كُتاب الكيان

محمد رفعت يكتب|عندما غضب مني شكري سرحان من غير ليه!

عام 1989 كان عبد الوهاب يقترب من نهاية عقده الثامن، عندما وجد نفسه يواجه دعوى حسبة للتفريق بينه وبين زوجته، بعد اتهامه بالكفر والإلحاد إثر أغنيته الشهيرة “من غير ليه”، والتي كان مقرراً أن يغنيها عبد الحليم حافظ بحفل عيد الربيع عام 1977، لولا اشتداد مرضه ورحيله المفاجئ.

بعد رحيل العندليب ولأكثر من عشر سنوات، ظلت الأغنية حبيسة أدراج مكتب عبد الوهاب، الذي رفض منحها لأي من مطربي ذلك الوقت، حتى قرر هو غناءها، وحققت نجاحاً كبيراً أكد أن تقدم العمر لم ينل من صوت الموسيقار الكبير. لكن الأغنية اصطدمت بتربص بعض التيارات الإسلامية ورموزها، فشنوا حرباً ضده على منابر المساجد والزوايا، وعبأوا فتاواهم التكفيرية في شرائط كاسيت، قبل أن ينقلوا معركتهم معه لساحات القضاء بسبب مطلع الاغنية الذي يقول فيه عبدالوهاب..جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا عايزين ايه.

ايامها نجح موسيقار الاجيال في تجييش كل رؤساء الأقسام الفنية بالصحف للدفاع عن الاغنية وتبرئته من تهمة الاساءة الى الدين.. ومن بينهم رئيسي الصحفي والملحن الراحل محمد قابيل الذي اتصل بي من بيت عبدالوهاب ليكلفني بعمل تحقيق صحفي استطلع من خلاله اراء مجموعة من المفكرين والمثقفين والفنانين الكبار للدفاع عن من غير ليه في وجه المتطرفين الظلاميين.

كان عمري وقتها ثلاثة وعشرون عاما وما زلت محررا تحت التمرين ولذلك خفت أن أغضب قابيل بنقل اراء بعض من تواصلت معهم ممن لم يحبوا الاغنية أو رأوا أنها بالفعل تتعارض مع حكمة الله في خلقه..ومنهم الفنان الكبير شكري سرحان والذي نقلت نصف رأيه الأول فقط على طريقة لا تقربوا الصلاة.

وبعد نشر الموضوع ..فوجئت باتصال تليفوني منه برئيس التحرير وقتها وهو الاستاذ صلاح منتصر يشكوني ويتهمني بتحريف كلامه..ولولا ان منتصر نفسه كان احد المدافعين بشدة عن الاغنية لدرجة انه كتب عنها في عموده اليومي بالاهرام اكثر من مرة لما مر الموضوع على خير.

 شعرت بالندم الشديد وصممت على الاعتذار له بأي شكل خاصة وأنني أحببته جدا على المستوى الانساني بعد أن التقيت به وحاورته..وحاولت الاتصال بالفنان الكبير اكثر من مرة لأعتذر له ولكنه كان يرفض الرد علي حتى غامرت وذهبت الى بيته في شارع قصر النيل بوسط البلد واستقبلني بابتسامة مقتضبة وقبل اعتذاري في النهاية بعد أن لقنني درسا لن أنساه أبدا في حياتي.

كاتب صحفي وشاعر وأديب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى