د. خالد عاشور يكتب | هل أنت صحفي؟ أم ابن ناس طيبين؟
هذه الجملة جزء من حوار يدور بين المعلم نونو، وأحمد عاكف بطل رواية “خان الخليلي” لنجيب محفوظ:
أحمد عاكف: بل أريد أن أكتب كتابًا أيضًا
المعلم نونو: هل أنت صحفي؟
أحمد عاكف: وهبني أجبتك بالإيجاب؟
المعلم نونو: مستحيل… أنت ابن ناس طيبين
وهذا المقتطف ربما يشير إلى أن نجيب محفوظ نظر إلى شخصية الصحفي نظرة فيها شئ من الازدراء؛ خاصة إذا قرنتها بشخصية رءوف علوان في “اللص والكلاب” الذي باع مبادئه وخان ضميره.
لكن تفاجئك شخصية “سمارة بهجت” في “ثرثرة فوق النيل” بإيجابيتها الشديدة ومقاومتها ونقدها لمظاهر الانحلال في المجتمع.
كل هذا يدفعنا للتساؤل: كيف نظر نجيب محفوظ وأدبه إلى شخصية الصحفي؟
يجيب على هذا التساؤل الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة عبر كتابه الممتع : “الصحفي في أدب نجيب محفوظ” الذي يكتسب خصوصية تعود للزاوية التي اختارها الدكتور محمد لدراسة أدب محفوظ فهي زاوية جديدة تمامًا لم يسبقه إليها أحد، وهي شخصية الصحفي وعالم الصحافة، بما ينطوي عليه هذا العالم وبما تتسم به هذه الشخصية من جدل وإثارة وغموض وغرابة ومفاجآت غير متوقعة… وهي زاوية لا شك أن دراستها ستنطوي على الشئ ذاته. يقول المؤلف: ” وهي مهنة يبدو فيها التناقض بين القول والفعل أوضح من غيرها، وهي مهنة يتوقع الناس من ممارسيها الأخلاق المهنية والشخصية وتخفق هذه التوقعات في الأغلب ثم هي مهنة فيها مغريات شتى تسهل السقوط”
وعندما نمضي مع دراسة الدكتور محمد نُفاجأ بكم الصحفيين الذين تمتلئ بهم أعمال نجيب محفوظ على نحو غريب يشير بوضوح مدى اهتمام محفوظ بهذه الشريحة من شرائح المجتمع ومدى تأثيرها النافذ في تاريخ مصر المعاصر، والدراسة لم تقتصر على رصد الصحفي فقط وإنما وسعت من دائرتها لتشمل كل من له علاقة بصناعة الكتابة والإعلام مثل الأدباء والكُتّاب وأساتذة الجامعة، والمذيعين، خاصة في أعمال محفوظ المتأخرة زمنيًا.
فمنذ أعمال محفوظ الأولى سنقابل في “القاهرة الجديدة” الصحفيين: أحمد بدير ومحجوب عبد الدايم وعلي طه، وفي “الثلاثية” نقابل كمال عبد الجواد وعبد المنعم رضوان وأحمد شوكت، وفي “اللص والكلاب” نقابل الصحفي الأشهر في عالم محفوظ الروائي: رءوف علوان، والذي يتناوله المؤلف في فصل بعنوان: “خيانة الصحافة للجماهير” وفي “الشحاذ” نقابل مصطفى المنياوي وهو النموذج الذي يسميه المؤلف : “إعلام اللب والفشار” الذي يهدف لتغييب المجتمع وإلهائه من خلال التسلية والتهريج، وفي “ثرثرة فوق النيل” نقابل نموذج “الصحفي الملتزم في مواجهة العبث ” والذي جسدته سمارة بهجت، وفي “ميرامار” نقابل الصحفي الوفدي المعتزل عامر وجدي ومذيع الراديو الشيوعي منصور باهي.
وفي المرحلة المتعددة التجارب نقابل عددًا كبيرًا من الكتاب والصحفيين وأساتذة الجامعات تحت عناوين مختلفة نقرأ من خلالها تاريخ مصر المعاصر في تقلباته المتنوعة. في “المرايا”: الصحفيون في شبه سيرة ذاتية، و”الحب تحت المطر”: إعلام الاستغاثات الجنسية، و”الباقي من الزمن ساعة”: سطوة التليفزيون، هذا فضلًا عن عشرات القصص القصيرة.
تحية للدكتور محمد حسام الدين إسماعيل على دراسته الممتعة والمفيدة التي هي إضافة حقيقية لما كتب عن نجيب محفوظ من أعمال نقدية وثقافية، وعلى حاسته النقدية والبحثية النافذة التي ألقت ضوءًا جديدًا على أعمال نجيب محفوظ.