د. زياد بهاء الدين يكتب: وثيقة ملكية الدولة خطوة مهمة.. ومحاذير ودعوة للتفاعل
دُعيت الإثنين الماضى لحضور الاجتماع الذى عقده السيد رئيس مجلس الوزراء لطرح المسودة الرسمية من «وثيقة ملكية الدولة» للحوار المجتمعى، والذى يفترض أن يمتد ثلاثة أشهر تمهيدًا لصدور الوثيقة فى نصها النهائى. وقد حضر العديد من ممثلى الحكومة والقطاع الخاص وخبراء القانون والمحاسبة والتمويل.
فى تقديرى، إن هذه خطوة إيجابية للغاية.. أن تبادر الحكومة باقتحام هذا الموضوع الشائك والمؤثر فى مستقبل الاستثمار والتنمية بعدما كان الحديث عنه مشوبًا بالحذر، وأن تعد وثيقة ذات طابع منهجى مدروس، وأن تطرحها بشفافية للحوار.. هذه ثلاث مقدمات جديرة بالتقدير والاحترام، وآمل أن تكون معبرة عن أسلوب جديد فى تناول القضايا الكبرى التى تشغل المجتمع.
وإسهامًا فى الحوار، سوف أطرح بعض الأفكار المبدئية فى حدود مساحة هذا المقال.
الوثيقة المطروحة تتجاوز ما يمكن وصفه بالبرنامج الاقتصادى المعتاد، بل هى تعبير عن سياسة حقيقية وتوجه اقتصادى قد يحكمنا لسنوات قادمة ويؤثر فى مختلف أوجه النشاط بل الحياة. ومقارنة الأستاذ عبدالفتاح الجبالى لها، أثناء الاجتماع، بـ«ورقة أكتوبر» التى أطلقها الرئيس الراحل أنور السادات ومهدت فكريا ومنهجيا للتحول الاقتصادى لما بعد نصر ٧٣، مقارنة فى محلها.. لهذا فالوثيقة تستحق أن تناقش من الناحية الفكرية باهتمام وجدية قبل الدخول فى تفاصيلها التنفيذية.
ومن ناحية الشكل، فإن بعض الحاضرين اقترحوا أن تصدر فى شكل قانون كى تلتزم بها الدولة مستقبلا. وأختلف مع هذا الرأى، لأن الوثيقة سوف تعبر عن توجه سياسى واقتصادى واجتماعى ينبغى ألا يصاغ فى شكل أحكام ومواد. وهذا لا يقلل من فاعليتها، بل إن صدورها بشكل رسمى وفى أعقاب حوار مجتمعى سوف يلزم الدولة بنصها وكذلك بروحها.. وهذا أفضل. ويظل للبرلمان دور مهم فى مناقشتها أولًا، ثم فى إصدار التشريعات التى قد تكون لازمة لوضعها موضع التطبيق الفعلى.
أما عن مضمون الوثيقة، فإن الحوار الذى جرى مع السيد رئيس الوزراء وفى الإعلام خلال الأيام الماضية ركز وبشدة على «تخارج» الدولة من صناعات بعينها، كما لو كانت الوثيقة برنامجا جديدا للخصخصة وإن كان باسم مختلف. وفى تقديرى أن هذا ليس الهدف المقصود من الوثيقة، وينبغى ألا ندفع أو نندفع فى اتجاهه. الحديث الدارج عن «تخارج» الدولة بالكامل من النشاط الاقتصادى فيه مبالغة شديدة واندفاع أيديولوجى لا يعبر عن واقع مصر ولا احتياجاتها. انسحاب الدولة من الاقتصاد ليس ممكنا ولا مطلوبا. الأفضل – والذى طالبنا به كثيرا – هو تنظيم دور الدولة فى النشاط الاقتصادى بحيث يكون بارزا فى المجالات الأمنية والتنموية والاجتماعية أو التى يعجز عنها القطاع الخاص، وداعما ومساندا فى غير ذلك. وهذا ما تسعى الوثيقة لتقديمه وما يجب أن يكون الهدف النهائى منها. ويترتب على ذلك أن نجاح السياسة المقترحة ينبغى ألا يقاس بعد عام أو اثنين بحجم «التخارجات» التى تحققت والأصول التى بيعت، بل بما يكون قد تحقق من تصحيح للعلاقة بين القطاعين الخاص والحكومى وبناء أسس للتعاون والشراكة.
ومن ناحية المشروعات المقترح التخارج منها، فقد عبرت خلال الاجتماع عن تخوفى من أن تتجه الوثيقة إلى الوعد بأكثر مما يمكن تحقيقه بالنسبة لتخارج الدولة من بعض الصناعات والقطاعات بالكامل خلال ثلاث سنوات، خاصة أن السيد رئيس الوزراء قد أجاب مشكورا عن تساؤلى حول المقصود بالدولة وهل هو شركات القطاعين العام والأعمال فقط، بأن الوثيقة تتناول كل الأنشطة المملوكة للدولة. لهذا، فنصيحتى مرة أخرى أن يكون الالتزام بالتخارج خلال هذه الفترة الوجيزة فى حدود ما يمكن تحقيقه حتى لا تفقد السياسة الجديدة مصداقيتها.
كذلك تَحفُّظ العديد من الحاضرين – أثناء الاجتماع وبعده – على أن المطروح لا يحل مشاكل الاستثمار والمستثمرين: التراخيص والضرائب والرسوم والجمارك وفض المنازعات والبيروقراطية.. وغيرها. والملاحظة فى محلها، لأن الوثيقة لا تتناول إلا جانبًا واحدًا مما يشتكى منه المستثمرون.. ولكن هذا لا يمنع على الإطلاق من التفاعل معها فى حد ذاتها وتقييمها وانتقادها والتقدم بمقترحات لتحسينها، قياسا على ما ترمى لتحقيقه، وهو تنظيم العلاقة بين القطاعين الخاص والحكومى. فهذا موضوع مهم ويستحق تناوله بالجدية المطلوبة.
أما مشاكل الاستثمار الأخرى، فتظل محل مطالبة فى مناسبات أخرى وأطر مختلفة، ولعل نجاح الحوار هذه المرة يفتح الباب لتناول قضايا أخرى مُلحّة بذات الشفافية والجدية.
أدعوكم للتفاعل مع الوثيقة والمشاركة فى الحوار بأى شكل، مؤسسى أو فردى أو من خلال التواصل الاجتماعى، لأن الموضوع مهم، والحكومة قدمت مبادرة، والتجاوب معها مطلوب.
نقلا عن المصرى اليوم