوماندوز ” المصري لتساعد القوات السعودية في فك الحصار . خندق حول الكعبة تم حفر خندق يصل للمسلحين المتحصنين تحت الارض ، ومكث العالم كله يتابع في صمت الذي يحدث في مكة ، ارتبك المشهد السياسي وكأن زلزال ضرب العالم الاسلامي ، حتى يوم ١٤ محرم في العاشرة صباحاً اقتحمت قوات الأمن الحرم من باب العمره ، وتم القاء الغاز الكثيف من الخندق فخرج المسلحون رافعي ايديهم ، بعدما لطخوا الكعبه بدماء الابرياء . كان عدد الضحايا من المصلين ١٥٠ وفقاً للروايه السعوديه ، وبعض التقارير المسربه أشارت لاكثر من ذلك ، وكان عدد القتلي من المسلحين ٢٨ وتم تنفيذ حكم الاعدام على ٦٣ من بينهم جهيمان ، في ٤ ساحات كبيره في المملكه وصدرت أحكام بالسجن ضد الباقي منهم . قضى جهيمان من عمره ثمانية عشرة سنة يعمل في الأمن الوطني السعودي ، وفي شبابه كان يتاجر بالمخدرات وأنهي حياته بالاعتداء علي أشرف بقاع الارض ، في فاجعه مدوية جرّت علينا ذكريات مريره . حفظ الله البيت الحرام وأدام علي المملكه عزها وأمنها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى