كُتاب الكيان

الدكتور عمرو ناصف يكتب: أبناء «عمر المختار» مازالوا هناك

– فقط الإنسان وحده هو من تلقى السنون على ملامحه ظلال مرورها ، وهو فقط من تعد له السنوات عداً حتى ينفذ منها رصيده.

 ولكن في حسابات الدول والأمم والقوميات نجد السنين تزيد منها العمر ، وترسخ فيها الحضارة ، وتصنع بها ومنها وفيها التاريخ ، وتكسبها الخبرات والتجارب لغدٍ أفضل وعمر مديد .

وهو ماتمر به دولنا العربية الآن ومنذ سنوات ، فأمام أعيننا ليل نهار ملفات عربية لأحوال دول طالتها رحى الربيع الغربى المدسوس فى طيات حضاراتها ، إختلف وبلاشك حال جميعها مع ذلك الربيع ، فمنها من نجا بفضل الله ثم تاريخ وحنكة شعبها ومؤسساتها وقوة جيشها ونضجه.

 ومنهم من إبتلعته دوامة ذلك البحر المتلاطم موجه البهيم ليله ، ومنهم من هو على شفا الجرف الهارِ يقاتل من أجل البقاء .

– وليس أوقع من النموذج الليبى أن يضرب مثلاً لدول الصراع من أجل البقاء ، واحدة من دولنا العربية التى صارعت – ولاتزال – من أجل التعايش والبقاء على قيد الوجود.

 فلقد قدمت ليبيا – منذ تردى أوضاعها فى ٢٠١١م – نموذجاً متفرداً من الحنكة السياسية والتخطيط الإستراتيجي المتميز.

 وإستطاعت أن تظل على مدار أكثر من عشر سنوات باقية بفضل الله وبمساعدة شقيقاتها وجاراتها العربية مثل مصر صاحبة النطاق الأمنى ودول عربية متعففة ذات تاريخ تحمل على عاتقها دوماً معاونة ومساندة القومية العربية .

– فمع دولة هى الأكبر فى إحتياطيات النفط في القارة الإفريقية والتاسعة على مستوى العالم ، ومع مقدرات الغاز أمام سواحلها فى البحر المتوسط يتضح لنا كيف أضحت مطمعاً لآكلات الدول من الغرب والشرق.

تماماً كما كانت العراق وسوريا من قبل، ثم دول القمح والماء والمعادن والموارد الآن ولاحقاً ، ومع تسلل ذلك الخريف الرعبى بين دول الشرق الأوسط العربى إلا ونجد ليبيا قد أصابها ما أصاب غيرها تباعا.

انتشر فيها زبانية وأعوان الشياطين يقلبون أهله الطيبين ضد حكامه تماماً كالذى كان مع مصر وسوريا واليمن ويكون الآن – بشكل مختلف – مع السودان ، لتبدأ خطط زعزعة الإستقرار السياسى والاجتماعى والأمنى حتى استباح الخونة والعملاء منهم دم رئيسهم.

 باتت ليبيا على شفا ذلك الجرف ولولا فضل الله ورجال محنكون من الشعب الليبى ، ولولا شعب وطنى طيب مسالم ، ودول عربية مجاورة ومؤازره لإنزلقت فى حفرة دراكولا الغرب وأعوانه من مصاصي الزيت والغاز والموارد.

 ومع تواتر مؤتمرات الإنقاذ بحضور عربى نافذ ( كإتفاق السخيرات ٢٠١٥ ) ،  و( إعلان القاهرة ٢٠٢٠ ) وصولاً مؤخراً إلى ( مؤتمر باريس ٢٠٢١ ) الذى حضرته وأيدته أقوى دول أوروبا والعالم تحت رعاية أممية فى نوفمبر الماضى .

 وفى ظل جهود مجلس نواب عقيلة عقوله ، ودماء حرة لجيش حر شريف هو خير خليفة كقائده ،  لقضت ليبيا نحبها مع المطامع التركية والغربية بمعاونة حكومة الخيانة الطرابلسية ووزراءها متعددى النسب ومغتربى العرق وبدعم عربى دنيئ لدول عربية شاردة خارج سرب الأمة العربية .

ولمّا كانت ليبيا – وباذن الله – على موعد مع مصير مشرق ومستقبل مورق بإنطلاق أولى الجولات الإنتخابية الرئاسية والبرلمانية القادمة فى أواخر ديسمبر القادم.

 ورغم ضبابية المشهد وبعض الخلافات الفردية الحزبية والبرلمانية حول قوانين الإنتخاب ، وغرابة بعض أسماء المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية ، وتوتر الوضع الأمني العام فى الشارع الليبى لإستمرار وجود المرتزقة الذين دفعت بهم تركيا وشركات الأمن الروسية.

وتجاوز عددهم العشرين ألفاً و الذين أُغرقت بهم أواصل الدولة منذ مايربو على السنتين سعياً لتقسيم البلاد وتناوب أكلها كسابقاتها.

 إلا أن صمود الدولة بمجلس نوابها وجيشها ومؤازرة جوارها ودعم صديقاتها ينبئ عن خير باذن الله ، ورغم سعى بعض التيارات الليبية فى الداخل وبعض قوى العالم الغربى فى الخارج لتأجيل تلك الإنتخابات تحت مسميات واهية من القلق الأمنى وعدم جاهزية الشارع.

 إلا أن الليبيين انفسهم يدركون جيداً أن تلك المحاولات ماهى إلا مماطلات ومناورات الغرض منها كسب الوقت لينطبق البند ( رقم ١٢ ) من قانون الإنتخابات – القاضى بضرورة مرور ( ٣ اشهر ) على ترك مرشح الرئاسة لمنصبه القائم به –  على مرشحين بعينهم مثل رئيس الحكومة ( عبدالحميد الدبيبة ) المحسوب لدى البعض فى الشعب الليبي على نظام تركيا ودعم الإخوان .

 وكذلك تضييق الخناق على ( سيف الإسلام القذافي ) مفاجئة المشروع الإنتخابى والمرشح الرئاسى الأميز على الساحة والذى أثار زخماً كبيراً بين جنبات الصحراء والقبائل.

 ولا يبقى لنا إلا أن نعوّل على فطنة ورجاحة العقل الليبى ذاته ، وهو رهان مأمون الجانب مع شعب طارد الإستعمار بين حنايا الأودية وممرات الجبال لعقود ، وحسو حفنات الرمال على قبعاتهم المرصعة بالنحاس.

 لذا فعلى ذاك الشعب الواعى الأبى ذو التاريخ أن يصبر كما صبر لقرون ، ثم يتحين اللحظة أياً كان موعدها كما فعل عمر المختار .

 ويتوجه للجان الإقتراع ليختار رئيساً لدولته ممن يراهم على قدر الثقة والوطنية ، ومن ثم دحر الأعداء ممن يُخشى منهم على بلاده ، من خلال الورقة والصندوق.

 ومن ثم يتبعها بغربلة مرشحى النواب ليخرج ويخرج معه العرب المهمومون بليبيا جميعاً بكوكبة تجتمع تحت قبة برلمان هو الشامخ منذ عقود ، تأسيساً لدستور وطن جديد حالته عريق نشأته ، فى ظل رئيس دولة وفىٌ وطنى شريف ، وبين أحضان شعب يعلن لكل العالم أن أبناء المختار.. مازالوا هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى